من غزة إلى أوكرانيا: هل يستطيع ترامب الوقوف في وجه بوتين؟

من غزة إلى أوكرانيا: هل يستطيع ترامب الوقوف في وجه بوتين؟

2025-01-22
66 مشاهدة

مع عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية رافعاً شعارات إيقاف الحروب تتجه الأنظار من توقُّف الحرب في غزة إلى فرص توقُّف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، غير أن تعقيدات الواقع الميداني في هذه المعركة شرق أوروبا ينعكس على احتمالات صعبة على طاولة المفاوضات مع بوتين.  

نشرت وكالة   بلومبيرغ Bloomberg الأمريكية مقالاً للكاتب مارك شامبيون  Marc Champion يشرح فيه تأثير التفوُّق أو الاستنزاف الميداني على المفاوضات السياسية التي ستُنهي الحرب.  

نصّ الترجمة  

السؤال الأبرز المطروح الآن، هل انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وتوليه المنصب في 20 كانون الثاني/ يناير 2025، ونجاحه الأوليّ في تأمين وقف إطلاق النار في غزّة، سيجعله قادراً على التأثير إيجابياً في أوكرانيا؟  

الجواب هو: بالطبع لا؛ لأن ترامب لن يجد قبولاً سهلاً في أوكرانيا، خاصة إذا كانت مقترحاته تتماشى مع شروط روسيا الحالية؛ فالأوكرانيون لا يبحثون عن اتفاق سلام على حساب تنازُلات كبيرة، بل عن حلّ يضمن لهم السلام دون أن يتضمن الاستسلام، فهم يريدون اتفاقاً يُحسّن وضعهم ويضمن سيادتهم، وليس مجرد قبول ما تطرحه روسيا .  

هذا من شأنه أن يختبر تعهُّد ترامب بتحقيق السلام من خلال القوة، فالتحدي في أوكرانيا أصعب مما هو عليه في غزّة؛ والسبب في ذلك هو أن الرئيس الأمريكي الجديد يمتلك نفوذاً أكبر على الطرف الأضعف (أوكرانيا) مقارنةً بنفوذه على الطرف الأقوى (روسيا).  

وبعكس الوضع في غزّة، ولتحقيق هذا الهدف، فإن ترامب الذي يسعى لإنهاء القتال بسرعة، يحتاج أولاً إلى تعزيز موقف كييف لكي يُقنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه لا يمكنه الفوز إذا رفض السلام مع جيرانه، بينما إذا أظهر ترامب التزاماً أقلّ بالدفاع عن أوكرانيا، فسيقلّ الحافز لدى بوتين للتفاوض أو لتقديم تنازُلات، مما يجعل الحلّ السلمي أكثر صعوبة .  

وعليه يجب أن تكون أوكرانيا قادرة على فرض تكاليف عالية جداً على روسيا، وإيقاف تقدُّمها على الأرض، وأن يكون من الواضح لبوتين أن أوكرانيا ستحظى بالدعم اللازم للاستمرار في القتال طالما كان ذلك مطلوباً.  

وإذا كان ترامب يريد أن تتقدم الأمور بسرعة، يجب أن تكون التهديدات بالنسبة لروسيا أكثر حدّة وشدّة، وهذا يعني أن أوكرانيا تحتاج إلى قوة وقدرة مستمرة على إلحاق الأضرار بروسيا، لكي يكون هناك ضغط فعلي عليها للقبول بالسلام .  

الآمال الأوكرانية  

هناك بعض الدلائل على أن فريق السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة قد فهم هذا الأمر، حيث بدأ الفريق بتعديل التوقُّعات بشأن توقيت أيّ اتفاق سلام، من فترة قصيرة بعد تنصيب ترامب (24 ساعة) إلى فترة أطول (100 يوم أو أكثر).  

