إيران وحرب غزة: التحدِّيات والفرص والنهج المحتمل
2023-11-221717 مشاهدة
Download PDF
تمهيد:
بمعزل عن الجدل حول دور إيران المباشر في العملية التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية ضد الجيش الإسرائيلي بمحيط غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما إذا كانت طهران على علم مسبق بتنفيذ العملية أم لا، يبقى الدور المركزي لإيران في الصراع مع إسرائيل حاضراً، فهي عملت طيلة العَقْدين الأخيريْنِ على تعزيز نفوذها في محيط إسرائيل في كل من لبنان وفلسطين وسورية، بما في ذلك توفير الدعم المالي والعسكري لحركة حماس.
منذ اندلاع المواجَهات في غزة، اتجهت الأنظار إلى إيران، سواء ممن يترقب تدخُّلها أو أذرعها؛ كونها تبنَّت على مدار سنوات طويلة محور "المقاومة"، أو ممن يرفض تدخُّلها ويُحذِّرها من استغلال ما يجري لتوجيه ضربات لإسرائيل، وهو ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تكتفِ بالتحذير الكلامي فقط، بل حشدت قوات كبيرة في الشرق الأوسط، ضِمن نهج ردعي لضمان عدم توسُّع المواجهات، لكن التحشيد العسكري والتهديد الأمريكي لم يمنع واشنطن من تقديم مغريات لطهران يثنيها عن التصعيد، عَبْر تخفيف العقوبات والإفراج عن أموال مجمَّدة في البنوك العراقية.
بناءً على ما سبق، يمكن القول إن المواجهات في غزة وضعت إيران أمام تحدِّيات، وفي الوقت ذاته أوجدت لها فرصاً للاستثمار.
تكمن أهمية استعراض التحدِّيات والفرص التي أوجدتها المواجهات في غزة لإيران، في محاولة استشراف النهج الإيراني المستقبلي، وتقدير ما إذا كانت ستدفع طهران باتجاه توسيع المواجهات العسكرية في المنطقة، أو ستعمل على التهدئة لضمان عدم تعرُّض نفوذها لهزّات كبيرة، وبالتالي تقدير الانعكاسات المتوقَّعة على المنطقة عموماً.
أولاً: تحدِّيات أمام إيران ناجمة عن المواجهة في غزة
بدَا واضحاً أن إيران تواجه جملة من التحدِّيات، نتيجة المواجهات الدائرة في غزة بين الفصائل الفلسطينية وكتائب والقسام، والجيش الإسرائيلي، أبرزها:
1- تقويض مشروع وحدة الساحات: مع اكتفاء إيران بتقديمِ الدعم السياسي، ودَفْعِ وكلائها في العراق وسورية لتنفيذ هجمات محدودة وأقرب للرمزية ضد القوات الأمريكية دون انخراطها في المواجهة مع إسرائيل، ازدادت احتمالية انهيار مشروع "وحدة الساحات" الذي عملت طهران على بَلْوَرته في السنة الأخيرة السابقة لعملية "طوفان الأقصى"[1]، ويهدف إلى جمع الفصائل الفلسطينية وحزب الله اللبناني في غرفة عمليات واحدة تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، بما يضمن زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، وسيطرة أكبر على الفصائل الفلسطينية لتقوية أوراق طهران في مواجهة تل أبيب والغرب.
ونظراً للحسابات السياسية المعقَّدة التي تحكم موقف طهران وحزب الله، وظهور مؤشرات على عدم رضا الفصائل الفلسطينية عن موقفهما، بات مشروع وحدة الساحات وما يمثله من سيطرة وتحكُّم لطهران مُهدَّداً بشكل واضح، خاصة مع تصاعُد الأصوات داخل إيران المُطالِبة بعدم خوض مواجهة بالنيابة عن الفلسطينيين[2].
2- فقدان أوراق مؤثرة: استثمرت إيران بشكل كبير في فصائل المقاومة الفلسطينية الموجودة في غزة، رغبة منها في امتلاك أوراق مؤثرة يمكن لها استثمارها في حال تعرضت مصالحها للخطر، كأن تقوم إسرائيل على سبيل المثال بتنفيذ تهديداتها بضرب المفاعلات النووية الإيرانية[3].
