"لبنان وسوريا في ظل الحرب "الإيرانية – الإسرائيلية

"لبنان وسوريا في ظل الحرب "الإيرانية – الإسرائيلية

2025-06-24
101 مشاهدة
Download PDF

مقدمة 

تُشكّل الحرب بين إسرائيل وإيران لحظة دقيقة في توازُنات الشرق الأوسط. إذ تتجاوز هذه المواجهة بُعدها العسكري التقليدي لتفتح الباب أمام إعادة رسم التحالفات، وتحديد أدوار القوى الفاعلة على المستويين الإقليمي والدولي.  

لبنان وسوريا يقفان في قلب هذا الزلزال الإستراتيجي، ويتأثران على نحو مباشر بارتداداته، نظراً إلى تشابك الجبهات، والارتباط العميق بين طهران وحلفائها في المنطقة.  

أولاً: لبنان في قلب العاصفة – أزمة الدولة والهشاشة البِنْيَويّة 

يقف لبنان على حافة هاوية جديدة، فالحرب الإسرائيلية على إيران تُعيد فتح الجبهة اللبنانية لتكون مساحة محتملة للاشتباك. وبينما تؤكد الدولة اللبنانية الرسمية، عبر رئاسة الجمهورية والجيش، التزامها بعدم الانجرار إلى الحرب، فإن الواقع الميداني لا تملكه الدولة، بل تُمسك بمفاتيحه قوى الأمر الواقع، وفي مقدّمتها حزب الله.  

تسارعت في الأسابيع الأخيرة الاتصالات بين الحزب وقيادة الجيش اللبناني، كما وردت تحذيرات دولية عبر الوسيط الأمريكي توماس باراك، الذي حذر من أن أي انخراط لحزب الله سيُقابَل بردّ إسرائيلي قاسٍ، وقد يجرّ البلاد إلى حرب شاملة تتجاوز قدرة الدولة اللبنانية على احتوائها . [1]  

من جهة أخرى، فإن الانهيار الاقتصادي والمؤسساتي في لبنان يضاعف من أخطار أي تورُّط. فلا قدرة فعلية للدولة على حماية بنيتها التحتية أو احتواء نزوح داخلي جديد، ولا مؤشرات على وجود خطة طوارئ داخلية أو إقليمية لإدارة أزمة بهذا الحجم.  

ثانياً: حزب الله بين الالتزام العقائدي والحياد المحسوب 

منذ بداية التصعيد، اعتمد حزب الله نهجاً متروياً، متمسكاً بما يُعرف داخلياً بسياسة "الغموض البنّاء"، أي الامتناع عن التصعيد الإعلامي أو الميداني، وتجنُّب الإدلاء بمواقف تفصيلية، باستثناء بيانات الإدانة العامة. لكن هذا الحذر لم يمنع الحزب من إطلاق إشارة نوعية، حين أصدر الأمين العامّ بياناً مكتوباً يتوعد بالرد في حال تعرُّض المرشد الإيراني لمحاولة اغتيال. [2]  

لا يكشف هذا الموقف فقط عن عمق الارتباط العقائدي بين الحزب والقيادة الإيرانية، بل أيضاً عن أن الحزب لا يرى نفسه طرفاً خارجياً بل امتداداً عقائدياً وإستراتيجياً للمركز في طهران. غير أن المفارقة تكمن في أن الحزب، حتى اللحظة، لم يتلقَّ أمراً مباشراً من إيران بالتدخل، ما يجعله أسير موقف معقد: هو غير مطالب فعلياً بالتصعيد، لكنه جاهز للمواجهة في حال تغيّر المشهد الإيراني أو استُهدفت بنيته العسكرية.  

بذلك، يجد حزب الله نفسه أمام معادلة دقيقة: ضبط النفس لمنع استجلاب الحرب إلى لبنان، مقابل الاستعداد لخيارات قُصوى في حال تبدّل ميزان الردع أو تعرّضت طهران لضربات وجودية.  

ومع اغتيال قيادات الصف الأول في حزب الله خلال الحرب الماضية مع إسرائيل، وعلى رأسهم الأمين العام للحزب حسن نصرالله، تطفو على السطح تسريبات ومعلومات تشير إلى ظهور تشقُّقات وتبايُنات بين أجنحة ومراكز قُوى في الحزب، وخاصة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية، وخاصة مع دخول الحزب مرحلة مفصلية إذا ما تعرضت إيران الدولة والنظام إلى خطر وجودي.  

