
الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية: تحوُّل دبلوماسي أم مجرد خُطوة رمزية؟
2025-09-2399 مشاهدة
شهدت الأيام الماضية زخماً دبلوماسياً تاريخياً لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ومن المتوقع أن يصل عدد الدول المعترِفة بفلسطين إلى 159 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة، مع اعتراف ما يقارب 10 دول جديدة.
وقد قامت كل من بريطانيا، وفرنسا، وكندا، وأستراليا، والبرتغال بالفعل بالاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية. ومن المتوقع أن تحذو حَذْوها دول أخرى مثل بلجيكا، ولوكسمبورغ، ومالطا، وسان مارينو، وأندورا.
وتأتي هذه التطوُّرات بالتزامن مع انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تستضيف الأمم المتحدة مؤتمراً حول "حلّ الدولتين".
يحمل هذا الاعتراف الدولي المتنامي عدة دلالات إستراتيجية، أبرزها أن هذا التوجه غير المسبوق يمثل نقطة تحوُّل في مسار تعاطي المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية، ومحاولة الدول المعترِفة تصحيح خطأ تاريخي تعرض له الشعب الفلسطيني.
وتعكس هذه الاعترافات محاولة من حكومات هذه الدول لاتخاذ مواقف إيجابية لنسبة كبيرة من الناخبين والمواطنين في بلدانها، بحيث تبدو هذه الحكومات وكأنها قامت بما ينبغي القيام به في مواجهة عمليات الإبادة والتهجير التي تشهدها غزة منذ أكثر من عامين.
بالنسبة لفلسطين، تحمل هذه الاعترافات أهمية على المستوى الدبلوماسي والقانوني. فعلى المستوى الدبلوماسي، ستسمح هذه الخُطوة برفع مستوى تمثيل السفارات الفلسطينية، مما يعزز الشخصية القانونية للدولة. كما أنها قد تزيد الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال، وتساعد فلسطين على السعي للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة بدلاً من وضع "عضو مراقب" ، رغم أن هذا يتطلب موافقة مجلس الأمن، حيث تملك الولايات المتحدة حقّ النقض (الفيتو).
وعلى الرغم من أهميتها الرمزية، فإن هذه الخُطوة محدودة التأثير على الأرض على المستوى القصير، خاصة في ظلّ استمرار الحرب في غزة وتصاعُد الاستيطان في الضفة، ولا تعدو في الواقع أن تكون مجرد "لفتة رمزية" لتخفيف الضغط السياسي الداخلي على حكومات الدول المعترِفة بفلسطين.
إلا أن هذه الاعتراف يُرتّب على المستوى المتوسط والبعيد التزامات على الدول المعترِفة لمراجعة علاقاتها مع إسرائيل، وربما اتخاذ خُطوات عملية مثل حظر منتجات المستوطنات.
وبلا شك فإن الاعترافات المتتالية تُمثّل خسارة دبلوماسية بالنسبة لإسرائيل على المستوى الدولي، وهي التي رفضت -وما تزال ترفض- بحث فكرة حلّ الدولتين، وتؤكد بشكل مستمر على أن فكرة الدولة الفلسطينية مرفوضة بالمطلق إسرائيلياً.
وفي ظلّ سيطرة اليمين المتطرف على السلطة في إسرائيل، ففي الغالب ستدفع هذه الاعترافات إلى مزيد من الإجراءات العدوانية في غزة والضفة الغربية، حيث سيحاول بنيامين نتنياهو وحلفاؤه في الائتلاف الحاكم إرضاء ناخبي اليمين، وإقناعهم بأن إسرائيل لم تتأثر بهذه الخسارة الدبلوماسية، وأنها أخذت خُطوات إضافية على الأرض بما يمنع بأيّ شكل قيام دولة فلسطينية.
في المحصِّلة، يُشكّل الاعتراف الدولي المتسارع بالدولة الفلسطينية محطّة مهمة في المسار السياسي والدبلوماسي للقضية، لكنه لا يرقى بعدُ إلى مستوى التحوُّل الإستراتيجي الكامل ما لم يُترجم إلى إجراءات عملية على الأرض.
وبينما يمنح الفلسطينيين زخماً معنوياً وسياسياً، ويُعمّق عزلة إسرائيل على الساحة الدولية، فإنه في الوقت ذاته يكشف محدودية قدرة المجتمع الدولي على فرض حلول ملزمة في ظلّ استمرار الفيتو الأمريكي والدعم الغربي لإسرائيل.
وعليه، يبقى الاعتراف خُطوة ذات طابع مزدوج: رمزياً يعزز شرعية القضية الفلسطينية، وإستراتيجياً يفتح الباب لاحتمالات ضاغطة على المدى المتوسط والبعيد، لكنها مشروطة بمدى استعداد الدول المعترِفة لتحويل مواقفها إلى سياسات ملموسة تُؤثّر على ميزان القُوى الفعلي في الصراع.