ما أبعاد استعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسودان؟
2024-08-051186 مشاهدة
بعد قطيعة استمرت ثماني سنوات بدأت في كانون الثاني/ يناير 2016 ، على خلفية تضامُن السودان مع السعودية بعد تعرُّض مقارّها الدبلوماسية في إيران للتخريب على يد مجموعة من المتطرفين الإيرانيين بعد إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، تبادلت إيران والسودان سفيريهما الأحد الماضي 21 تموز/ يوليو 2024 معلنتين استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، ومع عودة هذه العلاقات بدأت تُطرح العديد من الأسئلة حول أبعاد هذه العلاقة وطبيعتها، لا سيما أنّها جاءت في وقت يشهد فيه السودان والمنطقة تحوُّلات عديدة على مستوى الصراع المحلي والإقليمي.
تُظهر القراءة الأولية لمسألة عودة العلاقات بين إيران والسودان، أن هذه المسألة تحمل أكثر من بُعد جيوستراتيجي، وخصوصاً بالنسبة لإيران التي تقوم رؤيتها الإستراتيجية في المنطقة على توسيع نفوذها البحري وتعزيز وجودها العسكري سواء من خلال القواعد أو من خلال الجماعات والميليشيات العسكرية المرتبطة بها.
بالنسبة لإيران، تنبع أهمية السودان من مجموعة من الحقائق المهمّة، أهمّها موقعها الإستراتيجي المطلّ على البحر الأحمر ، الأمر الذي يجعل من السودان دولة مركزية ومفتاحية مهمة للتأثير الإقليمي في منطقة البحر الأحمر، وتفاعُلات الدول المحلية والإقليمية فيها، من خلال الفرصة الكبيرة التي يمنحها لإيران للتأثير والسيطرة عليه بمداخله ومخارجه الحاكمة، وتحديداً مضيق باب المندب وقناة السويس، وبالتالي فإنّ إنشاء ميناء إيراني أو قاعدة بحرية – كما يجري الحديث - بمدينة بورتسودان من شأنه أن يسمح لإيران بمراقبة حركة المرور البحرية في البحر و مراقبة البضائع القادمة إلى إيلات وقناة السويس .
من جهةٍ أخرى، يعزز الوجود الإيراني في البحر الأحمر من السيطرة الإيرانية في مضيق باب المندب المتأتِّي لها حالياً من خلال جماعة الحوثي "أنصار الله" التي تفرض سيطرتها على هذا المضيق الإستراتيجي الذي يُمثّل أحد أهم شرايين التجارة البحرية العالمية، الأمر الذي يُوسّع الدائرة الأمنية الإيرانية في المنطقة، ويعطيها نقطة متقدّمة في المحيط الحيوي للمصالح والأمن الإسرائيلي، المنافس الأكبر لإيران في منطقة الشرق الأوسط، كما يعطيها أفضلية عسكرية وأمنية تسمح لها باستخدام السودان كورقة ضغط وأداة لمحاصرة الخصم الإسرائيلي في إطار صراع النفوذ القائم بينهما، ومحاولة كل منها السيطرة والهيمنة على المنطقة وفرض تفوُّقه، وهو ما ظهر جَلِيّاً في العمليات العسكرية البحرية التي تقوم بها جماعة الحوثي منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 ، واستهدافها السفن في هذا المضيق ومياه البحرين العربي والأحمر، تحت عنوان دعم معركة " طوفان الأقصى " وقطاع غزة في مواجهة الحرب الإسرائيلية. وبالتالي فإنّ الوجود أو النفوذ الإيراني في السودان، المُطِلّ على البحر الأحمر، والقريب من مضيق باب المندب، يُشكّل جسراً للطموحات الإيرانية في لعب دور فاعل، ليس في السودان فحَسْبُ، وإنّما في العمق الإفريقي، بخاصةٍ في ظل الحرب الاستخباراتية التي يخوضها الطرفان ضدّ مصالح بعضهما بعضاً في المجال الإفريقي .
يُضاف إلى ذلك موقع السودان باعتباره بوّابة مهمّة لإيران ومنصة لتأسيس النفوذ في القرن الإفريقي كمقدمة لتحقيق سياستها الرامية إلى توسيع دائرة نفوذها في القارة الإفريقية ككل، حيث تتقاطع دبلوماسيتها مع النفوذ السعودي والمصري والروسي والتركي والأمريكي والأوروبي، خاصة على ساحل البحر الأحمر، وفى إفريقيا ككل بالتزامن مع التوسُّع الروسي في المنطقة، هذا إلى جانب المصالح الدينية والثقافية الإيرانية في السودان، والتي تتركّز في نشر التشيُّع ، لا سيّما أنّ هذا الموضوع كان نشطاً في السودان في الفترة التي سبقت قطع العلاقات بين الدولتين عام 2016، من خلال المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم ومكتبة الإمام جعفر الصادق والمؤسسات التعليمية الشيعية، كمؤسسة الإمام علي بن أبي طالب التعليمية ومدرسة فاطمة الزهراء وعدد كبير من الحسينيات والجمعيات الخيرية التي هدفت لاستقطاب الفقراء واستغلال حاجاتهم لتشييعهم.
أمّا فيما يتعلّق بالسودان، وتحديداً مجلس السيادة السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان ، فيمكن وضع هذه الخُطوة في إطار ردّ المجلس على دعم بعض الأطراف العربية والإقليمية لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، الذي يمثّل الخصم اللدود للبرهان، لذلك جاءت هذه الخُطوة من البرهان في إطار بحثه عن ظهير يمكن أن يسانده بالأسلحة الإستراتيجية كالطيران المُسيَّر ، والعتاد في حربه ضدّ قوات الدعم السريع لتُغيِّر موازين الصراع المسلح لصالح الجيش السوداني، هذا إلى جانب إمكانية إيران لتوفير المحروقات والأسمدة بأسعار تفضيلية، والاستفادة من شركاتها وخبراتها التي يمكن أن تساهم في إعادة إعمار البِنْية التحتية السودانية بعد توقُّف الحرب وسداد كلفتها عَبْر التبادُل التجاري.
ختاماً يبدو أنّ السودان يُعَدّ ذا أهمية إستراتيجية بالنسبة لإيران، التي اعتادت توظيف التدخُّل في مناطق الصراع لتعزيز أهدافها الجيوسياسية، وبمقارنة السيناريوهات الموجودة في المنطقة، وفي أماكن أخرى شهدت تمدُّدَ النفوذ الإيراني، كلبنان والعراق وسورية واليمن، يبقى التخوُّف حاضراً من تحوُّل الجيش السوداني مستقبلاً على المدى الطويل -في ظل الاهتمام الإيراني الواضح بالسودان- إلى مجموعات ميليشياوية شبيهة بالحشد الشعبي العراقي يُموَّل ويُدعَم من إيران.