صدمات الاقتصاد في الشرق الأوسط مع اقتراب هجوم طهران المضادّ

صدمات الاقتصاد في الشرق الأوسط مع اقتراب هجوم طهران المضادّ

2024-08-20
262 مشاهدة


لقد أسهم التصعيد الحاصل بين إسرائيل وحزب الله وإيران، بدفع اقتصادات تلك البُلدان خاصة وبُلدان المنطقة عامة إلى مستويات مقلقة، ما أثار مخاوفَ لدى المستثمرين في المنطقة. 
المقال التالي يستعرض بُعداً أساسياً من أبعاد احتدام المواجهات والاستهدافات المتواترة في المنطقة بين أطراف الصراع وأثره على اقتصادات دول المنطقة: 

انخفض المؤشر الرئيسي لسوق الأسهم الإيراني بنسبة 3% يوم السبت، مما يعكس المخاوف من تصاعُد الصراع مع إسرائيل الذي قد يؤدي إلى حرب مدمرة طويلة الأمد، كما أن القلق الذي يشعر به المستثمرون من ارتفاع حدّة القتال مع إسرائيل سيكون له تداعيات على القطاعات الإيرانية الحيوية مثل الطاقة والتصنيع والخدمات. 

وتأتي هذه التوترات المتزايدة كنتيجة جزئية   لاغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في طهران ، والذي ألقت إيران باللوم فيه على إسرائيل، في حين لم تعلق الأخيرة على الهجوم. 

وفي   بيان صدر مؤخراً، قال فيه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن إيران لا تسعى إلى التصعيد الإقليمي ولكن يجب معاقبة إسرائيل لتحاشي مزيد من الفوضى. وقد قال حسين طائب Hossein Taeb، مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني: إن الانتقام لاغتيال هنية سيكون " غيرَ متوقعٍ ومفاجئ اً". 

وأصدرت إيران يوم الاثنين إشعاراً للطيارين في وسط وغرب وشمال غرب إيران تحذرهم فيه من المخاطر في المنطقة، مما قد ينذر بهجوم وشيك. فالأخيرة تجد نفسها في موقف إستراتيجي معقد، حيث تحاول تجنب التصعيد وتداعياته الاقتصادية في الوقت الذي تدرس فيه خيار الرد على اغتيال هنية. 

وقد قال الدكتور مازن العقيلي Mazen Alougili، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الأردن، إن إيران ستضطر لاستخدام تكتيك مختلف عن الذي استخدمته في نيسان/ إبريل، عندما أرسلت مئات الطائرات المسيرة والصواريخ نحو إسرائيل رداً على   هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق، حيث قد تمكنت إسرائيل وحلفاؤها من إسقاط جميع الأسلحة المشارِكة تقريباً في ذلك الهجوم. 

وأضاف العقيلي: "أتوقع أن تحاول إيران استهداف قواعد إسرائيلية في الخارج، باستخدام  طائرات مفخَّخة بدون طيار، أو ربما هجوم صغير بقوات متخصصة، في ردّ يعادل في تدميره الانفجار الذي قتل هنية، والذي يمكن للإيرانيين ألَّا يؤكدوا ولا ينفوا علاقتهم به، لكنهم سيكونون المشتبَه به الرئيسي، بنفس الطريقة التي يعتقدون أن إسرائيل استخدمتها". 

وبينما تركز الأخبار المتداولة عن إيران حالياً على الصراع مع إسرائيل، تستمر الاحتجاجات الداخلية ضد النظام الإيراني في زعزعة استقرار البلاد. ووفقاً لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات Foundation for Defense of Democracies، فقد جرت ما لا يقلّ عن   878 مظاهرة حتى الآن في عام 2024. وقال العقيلي إن إيران قد تحاول استخدام مقتل هنية لتبرير العنف ضد المنتقدين الداخليين. 

وأضاف: "ما يهم الحكومة الإيرانية هو أن تقول إنها فعلت شيئاً بشأن ما حدث لهنية، وأتوقع أن يحاول الإيرانيون مهاجمة القواعد الإسرائيلية في الخارج، لكنهم سيتخذون إجراءات صارمة أيضاً داخلياً؛ لأنهم يعتقدون أن إسرائيل قامت بتنفيذ الهجوم الذي قتل هنية بدعم من إيرانيين". 

وقال العقيلي إن رد فعل من هذا النوع قد يسمح لإيران بحفظ ماء الوجه دون إثارة المزيد من الرد الانتقامي الإسرائيلي. وقد قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن Llyod Austin إن الولايات المتحدة "ستساعد بالتأكيد في   الدفاع عن إسرائيل" ضدّ أي هجمات إيرانية. 

في الوقت نفسه، أشار الخبير الجيوسياسي ألكسندر بورتنوي Alexander Portnoy إلى أن الوضع لا يزال متقلباً، على الرغم من التقارير التي تشير إلى نيّة إيران تجنُّب حرب شاملة. وقال إنه لم يكن أحد على دراية بالقدرة العسكرية الهائلة لإيران وحزب الله. 

