الانقلابات في إفريقيا: شبكة العوامل المعقّدة والحاجة لكسر دورة التطرف والتخلف والطغيان
2023-09-061055 مشاهدة
كانت إفريقيا عموماً مسرحاً صاخباً لنشاطات الانقلابات، خاصة بين الأعوام 1960 حتى عام 2000، حيث شهدت إفريقيا 82 انقلاباً خلال تلك الفترة، وتتنوع محركات الانقلابات بين العوامل المحلية، كضعف الثقافة وفقر التنمية السياسية، والعوامل الخارجية المتعلقة بالتدخلات الدولية والتصارع على النفوذ بين القوى الاستعمارية المختلفة.
مع ذلك، شهدت إفريقيا حالة من الاستقرار النسبي على مدى عقد من الزمن تقريباً بين عامي 2007 حتى عام 2018 ، حيث لم تشهد إنقلابات فيه، وبدأت فيها بعض مسارات التحول الديمقراطي.
وبشكل متسارع، شهدت القارة السمراء 13 انقلاباً أو محاولة انقلابية بعد عام 2020 وحتى الوقت الحالي، مدفوعة بمحركات عديدة، الفشل السياسي والأزمات الاقتصادية ووباء كوفيد 19، وتنامي دور المجموعات المتطرفة العابرة للحدود، إضافة إلى التدخلات الدولية الخارجية. ويضاف إلى ذلك، يبدو أن عامل آخر قد أثر، وهو تأثير "الدومينو"، حيث أن شيوع ظاهرة الانقلابات ونجاحها بعد في عدد من الدول – وبعضها من دول الربيع العربي كمصر وتونس، والسودان – يشجع الحركات الانقلابية في دول أخرى، خاصة مع تراخي المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي في تطبيق أي عقوبات رادعة على الانقلابيين من قبيل عزلهم وعدم الاعتراف بشرعيتهم، على العكس من ذلك، ربما شهدوا تشجيعاً من بعض القوى.
ومؤخراً، ظهرت دعوات واضحة من مفكرين وكتاب سياسين توصي الولايات المتحدة بالتعامل بواقعية مع المجالس العسكرية التي قامت بتنفيذ الانقلابات الأخيرة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر (منطقة الساحل الإفريقي)، معللة ذلك بضرورة تفويت الفرصة على الروس للاستثمار في العلاقة معهم، وضرورة التنسيق مع تلك المجالس لمكافحة صعود الجماعات المتطرفة الإسلامية.
وتبدو الإشكالية الكبرى في مثل هذه الدعوات أنها عملياً لا تنظر نظرة معمقة وطويلة المدى لمصالح الدول الإفريقية وشعوبها أولاً، بالتالي، يبدو أن التفكير الاستعماري ما زال يعشعش في رؤوس العديد من المفكرين والكتاب الغربيين.
ظلت إفريقيا لزمن طويل أرضاً مستباحة للغرب، استثمر فيها بتجارة العبيد والرقيق، كما وضع يده على ثرواتها الهائلة من مواد أولية لصناعاته، وبقيت دولها وشعوبها غارقة في فقر مدقع مع ضعف التنمية المحلية الاقتصادية والسياسية، وهو ما هيأ الظروف لنشوء الجماعات المتطرفة، ثمة أدلة متواترة ومتضافرة على أن بيئة الفقر وضعف الثقافة بيئة خصبة لنمو تلك الجماعات، علاوة على ذلك، فإن الانقلابات العسكرية تزيد الطين بلة، بدورها، تعتبر الديكتاتوريات العسكرية بيئة خصبة للتحشيد لصالح تلك الجماعات (فالطغاة يجلبون الغلاة كما يقال)، بالتالي، بقدر ما تبدو تلك الدعوات محاولات للتعامل ببراغماتية مع الانقلابات العسكرية، إلا أنها عملياً تدعو بشكل أو بآخر إلى ترسيخ ودعم تلك الانقلابات، ووأد التجارب الديمقراطية في مهدها، وتأمين وقود التحشيد للجماعات المتطرفة، مما يزيد الوضع سوءاً في القارة السمراء، مما يعني زيادة تدفق الهجرة نحو القارة الأوربية، ومحاولة الدول الأوربية إبرام صفقات مع بعض الدول لعملها ككلاب حراسة كما فعلت مؤخراً مع تونس. ويبد أن دعم مسار الإنقلابات العسكرية في إفريقيا سيكون له عواقب وخيمة على القارة ومحيطها.
إن إنهاء وتصفية الاستعمارية وإحلال الفكر المتحرر من الاستعمار “Decolonized Thinking“ يتطلب دعم التنمية المستدامة والحكم الرشيد والحلول المجدية طويلة الأمد، بهدف كسر دورة التخلف والتطرف والطغيان السياسي، وما يؤدي إليه من تدفق الهجرة.