أبعاد التحولات الكبرى في القارة الأفريقية خلال عام 2023
2023-01-191472 مشاهدة
تشهد القارة الأفريقية خلال عام 2023، العديد من القضايا التي ستكون محلاً للاهتمام، سواء تلك التي تشكل امتداداً لأوضاع قائمة، أو تلك التي ستترتب على تحوُّلات وتطوُّرات قارية ودولية، وهو ما يبرز في العديد من الأبعاد:
البُعد الأول: الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، حيث تشهد دول القارة الأفريقية انتخابات رئاسية وبرلمانية في 17 دولة خلال عام 2023، ومن شأن هذه الانتخابات أن تؤثر بشكل كبير على الأوضاع السياسية في القارة، فعادة ما تكون فترة الانتخابات مصحوبة باضطرابات سياسية واحتجاجات وتظاهرات وإضرابات في العديد من البلدان، وخاصة مع عودة ظاهرة الانقلابات للقارة، ففي عام 2022 شهدت القارة انقلابين في بوركينا فاسو، ومحاولات انقلابية في كل من غينيا بيساو وساو تومي وبرينسيب وغامبيا.
ومن أهم الانتخابات التي تشهدها القارة، انتخابات نيجيريا، فبراير 2023 نظراً لأن نيجيريا واحدة من أكبر الاقتصادات في القارة، وأكبرها من حيث عدد السكان (نحو 220 مليوناً) كما أنها تعاني مشاكل أمنية معقدة، وتتسم الأجواء السياسية بالتوتر. ولن يترشح الرئيس الحالي محمد بخاري بعد إكماله فترتين في المنصب، مما يزيد من أهمية الانتخابات مع تغيير ميزان القوى بين الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد.
وبعد نيجيريا تأتي أهمية الانتخابات الرئاسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيريا وزيمبابوي، في الغرب الأفريقي، مع تعدُّد الأزمات والتحدِّيَات التي تعاني منها هذه المنطقة.
البُعد الثاني: الصراع الممتدّ في إثيوبيا، ففي نوفمبر عام 2022، وقّعت الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير التيغراي اتفاقاً لوقف الأعمال العدائية في بريتوريا بجنوب أفريقيا، وإذا كان القتال قد توقف فإن هذا لا يعني انتهاء الصراع الممتد في البلاد، مع استمرار الأعمال العدائية في منطقة أوروميا، مسقط رأس رئيس الوزراء الإثيوبي، والأعباء الكبيرة التي تفرضها متطلبات إعادة الإعمار، حيث تحتاج المناطق التي دمرتها الحرب الأهلية لما يتراوح بين 5 و10 مليارات دولار لإعادة الإعمار، في وقت تعاني فيه البلاد من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وتضخم أسعار المواد الغذائية.
البعد الثالث: صراعات غرب ووسط القارة، حيث تتَّسم تلك المنطقة بتزايد عدم الاستقرار والتطرف والعنف، حيث شهدت تشاد وبوركينا فاسو ومالي وغينيا انقلابات عسكرية، ويسود انعدام الأمن بشكل كبير في أجزاء واسعة من الكاميرون ونيجيريا، بجانب الاضطراب المستمر في شرق الكونغو، حيث تقاتل أكثر من 100 جماعة مسلحة للسيطرة على الإقليم. ومن المرجَّح ازدياد الوضع سوءاً في هذه الدول مع تكثيف الجماعات المسلحة لهجماتها، وانهيار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لشعوبها، وانعدام الأمن الغذائي، وتراجُع الدعم الحكومي وتصاعُد حِدّة أزمات البطالة، وأعباء الديون، ومخاطر عدم الاستقرار المالي والتخلف عن سداد الديون السيادية في جميع أنحاء المنطقة.
وعلى الرغم من أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن تكون أربعة بلدان أفريقية هي السنغال والكونغو الديمقراطية ورواندا والنيجر، من بين الدول العشر الأسرع نمواً على مستوى العالم في عام 2023 بنسبة 3.7٪، إلا أن الأوضاع ستكون أكثر سوءاً وتدهوراً في معظم دول الوسط والغرب الأفريقي.
وكذلك في دول منطقة الساحل الأفريقي، التي تضم دولاً مثل مالي والنيجر، حيث ارتفعت مستويات سُوء التغذية بنسبة 60٪ عما كانت عليه في عام 2018. ويعاني حوالَيْ 1.4 مليون طفل دون سنّ الخامسة من الهزال الشديد الناجم عن سُوء التغذية الحادّ.
وفي إطار هذه الأبعاد يمكن القول: إن مؤشرات التوتر وعدم الاستقرار أعلى من مؤشرات الاستقرار في القارة، إلا إذا تبنّت دول القارة سياسات موحَّدة تجاه القوى الكبرى، وحاولت الاستفادة من التنافس الدولي على ثرواتها الاقتصادية ومواردها الطبيعية ومواقفها السياسية، في فرض بعض الشروط على هذه القوى بما يصبّ في صالح أمن واستقرار القارة، وإنْ كان ذلك الأمر يحتاج الكثير من الجهد والتنسيق، الذي يبدو بعيد المنال، على الأقل خلال عام 2023.