ومع ذلك، تشير التقارير الحالية المتعلقة بالجهود الجارية في هذا الإطار إلى اعتقادهم أن تخفيف العقوبات على روسيا فيما يتعلق بقطاع النفط قد يكون وسيلة لإغراء بوتين للالتزام بمفاوضات نديّة، لكن ذلك سيكون عرضاً ساذجاً للغاية، إلا إذا كان جزءاً من إستراتيجية أوسع.  

ليس من قَبِيل الضعف عَقْد قمة مع بوتين أو عَرْض رفع العقوبات، بل على العكس تماماً تُعَدّ هذه التحركات ذكية، لكن إذا تمت تلك الخطوات منفردة فسينظر إليها بوتين على أنها مجرد تنازُلات وهدية مجانية، ثم يواصل نهجه العدواني، كما نظر دكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى لقاء ترامب به خلال فترته الأولى في قمة سنغافورة عام 2018.  

للتعامل بفعالية مع الكرملين يجب أن يكون أيّ حافز (الجزرة) مصحوباً بتهديد (العصا)، ونظراً لضخامة استثمار بوتين في الدماء والأموال في غزوه لأوكرانيا، يجب أن يكون التهديد كبيراً، وأفضل خيار بهذه الحالة هو إعادة تنشيط الدمج والتكامل بين القُوى البشرية الأوكرانية والأسلحة الغربية، الأمر الذي كان قائماً حتى (نهاية) عام 2024.  

هذا التكامل كان مدفوعاً بشكل كبير بقصص نجاح بالنسبة للجانبين الأوكراني والغربي، فاستعداد كييف للدفاع عن نفسها في مواجهة التفوُّق العسكري الروسي ألهب حماس الأوكرانيين وحرَّض كرم الأمريكيين والأوروبيين مع قلة من الدول الأخرى، وقد دفع ذلك الأوكرانيين جزئياً للتطوُّع في القتال، بسبب الأمل الذي تشكل لديهم في الحصول على الوسائل اللازمة لخوض الحرب، والدعم الدولي الذي يُمكّنهم من التفوُّق على خصم أقوى بشكل ملحوظ.   

مَن الذي يتحمل المسؤولية عن الحرب، أوكرانيا أم روسيا؟  

هناك متوالية تتمثل في أن قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها تزيد من الدعم الدولي لها، لكن من المؤسف أن هذه المتوالية بدأت بالانهيار بعد الهجوم الفاشل الذي شنته أوكرانيا في صيف عام 2023، وأَثَرُ انهيارها ظهر عام 2024، حيث أجَّل الكونغرس الأمريكي الإفراج عن أكثر من 60 مليار دولار من المساعدات الحيوية، ومعظمها عسكرية، وبدأ الحلفاء في الامتناع عن تعويض مخزونات الأسلحة والذخائر التي يتم استهلاكها.  

في الوقت نفسه، بدأ التفوق في القوى البشرية الذي كانت أوكرانيا تتمتع به في وقت سابق من الحرب بالتلاشي؛ ويرجع ذلك بشكل كبير إلى حالة الاستنزاف التي يعانيها الجيش الأوكراني، وقد ازدادت الأمور سوءاً بسبب الإدراك المتزايد بين المجندين المحتملين بأنهم "إذا انضموا إلى الجيش، فإن الطريقة الوحيدة لإنهاء خدمتهم منه ستكون إما بالموت أو الإصابة بإعاقة"، بحَسَب وصف أوليكساندر دانيلوك Oleksandr Danylyuk المستشار السابق للقوات المسلحة الأوكرانية ووكالات الاستخبارات .  

إضافة إلى أن نقص الذخيرة والمعدات اللازمة لصدّ الهجمات الروسية -ناهيك عن المعدات المساعدة لتحقيق النصر في مواجهة آلة الحرب الروسية المتنامية- جعل فكرة التطوُّع في الجيش الأوكراني غير جذّابة للكثير من الأوكرانيين، أما أوكرانيا الدولة فأصبح إرسالها للشباب البالغين من عمر 18 عاماً وهم غير مجهزين بشكل كافٍ للقتال والموت على الجبهات مجازفة غير مُجدِية ولا طائل منها.  

