مَن المستفيد من انقلاب النيجر؟

مَن المستفيد من انقلاب النيجر؟

2023-08-11
1794 مشاهدة


معظم القوى العالمية التي لها وجود عسكري أو حصص مالية في البلاد ستخسر بسبب عدم الاستقرار، وهذا يمكن أن يضغط على المجلس العسكري.

في السادس والعشرين من شهر تموز/ يوليو، قام الجنرال عبد الرحمن تشياني (Abdourahamane Tchiani)، قائد الحرس الرئاسي في النيجر، بتنظيم "احتجاج مناهض للجمهورية" ضد رئيس النيجر المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم (Mohamed Bazoum)، وبعد ساعات، أعلن الكولونيل في سلاح الجو أمادو عبد الرحمن (Amadou Abdramane) عزل بازوم على قناة التلفزيون الحكومية في النيجر، وأعلن تشكيل المجلس الوطني لحماية الوطن (CNSP)، وبينما رفض بازوم الاستقالة من منصبه ودافع عن شرعيته عَبْر تطبيق "تويتر"، أعلن المتحدث باسم CNSP الكولونيل أمادو عبد الرحمن في 28 تموز/ يوليو أن تشياني هو الزعيم الجديد للنيجر.

انقلاب النيجر الذي كان الأول من نوعه منذ عزل الرئيس ممادو تانجا (Mamadou Tandja) في شهر شباط/ فبراير 2010، تبعته أحداث مماثلة في غينيا وبوركينا فاسو ومالي وتشاد وأبرز الانهيار الديمقراطي الحاصل في منطقة الساحل، على الرغم من أن انقلاب النيجر قد يكون له آثار سلبية ملموسة على أمن غرب إفريقيا، فإن التفاعلات الدولية مع الاستيلاء على السلطة من قِبل تشياني تباينت بشكل كبير.

أدانت كل من الولايات المتحدة وفرنسا الانقلاب وأكدتَا على شرعية بازوم، بينما أعطى الاتحاد الإفريقي للمجلس العسكري الحاكم في النيجر مهلة 15 يوماً لحل نفسه، كما قد أدانت دولة الإمارات العربية المتحدة الانقلاب، ربما لأنها أرادت دحض الشائعات التي انتشرت عَبْر وسائل إعلام إفريقية تتحدث عن دعم الإمارات لتشياني، كما أصدرت قوى إقليمية أخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)، مثل تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية، بيانات أخفّ لهجة تعبر عن "القلق"، وكان كذلك البيان الذي أصدرته الصين حول الانقلاب يحمل نفس النبرة الحيادية، حيث شددت فيه بكين على سلامة مواطنيها.

لقد كانت ردة فعل روسيا التي بَدَتْ متعاطفة مع انقلاب تشياني بارزة ومختلفة عما صدر عن باقي الدول، ففي الوقت الذي أبدى فيه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف دعماً غامضاً لاستعادة "النظام الدستوري" في النيجر، واتهم حكومة الولايات المتحدة باتباع معايير مزدوجة بإدانتها انقلاب تشياني ودعمها لـ "الانقلاب" الذي حصل في شهر شباط/ فبراير 2014 في أوكرانيا الذي أطاح بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش، وعلى الرغم من الخلاف الأخير بينه وبين الكرملين، وصف رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين الانقلاب بأنه نصر ضد الاستعمار الغربي، وعرض خدمات عناصر مجموعته العسكريين على الجيش النيجري.