بَيْد أن مستقبل فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة اليوم يبدو غامضاً، بعد أن تمكن الجيش الإسرائيلي من التوغُّل داخلها، مع التسريبات التي تتحدث عن اتجاه تل أبيب لتنفيذ عمليات طويلة الأمد، قد تمتدّ لاحقاً إلى جنوب القطاع دون الاقتصار على شماله، وهذا السيناريو -لو تحقق- سيُفقِد إيرانَ القدرةَ على تحريك بؤرة توتُّر مهمة ضد إسرائيل عند الحاجة.
3- مخاطر امتداد المواجهة إلى جنوب لبنان: ثَمَّة مخاطر من انزلاق التصعيد الحالي المنضبط بين حزب الله وإسرائيل إلى حرب موسعة قد تؤثر على نفوذ إيران المتمثل بحزب الله[4].
ومنذ المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله صيف عام 2006، أدرك الأخير أهمية الدخول في تهدئة طويلة الأَمَد والتركيز على الوضع الداخلي، ليصبح تدريجياً رقماً مؤثراً في المعادلة اللبنانية الداخلية، وهو يطمح لمزيد من السيطرة، وبالتالي المزيد من الحضور الإيراني في حوض البحر المتوسط، ولذا فإن امتداد الحرب إلى جنوب لبنان قد يترك تداعيات سلبية على مشروع الحزب.
ثانياً: فرص الاستثمار الإيرانية
عملت إيران بعد عملية "طوفان الأقصى" على تحويل التحدِّيات إلى فرص للاستثمار، ولذا عمدت إلى تركيز خطابها وفعلها العسكري على الولايات المتحدة الأمريكية في سورية والعراق، تحت غطاء الضغط على واشنطن لتدفعها لإيقاف الهجوم الإسرائيلي على غزة[5].
اتجهت إيران للتصعيد ضد القواعد الأمريكية في العراق وسورية، دون أن تتبنى الهجمات ضدها، كونها تريد أن توصل رسائل إلى واشنطن دون أن تتحمل طهران بشكل مباشر مسؤولية الهجمات[6]، وبالتوازي مع ذلك، استمرت الاتصالات بين الجانبين عَبْر وسطاء إقليميين من بينهم سلطنة عُمان، رغبة منهما بالتفاهُم لمنع انزلاق الأمور إلى مواجهة موسعة، ولاستثمار الضغط الإيراني وقبض ثمن عدم التصعيد بأكبر قدر من المكاسب[7]، حيث تم زيادة تفعيل قنوات الاتصال مع واشنطن من أجل التفاوُض حول مصالحها، ويدور الحديث حالياً عن احتمالية اتخاذ إدارة بايدن قراراً بالإفراج عن 10 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمَّدة في العراق، وَفْق آلية تضمن استخدامها لأغراض إنسانية[8].
أيضاً استفادت إيران من التوتُّر بين بعض الدول الإقليمية الرافضة للهجوم الإسرائيلي على غزة وبين تل أبيب مثل تركيا، حيث نجحت طهران في إقناع تركيا وأذربيجان باستضافة اجتماع منصّة التعاون الإقليمي لجنوب القوقاز بهدف نقاش السلام بين أذربيجان وأرمينيا[9]، كما حصلت إيران على موافقة أذرية على إنشاء ممر يربط بين زنغزور ونخجوان على أن يمرّ من الأراضي الإيرانية، بعد جدال كبير ومعارضة طهران لتأسيس ممرّ يتجاوز أراضيها[10].
على الرغم من أن الموافقة الأذرية على مرور الممرّ من الأراضي الإيرانية موافقة أولية، واحتمال حصول متغيِّرات مستقبلية بحسب التطوُّرات، لكن يبقى ما حصل إنجازاً سياسياً يُحسَب لطهران، ويفتح باب تطويره مستقبلاً.
ثالثاً: النهج الإيراني المستقبلي المتوقَّع
من المتوقَّع أن تستمرّ إيران بالضغط المنضبط على الولايات المتحدة الأمريكية بهدف تحريك المفاوضات، على أمل تحقيق طهران لمكاسب اقتصادية مثل الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمَّدة، أو تخفيف العقوبات.