يمكن لهذه الدوامة التي تمر بها أوكرانيا من تراجُع حماسة الأوكرانيين على التطوُّع في الجيش وتراجُع الدعم العسكري الغربي أن تتحول لتكون إيجابية عام 2025؛ لأن القدرة التصنيعية العسكرية في أوكرانيا شهدت نمواً كبيراً منذ بداية الحرب، لدرجة أنه في العديد من المجالات، لم تَعُدْ وزارة الدفاع الأوكرانية بحاجة إلى المزيد من الأسلحة والذخائر المصنوعة في الغرب، بل فقط تحتاج إلى الأموال لتصنيع تلك المعدات والأسلحة محلياً .  

ورغم أن التوقُّعات الميدانية في ساحات القتال تبدو قاتمة، حيث اضطُرت أوكرانيا إلى تبني إستراتيجية التنازُل عن الأراضي مقابل إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بالروس، إلا أنه لا توجد حتى الآن مؤشرات على انهيار القوات الأوكرانية أو اختراق روسي كبير للخطوط الأوكرانية.  

في الوقت نفسه، لم تكتفِ كييف بطرد البحرية الروسية من البحر الأسود، بل أصبحت قادرة الآن على المنافسة في حرب الصواريخ والطائرات دون طيار بعيدة المدى التي شنتها موسكو منذ البداية، فالهجمات المستمرة التي تنفذها أوكرانيا بطائرات دون طيار، والتي استهدفت مراكز القيادة وأنظمة الدفاع الجوي ومستودعات الأسلحة ومصافي النفط الروسية، أصبحت أمراً إستراتيجياً في المعركة، لكنها مثل سلاح العقوبات الاقتصادية أو مثل حملة الصواريخ والطائرات دون طيار الروسية ضد البِنْية التحتية للطاقة في أوكرانيا، فإنها لن تحسم الحرب، بل ستضاف إلى تكلفة استمرار الغزو بالنسبة لروسيا .  

دعا مايك والتز Mike Waltz مرشح ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي أوكرانيا مؤخراً إلى خفض سنّ التجنيد من 25 إلى 18 عاماً، لإظهار المزيد من "الالتزام" بالقتال من أجل الديمقراطية إذا كانت تريد من حلفائها أن يلتزموا بالدعم بنفس القدر، وكانت تلك الدعوة ذكية رغم فظاظتها، وكان من الغريب التشكيك في التزام أوكرانيا، بعد التضحيات التي قدمتها على مدى العقد الماضي، لكن والتز وضع إصبعه أيضاً على أعظم نقاط ضعف كييف، وهي نقص القُوى العاملة، وربطها بشكل مباشر باستعداد الولايات المتحدة لمواصلة إرسال الدعم، وهو أمر بنّاء إذا كان مقصوداً .  

بناء على ما سبق، فإن توفير المزيد من الجنود المجهَّزين جيداً لدعم خطوط الدفاع الأوكرانية واستعادة زمام المبادرة في ساحة المعركة سوف يكون أمراً بالغ الأهمية لإقناع بوتين بالتفاوض على تسوية حقيقية، والقيام بذلك أمر ضروري لدولة أوروبية (أوكرانيا) تبلغ من الحجم مساحة فرنسا، من أجل منحها فرصة للتعافي وإعادة الإعمار بدلاً من أن تصبح منطقة مدمَّرة وغير مستقرة.  

وعلى المدى الطويل، سيكون تحقيق السلام والاستقرار أمراً مفيداً لروسيا بقدر ما هو مفيد لأوروبا والولايات المتحدة، ولكن إدراك ذلك ربما يستغرق وقتاً يتجاوز عهد القادة الحاليين الذين يديرون الحرب.  

 

المصدر:   وكالة بلومبيرغ Bloomberg

ترجمة:   عبدالحميد فحام