من غير المرجَّح أن يتبع المجلس العسكري الجديد في النيجر المسار المتشدد المناهض للغرب الذي تتبعه الأنظمة العسكرية في مالي وبوركينا فاسو، وتعتبر الولايات المتحدة وفرنسا النيجر آخِر موطئ قدم ذي فعالية كبيرة لهما في منطقة الساحل، ويمكن أن يثني سجل مكافحة الإرهاب السيئ لمجموعة فاغنر في مالي عن قبول مبادرات بريغوجين، كما أن المصالح التجارية للصين والقوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وقارة إفريقيا ككل تفضل الاستقرار في النيجر، ولا تتوقف على طبيعة النظام في نيامي، إن سياسة المشاركة البراغماتية من قِبل الشركاء الرئيسيين، والتي تعكس المواءَمة التاريخية لفرنسا مع ديكتاتور تشاد الراحل، إدريس ديبي (Idriss Déby)، أو تعاون واشنطن مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد تسمح لنظام تشياني بتجنُّب العزلة الدولية.

في أعقاب انقلاب تشياني مباشرة، يبدو أن الآفاق لاستمرار التعاون الغربي في مكافحة الإرهاب مع النيجر غير مشجعة، لقد قام المجلس الوطني لحماية الوطن بتبرير قيامه بالانقلاب بـ"تدهور الوضع الأمني المستمر" وهو نفس المبرر الذي ساقته المجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو للقيام بالانقلاب في بلدانهم، وقد أعلن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، عن "وقف فوري لدعم الميزانية" للنيجر وتعليق "الأعمال التعاونية في المجال الأمني"، وقامت فرنسا بتقليد قرار الاتحاد الأوروبي عَبْر تعليق المساعدات التنموية للنيجر، وهذا يجعل مستقبل القوات الأوروبية في النيجر في حالة من الغموض، ويتراوح عديد القوات بين 50 إلى 100 جندي، وتقدم المساعدة اللوجستية والدعم في تطوير البِنْية التحتية.

وفي حين أن فرنسا لم تهدد بسحب قوتها البالغ قوامها 1500 جندي، والتي تضمنت قوات تم نشرها سابقاً في مالي، فقد قامت بإجلاء بعض المواطنين الأوروبيين من النيجر، وللتعبير عن تضامُنه مع السلطات الشرعية في النيجر، تحدث وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين مع بازوم في الثلاثين من تموز/ يوليو، وقد حذر بلينكن بعد ذلك من أن "مئات الملايين من الدولارات" من المساعدات الأمنية والاقتصادية الأمريكية للنيجر قد تكون معرَّضة للخطر إذا لم يتم استعادة "الحكم الديمقراطي" في البلاد، لقد أصبحت القوة الأمريكية المكونة من 1000 جندي في النيجر محصورة الآن في قاعدة أمريكية في أغاديز.

على الرغم من هذه الإشارات السلبية، فإن انهيار التعاون الأمني بين النيجر والغرب ليس أمراً حتمياً، إذ يتميز انقلاب تشياني أساساً بالطموح الشخصي بدلاً من كونه مدفوعاً بالأيديولوجيا، وقد يؤدي اتباع موقف متشدد مناهض للغرب إلى رد فعل داخلي عنيف، خلال أول سنتين من رئاسة بازوم، كان تشياني من المؤيدين المخلصين لحكومة النيجر، وقد منع تشياني محاولة انقلاب قادها ساني غوروزا (Sani Gourouza )، الضابط في سلاح الجو النيجري ضد بازوم في شهر آذار/ مارس من عام 2021، وتم تكريمه لاحقاً من قِبل بازوم من أجل "تحلّيه بروح التفاني والتضحية والولاء"، من المحتمل أن انقلاب تشياني كان رد فعل على تهديد بإقالته، وقيل إن الضابط البالغ من العمر 62 عاماً كان معرَّضاً لخطر الطرد من القوات المسلحة، وقد تعرض لإزعاجات من زملائه في الحرس الرئاسي النيجري.

