كيف نفهم استعادة قيرغيزستان مواطنيها المنتمين إلى داعش؟
2024-04-24832 مشاهدة
أنهت قيرغيزستان في نيسان/ إبريل 2024 برنامجها الوطني لاستعادة الأطفال والنساء من مواطنيها المحتجَزين في سورية والعراق، مما يوجّه الأنظار إلى الخُطوات التالية التي ستتبعها قيرغيزستان في هذا الملف، مثل عملية التأهيل التي ستتبعها لإعادة دمج الأطفال والنساء، ومؤشرات نجاحها أو فشلها، وإمكانية اتباع نهج قيرغيزستان في دول آسيا الوسطى التي انضم عدد كبير من أبنائها إلى تنظيمات جهادية متعددة، ويقبع كثيرٌ منهم في سجون قسد والعراق ومخيماتهما.
عام 2013 انتقل إلى سورية من مواطني قيرغيزيا 850 مواطناً، 150 منهم من الرجال المقاتلين، في حين كان البقية من الأطفال والنساء، حيث توزّعوا بين الرقة واللاذقية، ومع تمايُز المناطق التابعة لتنظيم داعش وجبهة النصرة الموالية للقاعدة آنذاك، ظهرت كتائب خاصة بالمقاتلين القيرغيزستانيين، منهم كتيبة الإمام البخاري وكتيبة التوحيد والجهاد، اللتان بايعتا جبهة النصرة، ونفذتا بعض العمليات الخارجية في بيشكك -عاصمة طاجيكستان- عام 2016 وسان بطرسبرغ عام 2017، في حين لم يتجاوز عدد مقاتلي جيش الخلافة التابع لداعش من القيرغيزيين 50 عنصراً، قُتِلوا جميعاً في معارك داعش بين عامَيْ 2015- 2019.
نقلت قوات سورية الديمقراطية (قسد) الأجانب المدنيين المتبقين في الباغوز، آخِر معاقل تنظيم الدولة شرقي دير الزور في 2019 إلى مخيمَي الهول والروج جنوبي محافظة الحسكة، حيث بلغ عدد الأجانب مع أطفالهم قُرابة 12 ألف شخص، ومع حلول آذار/ مارس 2021 ابتدأت الحكومة القيرغيزية برنامجاً لاستعادة 511 من مواطنيها- 129 امرأة و382 طفلاً، من مخيمات قسد والسجون العراقية إلى بلادها موزَّعة على ست عمليات استعادة، وفي هذا الإطار أنهت في 21 حزيران/ يونيو 2022 عملية استعادة المواطنين القيرغيزيين من العراق -79 طفلاً- بالتوازي مع رفض السلطات العراقية إطلاق سراح النساء المتبقيات اللائي حُكم عليهنَّ بأحكام سجن طويلة.
من المفترَض أن تركز عملية إعادة الإدماج على وضع الأطفال والنسوة المستعادين في مراكز خاصة لمدة ستة أشهر بإشراف عدد من الأطباء والأكاديميين المتخصصين في علم النفس قبل السماح لهم بالانضمام إلى مجتمعاتهم وأفراد أُسَرهم، بدعم شِبه كامل من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، في حين تؤكد الحكومة القيرغيزية "عدم تدخُّلها" في مناهج إعادة إدماج الأطفال والنساء العائدين.
بالرغم من هذا التعهُّد الحكومي، إلا أن السلطات ملزَمة بأن تخضع النسوة العائدات للمحاكمة، مما يضعها أمام خيارين أساسيين، أولهما: اتباع أسلوب الحكومة الأوزبكستانية، حيث أخضعت النسوة المستعادات من سورية والعراق لبرنامج إدماج وإعادة تأهيل شبيه بالبرنامج القيرغيزي، مع التركيز على الدعم المجتمعي والاقتصادي والتعليم المهني لهنّ، ومع انتهاء البرنامج عُرضت قضايا النسوة على المحاكم المدنية وصدرت بحقهن أحكام عديدة بالسجن، إلا أن الرئاسة الأوزبكية أصدرت عفواً رئاسياً عنهن للسماح لهن بتجنُّب عقوبة السجن الفعلية. أما الخيار الثاني، فهو تنفيذ أحكام السجن في حقهنّ، وهو ما تنفّذه كازاخستان في حقيقة الأمر، حيث فرضَت على النسوة المستعادات مدة سجن تتراوح بين 3- 7 سنوات بحسب توصيف انتقالهن إلى سورية والوظائف أو الأنشطة التي قُمْنَ بها، علماً أن كازاخستان وأوزبكستان استعادتا نحو 793 طفلاً و304 نساء بين عامَيْ 2019 و2021، وكانتا من أوائل الدول التي استعادت مواطنيها لدى قسد.
من المحتمل أن تتعرض هذه الدول لخطر تصاعُد التطرف وتجنيد الأطفال العائدين ضِمن خلايا تنظيم الدولة أو القاعدة المتنامية في المنطقة، خاصة في ظل تصاعُد نشاط تنظيم الدولة في دول آسيا الوسطى -طاجيكستان بشكل خاص- وحرصه على استقطاب المزيد من المقاتلين إلى صفوفه في المنطقة؛ كما أن عجز طالبان أفغانستان عن احتواء الجماعات الجهادية التي ارتبطت بها سابقاً في باكستان -مثل اتحاد الجهاد الإسلامي، وجماعة أنصار الله- سيجعل من هذه الجماعات تهديداً حقيقياً للمنطقة، خاصة في ظل احتمال تصاعُد موجة التطرف عالميّاً مرة أخرى؛ بفعل تأثيرات الحرب في غزة، ووجود مؤشرات على تصاعُد نشاط الجماعات الجهادية في آسيا الوسطى؛ وبالرغم من ذلك، فإنه لم يسجل إلى الآن -منذ عودة أول دفعة من مواطني دول وسط آسيا عام 2019- أي حالات تورُّط من قِبل البالغين في أي نشاط جهادي أو متطرف، إلا أن هذا لا يمنع أن يكون للتنظيمات الجهادية توجُّه لإنشاء خلايا وشبكات أخرى بعيداً عن المواطنين المستعادين من سورية والعراق.
من المؤكد أن قيرغيزستان ستواجه تحديات في سبيل دمج النساء البالغات المستعادات إلى بلادهن، وقد تتمثل هذه التحديات ضِمن إشكالات عديدة، كاحتمالية محاكمتهنَّ وسجنهنَّ، وآليات إعادة تأهيلهنَّ وإعادة دمجهنَّ، إلى جانب تحديد مستوى الدعم الاقتصادي الذي يمكن تقديمه لهن في هذه الأثناء، إلى جانب التحديات المتعلقة بمواجهة موجة تصاعُد التجنيد والاستقطاب الجديدة في آسيا الوسطى، فبالرغم من أن بريق داعش في سورية والعراق قد أصبح باهتاً، إلا أن لمعان فرعه في أفغانستان وإفريقيا، واستمرار الحرب في غزة، قد يثير موجة جديدة من الانضمام للتنظيمات الجهادية القريبة منها.