ما مدى فعّالية الحملات الحكومية الصومالية ضدّ حركة الشباب؟
2024-05-111299 مشاهدة
أواخر آب/ أغسطس 2023 أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، عن وضع إطار زمني محدد -خمسة أشهر- للقضاء على ما تبقى من حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وذلك استكمالاً لما يعرَف بعملية "الأسد الأسود" التي أعلِن عن انطلاقها مطلع آب/ أغسطس 2022 ، وتم من خلالها السيطرة على عشرات القرى في ولايات إقليم وسط الصومال- مدق، جلمدغ، وهرشبيلي.
بالرغم من أن العملية كانت تهدف للقضاء على حركة الشباب والسيطرة على جميع معاقلها في إقليم الجنوب -ولاية شبيلي السفلى، وجوبا، وباي وبكول- إلا أن مسار الحملة تعثَّر بعد انطلاقتها، حيث استطاعت حركة الشباب توسيع نطاق المواجهة والهجوم المضادّ والسيطرة على مدينة طوسمريب -التي كانت مقرّاً لقيادة العمليات العسكرية الحكومية- والانسحاب منها مرتين، إلى جانب السيطرة على مدن أخرى في إقليم الوسط ثم الانسحاب منها.
دفع هذا التطوُّر الحكومة الصومالية لتعديل أهداف المرحلة الثانية من العمليات العسكرية، فتوجهت جهودها للسيطرة على ما تبقى من معاقل للحركة في ولايتَيْ جلجدو وشبيلي الوسطى -من مناطق الوسط- وهو ما استغلته الحركة لإعادة ترتيب صفوفها ثم استيعاب نمط العمليات العسكرية للقوات الحكومية، بهدف استعادة مساحات واسعة من الأراضي التي خسرتها، والاستمرار في استنزاف القوات الحكومية.
شهد العام الحالي تصاعُداً لافتاً للعمليات العسكرية التي تقودها حركة الشباب، سواء في الصومال، أم مناطق القبائل الصومالية التي تحتلها كينيا -مقاطعات شمال شرق كينيا-، حيث تؤكد الأرقام تنفيذ نحو 30 عملية عسكرية ضدّ قوافل ونقاط عسكرية كينية في مقاطعات -لامو، وغاريسا، وواجير، ومانديرا- بشكل وسطي يتراوح بين 5- 12 عملية شهرياً، في حين أن العمليات خلال 2023 داخل كينيا لم تتجاوز معدل 3 إلى 6 عمليات شهرياً، مما يؤكد بخطٍّ بياني تصاعُد هجمات الحركة داخل الأراضي الكينية.
أما داخل الصومال، فقد نفذت الحركة 340 هجوماً ضدّ القوات الأمنية منذ مطلع 2024 ، معظمها في ولايات الوسط والجنوب، حيث كان شهر آذار/ مارس أكثرها دموية وتصاعُداً في الهجمات، حيث أعادت الحركة السيطرة على مدن عمار وحنلبي ومسجواي وبعادوين في ولاية مدق، كما توسعت عملياتها في مقديشو- خاصة منطقة بوسلي وجزيرة الساحليتين القريبتين من مقديشو، حيث نفذت فيهما عمليات واسعة النطاق سيطرت فيها على بعض القواعد العسكرية ثم انسحبت منها- وولاية شبيلي السفلى والوسطى ومدق، وحاصرت مدينة حرديري الإستراتيجية، وسيطرت لأيام معدودة على مدينة دار النعمة، واقتحمت مدينة بلعد دون السيطرة عليها، واستطاعت شن هجمات متتالية ومكثفة ضد القوات الإفريقية والحكومية في القواعد العسكرية داخل عدة مدن في ولايتَيْ شبيلي السفلى وباي الجنوبيتين، إلى جانب عملية اقتحام فندق SYL التي استهدفت فيها اجتماعاً لقادة ميليشيات عشائرية وأجهزة أمنية في الفندق، مما يُعَدّ مؤشراً على مدى قدرة حركة الشباب على اختراق مؤسسات الحكومة بعناصر من صفوفها من جهة، ويؤكد أن الإجراءات الأمنية المتبعة لمنع الحركة من تنفيذ مثل هذه الهجمات المعقَّدة غير كافية من جهة أخرى، وعليه فإن وصول قوات الحركة إلى هذا المرحلة من توزيع الجهد والعمل العسكري يُعَدّ تطوُّراً نوعياً ضدّ القوات الحكومية، وبالتالي من المرجَّح استمرار عمليات التنظيم الكبيرة ضدّ القوات الحكومية والأجنبية في الصومال خلال المرحلة القادمة.
