ماذا وراء الاتفاق على بناء قاعدة بحرية روسية في السودان؟

ماذا وراء الاتفاق على بناء قاعدة بحرية روسية في السودان؟

2024-06-13
1417 مشاهدة


بتاريخ 25 مايو/ أيار 2024، صرح عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العامّ للجيش السوداني الفريق ياسر العطا، بأن موسكو طلبت إقامة محطة وقود في البحر الأحمر مقابل توفير أسلحة وذخيرة للجيش السوداني، وقد أكّد العطا موافقة الجانب السوداني على المقترح ضِمن إطار شامل يشمل شراكة إستراتيجية في مجالات عسكرية وأمنية واقتصادية وزراعية وقطاع التعدين والتنقيب عن الذهب، مشيراً إلى أن وفداً عسكريّاً سودانيّاً سيكون في موسكو في وقت قريب، وسيليه زيارة وفد وزاري على رأسه نائب رئيس مجلس السيادة، يعقبه بعد إقرار بروتوكولات الاتفاقية توقيع عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة على اتفاقية الشراكة بين البلدين.

تعود فكرة إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان إلى عام 2007 عندما اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الفكرة آنذاك على الرئيس السابق عمر البشير الذي رحَّب بالاقتراح ووعد بدراسته لإقراره لاحقاً، وقد تجدد الحديث عن القاعدة في عامَيْ 2017 و2019، ووصلت المفاوضات إلى نقطة متقدمة في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 حيث أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعليماته لوزارة الدفاع بالتوقيع على اتفاقية إنشاء نقطة خدمات لوجستية في البحر الأحمر لسلاح البحرية في بورتسودان السودانية، وقد نشرت موسكو مسودة الاتفاقية آنذاك، إلا أن الخُطوة خضعت لتأجيل متكرر لأسباب تتعلق بضغوط غربية على الحكومة السودانية من جهة وبسبب المعارك التي يشهدها السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عام من جهة أخرى.

تشير المعلومات الواردة من السودان إلى قرب توقيع اتفاق تعاون إستراتيجي عامّ وآخر عسكري، بين مجلس السيادة وروسيا، يتيح لروسيا إنشاء قاعدة دعم لوجستي عسكرية على ساحل البحر الأحمر في بورتسودان، في تطوُّر لافت قد يُعَدّ بداية لتحوُّل إدارة السودان نحو روسيا على حساب القُوى الغربية ومصالحها في المنطقة.

من المؤكَّد أن روسيا تحتاج إلى قاعدة الدعم اللوجستي في السودان لتكون بوابة رئيسية لها تجاه القارة الإفريقية عوضاً عن بوابتها المؤقتة في بنغازي، خاصة بعد فقدان روسيا خلال الحقبة السوفياتية قاعدة بربرة البحرية في الصومال. ومنذ ذلك الحين لم يكن لروسيا أي وجود عسكري في قاعدة بحرية في البحر الأحمر، وبالتالي فإن نجاح الاتفاقية يرجح حرص روسيا على استخدام القاعدة اللوجستية في بورتسودان لتسهيل أنشطتها وتعزيز نفوذها في إفريقيا لتكون كقاعدة دعم بحرية أخرى إلى جانب القاعدة البحرية في طرطوس السورية -حميميم- التي تستخدمها كنقطة انطلاق نحو ليبيا شمال إفريقيا.

من المفترض أن يقابل تفعيل الاتفاقية المرتبطة بالقاعدة البحرية لروسيا تحوُّلٌ في سياسة روسيا تجاه السودان، والذي من المفترض أن يُنهي أو يُقلِّل دعم الجانب الروسي لقوات الدعم السريع التي تواجه القوات المسلحة السودانية منذ نيسان/ إبريل 2023؛ علماً أن روسيا عززت مواقعها في جميع أنحاء إفريقيا منذ مطلع عام 2024، مثل ليبيا التي أرسلت إليها منذ آذار/ مارس حوالَيْ 1800 جندي من الفيلق الإفريقي وآلاف الأطنان من الإمدادات العسكرية، كما توسعت عمليات التجنيد في صفوف الفيلق الإفريقي في بوركينا فاسو والنيجر ومالي.

تنص الاتفاقية على أن تكون قاعدة الدعم اللوجستي قادرة على استقبال ما يصل إلى 4 سفن روسية في وقت واحد، بما في ذلك السفن العاملة بالطاقة النووية، وسيكون الجانب السوداني مسؤولاً عن الأمن الخارجي للقاعدة، بينما تقع مسؤولية حماية حدود المنطقة المائية والدفاع الجوي والأمن الداخلي للقاعدة على عاتق الجانب الروسي، وبالتالي ستتيح القاعدة لروسيا إمكانية استيراد وتصدير أي أسلحة وذخيرة ومعدات لازمة للقاعدة، وكذلك حق إقامة مواقع عسكرية مؤقتة بالسودان لحماية القاعدة المزمع إنشاؤها.

ستُشكِّل القاعدة عامل توتُّر مع القُوى الغربية في المنطقة، خاصة مع الولايات المتحدة التي تنتشر عدة قِطَع من أساطيلها البحرية في البحر الأحمر.

وكآفاق لهذه التطوُّرات، من الممكن أن نشهد تعاوُناً روسياً إيرانياً في السودان خاصة بعد تواتُر معلومات عن وجود عروض إيرانية للقوات المسلحة السودانية لتوريد عدد كبير من الطائرات بدون طيار لدعمها في حربها ضد قوات الدعم السريع، ويمكن أن نشهد مزيداً من التعاون الروسي الصيني الإيراني في منطقة البحر الأحمر لإرسال رسالة إلى الفاعلين في المنطقة بوجود فاعلين دوليين جُدد، في تكرار للاستعراضات العسكرية التي قامت بها الدول الثلاث في شهر آذار/ مارس الماضي عندما قامت بتدريبات عسكرية مشتركة في خليج عُمان.

تشكل القاعدة اللوجستية في الحالة السودانية أهمية بالنسبة للروس نظراً لوجودها في منطقة إستراتيجية للقُوى الكبرى، إلى جانب قربها من طرق تدفُّق النفط العابر للقارات في المنطقة.