لكن فرضية التشققات لا تأكيدات حولها حتى الآن، وقرار عدم انخراط حزب الله بحرب إسناد إيران ليس قراراً ذاتياً للحزب، على اعتبار أن حزب الله هو تنظيم عقائدي ينتمي لفكر ولاية الفقيه الدينية، وهو لديه انتماء مطلق لولاية المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وهو المسؤول عن انخراط الفصائل والمجموعات في المعارك والحروب، وخاصة إذا ما أعلن "النفير" فإن حزب الله سيكون أمام معادلة الدخول المباشر في الحرب.  

من هنا يترقب حزب الله التطورات الميدانية مع حلفائه في المنطقة ليبني عليها إنْ كان من ناحية المشاركة أو الانكفاء ميدانياً وفق متطلبات المرحلة والظروف العسكرية والحربية لإيران.  

لدى الحزب وإيران قراءة مشتركة تؤشر إلى أن إسرائيل فور انتهاء عملياتها ضدّ إيران قد تتوجه لشن حملة عسكرية واسعة لتدمير ما تبقى من البنية العسكرية والقدرات الصاروخية لحزب الله في لبنان، وأن هذه القراءة أتت نتيجة تقاطع معلومات أمنية وعسكرية ورسائل وصلت لحزب الله من أطراف خارجية قُبيل العملية العسكرية الإسرائيلية على إيران [3] .  

منذ ما قبل اندلاع الحرب، كان ملف سلاح حزب الله بنداً دائماً في النقاشات الدولية. أما الآن، فقد بات الأمر أكثر إلحاحاً: إذا لم يدخل الحزب الحرب، فما حاجته إلى هذا السلاح؟ وإنْ دخلها، فإنه يجازف بوجوده السياسي والشعبي.  

المعطيات تشير إلى أن الضغط لن يكون عسكرياً فقط، بل اقتصادياً ومالياً. تعمل الولايات المتحدة وشركاؤها على إضعاف البنية المالية للحزب، وتقييد مصادر تمويله، وفرض رقابة على الاقتصاد الموازي.  

في المقابل، فإنّ أيّ تخلٍّ عن السلاح، أو حتى عن بعض امتداداته، يعني تحوُّلاً وجودياً في هُوِيَّة الحزب. ما يفتح باباً على تحوُّلات داخلية غير مسبوقة.  

ثالثاً: التموضع السوري الجديد – من الحليف العقائدي إلى الوسيط الإقليمي 

على الضفة المقابلة، تمثّل سوريا اليوم واحدة من أكثر المفارقات وضوحاً في مشهد الحرب. فمنذ وصول الرئيس أحمد الشرع إلى السلطة تتخذ دمشق مساراً متمايزاً عن طهران، يتسم بالبراغماتية والاقتراب من محور "تركيا – السعودية"، مدعوماً برغبة أمريكية في إعادة تشغيل الدور السوري كعنصر توازُن إقليمي.  

لم تُصدر دمشق أي إدانة واضحة للغارات الإسرائيلية، بل تشير كل المعلومات إلى اتخاذها خُطوات عملية لضبط الحدود مع لبنان والعراق، وإيقاف قنوات الدعم اللوجستي لحزب الله. كما أن زيارات بارزة لقيادات أمنية تركية وسعودية إلى دمشق تؤشر على تموضع جديد يُعيد إنتاج "معادلة الأسد – كيسنجر" في نسخة محدَّثة، تقوم على فصل المسارات الإقليمية عن المشروع الإيراني.  

دمشق تبدو اليوم أقرب إلى توظيف الحرب للتخلص من إرث الهيمنة الإيرانية، واستعادة موقعها كفاعل مستقلّ يسعى إلى صفقة إعادة إدماج مع الغرب والعرب. غير أن هذا التموضع، رغم ما يتيحه من فرص، ينطوي على أخطار تتعلق بقدرة النظام على حماية خياراته الجديدة في وجه ردود فعل إيرانية أو داخلية.  

خاتمة 

تشير كل المؤشرات إلى أننا أمام لحظة مفصلية في تاريخ الصراع الإقليمي. لبنان وسوريا ليسا مجرد ساحتين هامشيتين، بل مسرحان حيويان لتقرير مصير التوازنات الكبرى. وحجم الخسارة أو المكسب فيهما لن يُحسب بعدد الصواريخ أو القتلى، بل بمدى قدرة كل طرف على تجديد شرعيته، وحماية دولته، واستعادة دوره في المشهد الإقليمي المقبل.  

   

 

 


 

[1] باراك لقيادي لبناني امنعوا حزب الله، لبنان  24 ،  21  حزيران يونيو  2025 ، الرابط  

[2] أمين عام حزب الله اللبناني يرد على تهديدات اغتيال خامنئي، سي إن إن بالعربية،  20  حزيران يونيو  2025 ، الرابط  

[3] مقابلات أجراها الباحث مع قياديين في حزب الله اللبناني،  22  حزيران يونيو  2025.