تحرص الحكومة على شنّ المرحلة المتبقية من حملة "الأسد الأسود" في شهر أيار/ مايو 2024، وذلك حرصاً على الاستفادة من دعم قوات البعثة الإفريقية التي بدأت بالانسحاب الفعلي من الصومال، حيث من المتوقَّع أن يكتمل الانسحاب مع نهاية العام الحالي 2024، إلا أن هذا لا يعني قدرة الحكومة على تفكيك الحركة والسيطرة على مواقعها خلال هذه المدة القصيرة.
تعود قوة حركة الشباب المجاهدين لكونها تنظيماً مَرِناً، حيث تنتشر على مساحات واسعة من الجنوب الصومالي، وتمتلك أجهزة أمنية وعسكرية وقضائية متعددة، وتتمركز في مدينة "جَلَب" جنوب غربي البلاد بوصفها عاصمة لحكمها، إلا أنها تتمدد باستمرار وتتراجع أيضاً في وجه الحملات العسكرية، وتقود أجهزتها العسكرية عمليات مختلفة الأنواع، كعمليات الاغتيال والاستنزاف والاستهداف بالعبوات الناسفة، والكمائن المستمرة، إلى جانب العمليات الكبرى التي تنفذها الحركة من محاور واسعة ضد مدن أو بلدات أو قواعد عسكرية محددة، وبالنظر إلى تصاعُد عملياتها داخل مقديشو، ومحيط مناطق العمليات التي تنفذها الحكومة، فإننا أمام مؤشر على سهولة اختراق خطوط التماسّ والدخول في مناطق الحكومة وتنفيذ الحركة عمليات كبيرة فيها.
عمدت الحركة إلى تهديد العشائر التي تُشكّل مع القوات الحكومية ميليشيات للإسهام في الهجوم ضدّ الحركة، سواء من خلال التلويح بقطع طرق التجارة عنها ومنع الشاحنات المتوجهة نحوها من الوصول إليها، أم باغتيال بعض رموزها.
من المؤكد أن انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي "أتميس" سيؤدي لتصاعُد عمليات حركة الشباب، خاصة أن جزءاً كبيراً من عملياتها موجَّه ضدها، وهو ما يدفع للاعتقاد بأن وسط الصومال وجنوبه سيشهدان خلال 2025 عودة قوية للحركة، حيث قد تسيطر على أبرز المدن في هذه الأقاليم مثل جنالي وأفمدو وأفجوي وكيسمايو، كما أنها ستكون تهديداً إقليميّاً لكلٍّ مِن الحدود الإثيوبية والمناطق الكينية المجاورة للصومال- مقاطعات الساحل الثلاث لامو، وغاريسا، ومانديرا.
قد تميل كِفَّة الميزان لصالح قوات الحكومة مرة أخرى في حال استطاعت استمالة العشائر في وسط البلاد وجنوبها لصالح القتال معها، وبالتالي فإن هذا سيشكل ضغطاً على حركة الشباب، بحيث يمنعها من السيطرة على المدن الإستراتيجية، إلا أنه لن يمنع الحركة من التحرُّك مستقبلاً للتكيُّف مع الواقع الجديد وإعادة تطوير هجومها ضدّ الحكومة وحلفائها.