الإطاحة بمدير الأمن الداخلي في الجزائر
2020-04-184842 مشاهدة
تمهيد
أعلن في الجزائر يوم 13 أبريل عن إقالة العميد واسيني بوعزة من منصب المدير العام للأمن الداخلي (المخابرات)، وتعيين نائبه العميد عبد الغني راشدي مكانه، بعد خمسة أيام فقط من تعيين راشدي في منصبه كنائب لبوعزة.
وكان بوعزة قد صعد إلى إدارة قسم الأمن الداخلي التابع لجهاز المخابرات في الجزائر في أبريل 2019، خلفا للجنرال عبد القادر بوهدبة، الذي عينه الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة في 13 فبراير 2019 في هذا المنصب.
جاء ذلك بالتزامن مع قرار قيادة المؤسسة العسكرية استعادة جهاز المخابرات إلى الجيش بعد ثلاث سنوات من نقل تبعيته إلى الرئاسة بقرار من بوتفليقة، وتم إنهاء مهام مدير جهاز المخابرات الفريق بشير طرطاق، وعين خلفاً له بشكل مؤقت الجنرال محمد قايدي مديراً جديداً لجهاز الاستخبارات.
وقد تم في ذات الشهر، أي أبريل 2019، إقالة الجنرال علي بن داود من منصبه مديراً لجهاز الأمن الخارجي، وهو أحد أفرع جهاز المخابرات، وخلفه في المنصب الفريق محمد بوزيت.
أولاً: العلاقة بين بوعزة وقائد صالح
أبدى واسيني بوعزة ولاء مطلقاً للمؤسسة العسكرية أيام قائد الأركان الراحل قائد صالح، وضرب بيد من حديد جناحي الرئاسة والمخابرات أيام بوتفليقة، من خلال إقناع القائد صالح باعتقالهم رؤوسهم جميعاً، السعيد بوتفليقة، ومحمد مدين (التوفيق) وبشير طرطاق.
وكانت العلاقات بين واسيني بوعزة والقائد صالح مباشرة، بعيداً عن إدارة المخابرات. ولكن الخلاف ظهر خلاف بين الرجلين في الانتخابات الرئاسية الماضية، فبينما كان واسيني بوعزة، يميل لترشيح وزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي لرئاسة الجمهورية، كان رأي القائد صالح ومعه القيادة العسكرية مع ترشيح عبد المجيد تبون.
وهناك معلومات مؤكدة أن القائد صالح في نوفمبر الماضي كان قد أصيب بمرض أدخله المستشفى، وأنه كان شبه غائب عن الوضع. لكنه عندما سمع بأن واسيني بوعزة يقف خلف عز الدين ميهوبي غضب غضباً شديداً، وأنه كان يستعد لتنحية بوعزة واعتقاله، إلا أن المرض أقعده عن ذلك حتى توفي.
يوصف واسيني بوعزة بأنه رجل قوي، وقيل بأنه كان يُعنِّف في مكتبه لفظياً وأحياناً مادياً من لا يسمع لرأيه، وأنه اكتسب هذه القوة من ثقته المبالغ فيها في أنه أصبح الرجل الأقوى، بالنظر إلى حاجة القائد صالح له، وأي قادم جديد للرئاسة بعد تنحية بوتفليقة.
لكن قوة واسيني على المستوى الشخصي لم تمنع من تغيير المعادلة الكلية، وهي أنه جزء من آلية أمنية وسياسية اعتمدتها المؤسسة العسكرية ومعها أطراف خارجية. وقد اتضح ذلك جلياً بانتخاب عبد المجيد تبون رئيساً للبلاد، وهو أحد الرجالات الذين اعتمد عليهم بوتفليقة (رئيساً للحكومة ووزيراً في عدة مناصب)، أو قل الجهة العسكرية التي أتت ببوتفليقة للحكم نهاية تسعينيات القرن الماضي.
ثانياً: الصراع مع الفريق العسكري في مكتب تبون
كان تبون، الذي فاز بالرئاسة يعلم أن مدير قسم الأمن الداخلي، الرجل القوي، لم يكن مؤيداً له في الانتخابات الرئاسية، وأنه كان مؤيداً لعز الدين ميهوبي، لكنه رفض الدخول معه في مواجهة مباشرة، ليس فقط بسبب الحراك الذي كان قوياً يومها في الشارع، ويحتاج إلى رجل أمني قوي وخبير يمكنه التعامل معه، وإنما أيضا لأن تبون والجهة التي أتت به كانت بحاجة لتهدئة الأوضاع الداخلية وتركيز معالم السياسة الداخلية والخارجية، وهو ما يحتاج إلى بعض الوقت.
