عملية طوفان الأقصى تغييرات إستراتيجية في قواعد اللعبة

عملية طوفان الأقصى تغييرات إستراتيجية في قواعد اللعبة

2023-10-09
1761 مشاهدة

 

بدأت كتائب القسام التابعة لحركة حماس هجوماً صباح يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 هجوماً واسعاً ونوعياً، وأدى الهجوم في ساعاته الأولى إلى السيطرة على العديد من المستوطنات والنقاط العسكرية الإسرائيلية، مع مقتل حوالَيْ 800 إسرائيلي بناء على الأرقام الأولية، وأسر مئات من الرهائن المدنيين والعسكريين. ومع دخول العملية يومها الثالث، ما زال مقاتلو الفصائل الفلسطينية يُسيطرون على عدد من المستوطنات، ويحتجزون معهم عشرات من الرهائن في كل مستوطنة.

وبكل المقاييس العسكرية، فإنّ العملية شكّلت تغييراً غير مسبوق في المعادلة "العربية-الإسرائيلية"، إذ لم يسبق لإسرائيل أن واجهت تواجُداً عسكرياً معادياً داخل أراضيها منذ حرب أكتوبر 1973، والتي جرت العملية في ذكراها الخمسين. إلا أن أثر العملية المباشر يفوق بكثير حرب أكتوبر، إذ إن الاختراق حصل هذه المرة من جيوش غير نظامية، ومن منطقة يُفترض أنها تقع تحت الحصار والمراقبة الدقيقة، وتُحاط بسور تم إنفاق حوالَيْ مليار دولار على بنائه، لمنع حصول ما حصل.

وبلا شك فإنّ عملية بهذا الحجم تمثل لحظة فاصلة في المشهد الإقليمي، وربما الدولي أيضاً، تماماً كما جرى في الحادي عشر من سبتمبر أو بعد غزو الكويت.

ما جرى يعكس قراءة ذكية من الفصائل الفلسطينية للمعطيات الدولية والإقليمية والمحلية، إذ جاءت بُعيد سلسلة من المتغيرات الدولية العميقة، أبرزها دخول الدعم الأمريكي لأوكرانيا في نفق مظلم بعد إقالة رئيس مجلس النواب الأمريكي، وتمكُّن أذربيجان من السيطرة على إقليم ناغورنو كاراباخ في عملية خاطفة ونوعية، ودخول الاتفاق النووي الإيراني في حالة تجميد قد لا يخرج منها أبداً.

وستشهد الأسابيع القليلة المقبلة تفاوُضاً خشناً وغير مسبوق بين الفاعلين في المنطقة، في محاولة منهم لاستكمال مسلسل إرسال الرسائل، بما في ذلك استهداف الكلية الحربية في حمص قُبيل يومين من عملية غزة، ومتابعة تثبيت مواقع التموضع، والتفاوُض على شكل المشهد الإقليمي والدولي المقبل.

وستؤدي العملية إلى استغراق الجانب الأمريكي في المرحلة الحالية في تثبيت الحليف الإسرائيلي، لإعادة اعتباره كما كان سابقاً باعتباره القوة الإقليمية الأبرز، وهو ما سيُضعف من قدرة واشنطن على متابعة الضغط على روسيا في أوكرانيا، خاصة أن أيدي الإدارة الأمريكية أصبحت مكبَّلة الآن فيما يتعلق بتقديم مزيد من الدعم السخي الذي دأبت على تقديمه منذ بدء الغزو الروسي في شباط/ فبراير 2021.

وتشعر إيران بعد العملية بأنها تمكّنت -عَبْر حلفائها الفلسطينيين- من إعادة قلب الطاولة إقليمياً، بعد أن تجرّعت سمّ التفوق الأذري في ناغورنو كاراباخ، وأوقفت -ولو مؤقتاً- المسار السعودي نحو التطبيع، وهيأت المجال لبيئة سياسية جديدة في المنطقة تمكنها من التوافُق من جديد مع الفاعلين على قواعد لعبة جديدة، وخاصة فيما يتعلق بسورية، بما يشمل ضوابط العلاقة القائمة مع روسيا، والعلاقة مع الولايات المتحدة وتركيا، والغارات الإسرائيلية المتواصلة هناك، والأهمّ من ذلك ملفّ السويداء، والذي يتسبّب بإرباك كبير للمشروع "الروسي-الإيراني" في سورية.

إن ما جرى في غزة سيحمل بتداعياته آثاراً قد تمتدّ من أوكرانيا إلى سورية، مروراً بمناطق أخرى في الشرق الأوسط، وستكون الأسابيع القادمة حاسمة في الغالب في تحديد تموضعات الفاعلين الإقليميين والدوليين في عدد من الملفات، وهذه التداعيات سيتحدد عمقها وشكلها بناءً على نتائج المعركة، والتي يبدو أنها ما زالت في بداياتها بعدُ.