وأكد بورتنوي أن إسرائيل وحلفاءها كانت لهم اليد العليا من الناحية التكنولوجية، ولكن مع ذلك، فإن هذه الميزة لا تضمن النجاح المطلق؛ لأن العامل البشري، إلى جانب التكنولوجيات المتقدمة والإستراتيجية المعقدة، يمكن أن يفرض النتيجة النهائية، وينبغي عدم الاستخفاف بإيران وحزب الله. 

كما أضاف الخبير الجيوسياسي أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية تتمثل في إشعال حرب على أرض العدو بدلاً من فتح معارك على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. وقد تدفع هذه العقيدة إسرائيل إلى توجيه ضربة استباقية لإيران إذا توقعت هجوماً إيرانياً مدمراً، خاصة أن لدى إسرائيل بنكاً من الأهداف الإستراتيجية في إيران، وهي قادرة على تطبيق هذا التكتيك. ومع ذلك يجب على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار أن حجم العمل الاستباقي إلى جانب التصدي للدفاعات الجوية للعدو يمكن أن يتم تقليصه بواسطة الدفاعات الجوية الإيرانية التي يمكن أن تسلم من العمليات العسكرية. 

لقد تأثرت الأسواق المحلية في إسرائيل أيضاً بالتصعيد الوشيك؛ فيوم الأحد،   انخفض مؤشر التكنولوجيا في تل أبيب (TATECH) بنسبة 4%، وتراجع عائد السندات الإسرائيلية لأَجَل 10 سنوات بمقدار 18 نقطة أساس إلى 4.756%. ويشير احتمال وقوع هجوم إيراني إلى فتح جبهة أخرى، مما سيكون له عواقب اقتصادية خطيرة. 

ولكن ماورو سينر Mauro Seiner، المستشار المالي الخاص الخبير في الشؤون الإسرائيلية قال إن الانخفاض في السوق الإسرائيلية يوم الأحد هو أمر عَرَضيّ وعابر. 

فالاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على الاقتصاد العالمي كمصدر للتكنولوجيا، لذلك قد يؤثر هذا على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل أكبر، وإذا كان الاقتصاد العالمي بخير، فسيتم تقليل آثار نفقات الحرب الحالية، بما أن إيران لن تخوض حرباً مباشرة مع إسرائيل. 

وقال سينر: "إذا خسرت إسرائيل الحرب، فإن المخاوف الاقتصادية تصبح أمراً ثانوياً لا يُلتفت إليه مقارنة بالخطر الوجودي الذي ستواجهه". 

كذلك، سيكون للصراع المتصاعد عواقب وخيمة على لبنان، بما في ذلك اقتصادياً. فحتى فترة ما قبل الحرب، وصف البنك الدولي لبنان بأنه بلد يواجه "أزمة طويلة الأمد". 

لقد بدأت الأزمة الاقتصادية الشاملة في لبنان في عام 2019، مما أدى إلى أزمات سياسية واجتماعية وصحية أيضاً في البلاد، وتضاعفت مستويات الفقر في ذلك البلد الصغير ثلاث مرات على مدى العقد الماضي، حيث يعيش 44% من إجمالي السكان في فقر وتفاوت طبقي كبير. 

كما أن اقتصاد البلاد يتحوّل بسرعة إلى الدولار، مما يجعل أولئك الذين يتقاضون رواتب بالليرة اللبنانية بدلاً من الدولار عُرضة للتضخم المتصاعد، وبينما يستعد لبنان لحرب شاملة في جميع أنحاء البلاد، فمن المتوقع أن يكون المواطنون الأكثر فقراً هم الأكثر تضرُّراً. 

نزح أكثر من 96000 شخص في لبنان نتيجة للحرب بين حزب الله وإسرائيل، ويوجد 60.000 شخص في مناطق يصعب الوصول إليها، مما يزيد من الضغط على المؤسسات اللبنانية والبِنْية التحتية في البلاد. 

وعلى الجانب الآخر من الحدود، تم إجلاء حوالَيْ 60.000 إسرائيلي من منازلهم في شمال إسرائيل نتيجة للصراع. 

وقال بواز شابيرا Boaz Shapira، الباحث في مركز أبحاث ألما في شمال إسرائيل: "لقد أدت الحرب إلى تفاقم الوضع غير المستقر أصلاً في لبنان". 

وقال: إن الصراع أعاق محاولة لبنان تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، باعتبارها شرطاً أساسياً لتلقي العديد من المساعدات الدولية، والتي ستكون ضرورية بشكل أكبر إذا واجه لبنان صراعاً أوسع نطاقاً وحِدّة مع إسرائيل. 

وفي حالة اندلاع حرب شاملة، فمن المحتمل أن تتكبّد جميع القطاعات الاقتصادية في لبنان أضراراً جسيمة تتطلب الكثير من المال والوقت لإصلاحها، فالوضع الاقتصادي الهشّ وانخفاض مستوى المعيشة في لبنان يُشكّلان نعمة لحزب الله؛ لأنه كتنظيم مموَّل جيداً، يستفيد من هذا الوضع؛ لأنه قادر على استغلال احتياجات الناس من أجل القيام بتجنيدهم. 

ترجمة: عبد الحميد فحام  
المصدر: (The Media Line)