جدل تأجيل الانتخابات التشريعية والبلدية في المغرب

جدل تأجيل الانتخابات التشريعية والبلدية في المغرب

2020-05-22
4370 مشاهدة

تمهيد

يستعد المغرب يستعد وفقاً لرزنامة سابقة لإجراء الانتخابات البلدية والتشريعية خريف العام المقبل 2021. وقد بدأ رئيس الحكومة سعد الدين العثماني منذ بداية العام بدعوة زعماء الأحزاب لمناقشة آرائهم وتصوراتهم حيال هذه الانتخابات، والقوانين الانتخابية التي يرون تعديلها.

لكن وباء كورونا الذي اجتاح المغرب، وأوقع فيه حتى تاريخ إعداد التقرير حوالي 200 وفاة وتجاوز عدد المصابين أكثر من 4000 شخص، أوقف كل الحسابات الانتخابية، ودفع بفكرة جديدة للظهور، تطالب بتأجيل الانتخابات بالنظر إلى صعوبة إجرائها بالنظر إلى التداعيات الاقتصادية التي خلفها وباء كورونا.

وتقف خلف فكرة الدعوة إلى تأجيل الانتخابات الأطراف السياسية التي تحسب نفسها على المخزن (الدولة العميقة)، أو التي تريد أن تضمن لنفسها تمثيل المخزن سياسياً. وتتمثل في ثلاثة أطراف رئيسية:

  1. الأصالة والمعاصرة، على الرغم من تجديد هياكله وحديث أمينه العام الجديد عبد اللطيف وهبي عن إمكانية اقتراب هذا الحزب من التحالف حتى مع العدالة والتنمية.
  2. التجمع الوطني للأحرار، بزعامة وزير الفلاحة، عزيز أخنوش.
  3. الاتحاد الاشتراكي بزعامة إدريس لشكر.

وبالمقابل، يتمسك حزبا "العدالة والتنمية" والاستقلال بموعد الانتخابات، على الرغم من أن حزب الاستقلال وهو ثاني أكبر حزب معارض، يطالب باستحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات التشريعية والبلدية، عام 2021.

أولاً: مضمون الفكرة

تتمحور الفكرة التي تطرحها الأحزاب الثلاثة بشكل رئيسي حول اتجاهين:

1) حكومة وحدة وطنية

يدعو هذا الاتجاه إلى الذهاب نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية، تأخذ بعين الاعتبار تداعيات جائحة كورونا. وتستفيد من لجنة المشروع التنموي التي يترأسها وزير الداخلية السابق، شكيب بن موسى. وهي فكرة ستظل قائمة، وربما هي الأقرب للتحقق إذا استمر وباء كورونا في الانتشار، وإذا لم تتمكن الحكومة المغربية من تقديم المعالجة المطلوبة لمخلفات وباء كورونا، غير الاقتراض من البنوك الأجنبية.

2) تعديل الدستور

يطالب هذا الاتجاه بتعديل الفصل 47 من الدستور، والذي يقول بأن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات، واستبدال ذلك بأن الملك يختار رئيس الحكومة من التحالف البرلماني الأكبر بعد نتائج الانتخابات.

ويعتقد العديد من الفاعلين المغاربة أن هذه التوجهات مدعومة من أطراف خارجية، وبشكل خاص محور الإمارات والسعودية ومصر.

ويمتاز النقاش حول هذا الموضوع بأنه نقاش علني في أغلبه، ويترافق هذا النقاش مع نقاش آخر في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي حول التدخل الإماراتي والسعودي في الأوضاع المغربية.

ثانياً: مصالح الفاعلين

الهدف المشترك للأحزاب الثلاثة (الأصالة والمعاصرة، والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الاشتراكي) هو إنهاء عهد العدالة والتنمية، وإخراجهم من الحكم نهائياً.

وتستفيد هذه الأحزاب من أن حصول أي سيناريو من سيناريوهات التأجيل (حكومة الوحدة الوطنية أو تعديل الدستوري) سيمنحها فرصة للحكم المباشر، إذ أن كل التقديرات والمؤشرات إلى أن العدالة والتنمية، ومع ما أصابه من ضعف داخلي بعد إعفاء عبد الاله بنكيران، لا يزال يمثل الخيار الأول للناخب المغربي. ويبرر هذا التقدير جهود تعطيل الانتخابات وتأجيلها لحين اكتمال توفير الضمانات القانونية لعدم تصدر العدالة والتنمية لأي انتخابات قائمة.