فهم واسيني بوعزة، أن الزمن السياسي لا يسير في صالحه، لكنه ظل مع ذلك واثقاً من أنه لا يزال الرجل الأقوى وأنه لا يمكن التخلص منه بسهولة.
شكل الرئيس عبد المجيد تبون مكتبه الجديد، وكان لافتاً للانتباه أن هذا المكتب ضم اسمين مهمين من النظام السابق هما: اللواء عبد العزيز مجاهد، ورئيس مكتب التوفيق عمارة رضوان المعروف باسم الحاج رضوان، وقد تمّ تسميتهما مستشارين للشؤون الأمنية والعسكرية.
شغل مجاهد الذي تقاعد من صفوف الجيش برتبة لواء عدة مناصب رفيعة في المؤسسة العسكرية آخرها مدير الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة في شرشال.
أما الجنرال رضوان فكان مدير ديوان الفريق توفيق لأكثر من 10 سنوات وهو ينحدر من منطقة القبائل. وهو من ضباط الجيل الثالث في الجيش، حيث التحق بالجيش في السبعينات، وهو حاصل على شهادات عليا، ويعتبر من كفاءات جهاز الأمن، ومتخصص في مجال الاستخبارات العسكرية، فهو إذن ابن المخابرات، عكس واسيني بوعزة العسكري الذي لا علاقة له بمهام الاستخبارات.
والجنرال رضوان شخص متدين ومحافظ؛ ولم يعرف عنه تورطه في الفساد، كما أنه بعيد كل البعد عن صراع الأجنحة فكان طيلة فترة عمله في المخابرات بعيداً عن الصراعات داخل المؤسسة العسكرية فهو رجل عملي.
وهكذا يتضح أن تنحية واسيني بوعزة تُحقّق مصلحة لجناح الرئيس عبد المجيد تبون، الذي تريد الأطراف التي أتت به تقويته، وأيضا رسالة إيجابية إلى جناح المخابرات السابق، وتحديداً التوفيق وبشير طرطاق، وهو ما يشير إلى أن الأمر يتعلق بتدوير داخل المؤسسة العسكرية، تمكنت من خلاله من إضعاف الحراك وإزاحة جناح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي كان قوياً في آخر أيامه، وإضعاف جناح المخابرات وإنهاء أسطورة الرجل الذي لا يقهر في إشارة إلى التوفيق.
كانت الخطوة الأولى والرسالة المباشرة لواسيني بوعزة حين قام رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي اللواء سعيد شنقريحة يوم 8 أبريل (قبل خمس أيام من إقالة بوعزة) بتعيين العميد عبد الغني راشدي نائباً لبوعزة وبصلاحيات واسعة.
وتمت إقالة العقيد كمال الدين رميلي، المدير العام للوثائق والأمن الخارجي، وهو الجهاز الذي يمثل الشق الثاني من المخابرات الجزائرية، واستبدال اللواء محمد بوزيت به، والذي سبق له شغل المنصب، ويعد من أبرز خبراء المؤسسة العسكرية في القضايا الخارجية.
ثالثاً: آثار التغيرات الأخيرة
لن تكون إزاحة واسيني بوعزة وفريقه نهاية المطاف للصراع بين الأجنحة العسكرية والأمنية والسياسية، وسيظل هناك صراع بين قصر الرئاسة والمؤسسة العسكرية، لأن هناك تضارباً حقيقياً في الصلاحيات، إذ أن الرئاسة في الجزائر ليست في النهاية إلا واجهة لحكم العسكر، وأنه لا يمكن، وبأي حال من الأحوال، أن تكون الرئاسة سيدة نفسها.
وتشكّل التغيرات الأخيرة نجاحاً للجيش في تحجيم دور الرئاسة والمخابرات في آن معاً، حيث تم نجح الجيش في إعادة المخابرات إلى المؤسسة العسكرية، وأسهموا في تشكيل مكتب الرئيس عبد المجيد تبون من خلال تعيين عسكريين مهمين فيه.
وهناك معلومات تشير إلى تحميل واسيني بوعزة شخصياً مسؤولية التصعيد ضد قيادات الحراك، وأن قسمه هو من كان يتولى التحقيق في ملفات النشطاء المعارضين، ولذلك يتوقع هؤلاء أن تتجه القيادة العسكرية الجديدة إلى التهدئة مع الحراك، لا سيما في ظل الظروف الأمنية ذات الصلة بالحرب على فيروس كورونا، وربما نشهد في الفترة التالية، وخاصة في رمضان والعيد إفراجاً عن المعتقلين بشكل تدريجي.