أيضاً من المرجَّح أن تدفع إيران باتجاه تقوية وكلائها لنفوذهم في كل من اليمن والعراق ولبنان، بوسائل مختلفة، كأن تزيد من دعم وتسليح جماعة أنصار الله الحوثية لتُقوِّي موقفها في مواجهة الأطراف اليمنية الأخيرة، تحت ستار تجهيزها لتنفيذ هجمات ضد المصالح الإسرائيلية والغرب في البحر الأحمر نصرةً لغزة، مع القيام ببعض الخُطوات الفعلية الرمزية التي سوف تستثمرها دعائياً، كما حدث في حالة اختطاف السفينة الأخيرة[11].
في لبنان المتوقع أن تسعى إيران من خلال مفاوضاتها مع الأطراف الدولية والإقليمية للدفع باتجاه صفقة بين حزب الله والأطراف الفاعلة في الملفّ اللبناني، تتضمن الاعتراف بنفوذ الحزب ودوره في الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد، مقابل عدم قيامه بتوسيع المواجهة مع إسرائيل.
إضافة إلى ما سبق، قد تتجه طهران إلى استغلال التوتُّرات بين دول الإقليم وإسرائيل بشكل أوسع، وتقوم بتوسيع علاقاتها وتطويرها مع دول مثل مصر والأردن، حيث تحتاج هذه الدول أيضاً إلى تقوية موقفها الرافض لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة.
وضِمن الملف الفلسطيني، غالباً ستعمل إيران على زيادة حجم نفوذها في الضفة الغربية، كي تتجنب التعويل فقط على قطاع غزة الذي بات مصيره ضبابياً في ظل العمليات العسكرية الحالية، خاصة مع حديث تقارير سابقة عن محاولات إيران تهريب الأسلحة للضفة الغربية[12].
خاتمة
إن مراقبة السلوك الإيراني منذ اندلاع المواجهات في قطاع غزة، تُظهر بشكل واضح الحَذَر البالغ لدى طهران تحسُّباً للانجرار إلى تصعيد يضر بنفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وهي غالباً تراهن على تراجُع زخم العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة تحت ضغط الاستنزاف نتيجة هجمات فصائل المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى المسارات الدبلوماسية الرامية لوقف الهجوم على القطاع، خاصة أن المؤشرات تدلّ على عدم رغبة واشنطن بامتداد الحرب لفترات زمنية طويلة، مما قد ينعكس سلباً على الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024.
بالمقابل إنّ حَذَر طهران لا يمنعها من العمل على محاولة استثمار الأوضاع الحالية بأقصى حدّ من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، ستكون مهمة لتعزيز موقف النظام الإيراني الداخلي، وتضمن له تحصين نفوذه الخارجي.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)
الهوامش:
[1] زيارة وفدَي الجهاد وحماس إلى طهران تكريساً لمبدأ وحدة الساحات، قناة العالم الإيرانية، 21 حزيران/ يونيو 2023، الرابط.
[2] Iran told US it did not want Israel-Hamas war to escalate Financial Times17, Nov,2023, Link.
[3] كوخافي: إسرائيل جاهزة لضرب أهداف نووية إيرانية، وكالة الأناضول، 7 كانون الأول/ ديسمبر 2022، الرابط.
[4] قلق في لبنان من اتساع رقعة الحرب.. هل ينزلق الوضع نحو الأسوأ؟ سكاي نيوز، 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، الرابط.
[5] إيران تحذر الولايات المتحدة من جبهات جديدة، الشرق الأوسط، 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2023،الرابط.
[6] Iran envoy says Tehran had no direct role in Hamas’ Israel rampage, or proxy attacks on US forces, 9 Nov2023, Link.
[7] معلومات حصل عليها فريق البحث عَبْر مقابلة مع دبلوماسي غربي، 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
[8] Biden Mulls Approval of Fresh $10 Billion for Iran. Freebeacon.13 Nov.2023.Link.
[9] طهران تستضيف اجتماع منصة التعاون الإقليمي لجنوب القوقاز، وكالة الأناضول، 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، الرابط
[10] تقارُب "إيراني أذربيجاني”.. هل فشلت إسرائيل بالتعويل على جبهة قره باغ، الجزيرة نت، 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، الرابط
[11] ما الذي نعرفه عن خطف الحوثيين لسفينة تجارية مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي في البحر الأحمر؟، فرانس 24، 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، الرابط.
[12] عبر 4 دول.. كيف هرّبت إيران أسلحة إلى حلفائها في الضفة الغربية؟، الحرة، 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، الرابط