كما تسعى هذه الأحزاب من خلال طرح هذه الفكرة الآن للاستفادة من معطيات كورونا، وخاصة من ناحية:

  • تجاوب المزاج الشعبي العام مع هذا الطرح الآن، ففي ظل حالة الطوارئ المفروضة، لا يبدو الحديث عن الانتخابات والتحضير لها منطقياً، ولذا فإنّ التأجيل سيبدو الخيار الأفضل شعبياً.
  • تذمر الشارع من الإجراءات المفروضة، والتي أدّت إلى إضعاف الاقتصاد بشكل كبير، والذي كان يُعاني أصلاً قبل الجائحة. وبالتالي فإنّ هناك نقمة عالية تجاه الحكومة والعدالة والتنمية، ولذا فإنّ قدرته على إدارة المعركة مع بقية الأطراف في هذا الوقت سوف تكون محدودة.
  • وجود البلاد تحت حالة طوارئ صحية يمكن من خلالها التمهيد لتحويلها إلى حالة طوارئ عامة إن لم يتوقف انتشار الجائحة، أو استمرّت آثارها الاقتصادية على نطاق واسع بعد نهاية الأزمة.  

ولا يُعرف ما إذا كانت طروحات هذه الأحزاب هي طروحات ذاتية، أم تتم بالنيابة عن المخزن. إذ يرغب القصر في ضمان عدم نجاح العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة، كما يرغب في إضعاف الحكومة حالياً بأكبر قدر ممكن، وهو ما برز بشكل واضح من خلال تأسيس لجنة النموذج التنموي، والتي سحبت الكثير من صلاحيات الحكومة.

وتملك هذه الأحزاب مصلحة في تنفيذ أهداف القصر، حتى لو لم يكن هذا المسعى قد طلب منها مباشرة. لكن من المستبعد أن تُكمل هذه الأحزاب في متابعة طروحاتها في حال اعتراض القصر، ولذا فإنّ من المرجح أن الحملة لتأجيل الانتخابات تلقى عدم ممانعة على الأقل من طرف القصر، إن لم يكن ترحيباً، أو كانت هي فكرته أصلاً.

كما أن إنهاء عهد العدالة والتنمية، هو أيضا مصلحة عليا للمغرب ولعلاقاته الخارجية، لا سيما مع فرنسا والإمارات والسعودية.

ثالثاً: التوقعات

تشهد الأوساط السياسية المغربية في هذه الآونة نقاشات على قدم وساق سعياً للوصول إلى مواقف محددة من قضية تأجيل الانتخابات.

وبالمقابل، فإنّ النقاشات المتعلقة بالتحضير للانتخابات قد توقفت تماماً، حيث كان آخر حضور لها في اللقاء الأول الذي عقده رئيس الحكومة بحضور وزير الداخلية مع زعماء الأحزاب السياسية تحضيراً للانتخابات القادمة، مطلع مارس الماضي. إلا أن الفترة التي تلت ذلك اللقاء طغى عليها كورونا بالكامل، ولم يعد من الوارد مناقشة قضية الانتخابات في هذه الأجواء.

وإضافة إلى فكرة تأجيل الانتخابات البلدية والتشريعية، يتداول الوسط السياسي اقتراحاً يتحدث عن تأجيل الانتخابات البلدية إلى عام 2022 وإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها، أي أكتوبر 2021.

حتى الآن يمكن القول إن الانتخابات ستجري في موعدها، طالما لم يصدر أي موقف مخالف لذلك، لكن هذا سيظل رهيناً بتطورات الأوضاع على الأرض في مواجهة كورونا وأيضا بالوضع الاقتصادي للمغرب.

هناك احتمال وارد، أنه في حال استمر الموقف الشعبي السلبي من الأداء الحكومي على حاله الراهن، فإن الأطراف قد تذهب باتجاه إجراء الانتخابات في موعدها إذا تأكد لديها أن حظوظ العدالة والتنمية في تصدر المشهد ضئيلة.

الحلول المتبقية، هو إخراج ورش الجهوية المتقدمة للوجود (عين العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في 12 ديسمبر الماضي، 35 عضوًا فيما تعُرف بـ"اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي"، لاقتراح برنامج جديد للتنمية في المملكة)..