لا تزال سمعة تشياني المثيرة للجدل تُشكّل عائقاً بالنسبة له ليكون زعيماً فعلياً للنيجر، ويستمر تحالُف تشياني الوثيق مع سلف بازوم، محمد إيسوفو (Mahamadou Issoufou)، الذي رفّعه إلى رتبة جنرال في 2018، في استمالة منه للرأي العامّ، وهناك شائعات عن حدوث صراعات داخلية بين مدبري الانقلاب، ونظراً لأن مالي وبوركينا فاسو شهدتَا انقلابات متتالية، فإن هناك احتمالاً مرتفعاً لاندلاع اقتتال داخلي يؤدي إلى انقلاب ثانٍ، كما أن إمكانية تدخُّل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) في النيجر، والذي أدانه الضابط المتحالف مع المجلس الوطني لحماية الوطن اللواء محمد تومبا (Mohamed Toumba) تبرز وجود "خطة عدوان" تلوح في الأفق، في الثلاثين من شهر تموز / يوليو، منحت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تشياني أسبوعاً واحداً للتنازُل عن السلطة، وفرضت عقوبات مالية على النيجر، ولم تستبعد "استخدام القوة"، وبسبب هذه المخاطر، يمكن أن يأخذ تشياني بأسباب الحذر ويتجنب التحركات العدائية، مثل طرد القوات الغربية، التي يمكن أن تأتي بنتائج عكسية.

لا ينبغي المبالغة في احتمال أن تحلّ مجموعة فاغنر محل القوات الغربية، فبعد أن أذنت النيجر بنشر قوات أجنبية لمكافحة الإرهاب في شهر نيسان/ إبريل من عام 2022، بدأت المجموعات المناهضة لفرنسا مثل حركة إم 62 في تنظيم احتجاجات في نيامي.

في مظاهرة حصلت في شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2022، استقطبت عدة مئات من المشاركين، ظهر فيها شعارات "ارحل برخان" و "تسقط فرنسا" و "يعيش بوتين وروسيا"، لقد كانت هذه الاحتجاجات مدفوعة بمعلومات مضللة روسية، زعمت أن فرنسا كانت تنهب احتياطات النيجر الهائلة من اليورانيوم لدعم إمداداتها الكهربائية، وفي الثلاثين من شهر تموز/ يوليو، سار آلاف المتظاهرين المؤيدين للانقلاب حاملين الأعلام الروسية في شوارع نيامي وحاولوا اقتحام السفارة الفرنسية.

بالرغم من هذه المظاهر المؤيدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا يزال موقف روسيا مبهماً بالنسبة للمسؤولين النيجريين، وبصرف النظر عن اتفاقية التعاون العسكري المفتوحة المدة الموقعة في شهر آب/ أغسطس من عام 2017، والتي تحتوي على بند لمكافحة الإرهاب، إلا أنه ليس لدى النيجر الكثير من الروابط الأمنية مع روسيا، ويظل أداء مجموعة فاغنر السيئ في مالي، والذي يشمل زيادة مستمرة في حالات الضحايا المدنيين، يظل أداء فاغنر غير متوافق مع السياسة المتبعة في النيجر لتقليل العنف السياسي التي أُطلقت في عام 2022، على الرغم من أن مجلس الـ “CNSP” قد ادعى باطلاً أن الوضع الأمني في النيجر يتدهور، فإن هذه التوجهات قد تقنع تشياني باتباع مسار زعيم المجلس العسكري في بوركينا فاسو، إبراهيم تراوري، من خلال التودد إلى روسيا كشريك إستراتيجي، ولكن دون قبول دور لمجموعة فاغنر.

إذا لم يتبنَّ تشياني أجندة معادية للغرب بشكل علني، ولم يقبل مساعدة متعاقدي مجموعة فاغنر، يمكن لفرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استئناف التعاون الأمني مع النيجر، على عكس حملاتها السابقة في مالي، تعتمد عمليات مكافحة الإرهاب الفرنسية في النيجر على القادة المحليين، حيث تقوم قواتها بتوفير المعدات والتدريب والدعم الاستخباري فقط، ونظراً لأن فرنسا تعاونت بشكل وثيق مع شخصيات في تحالُف تشياني، فقد تستمر عمليات مكافحة الإرهاب مع عدد قليل نسبياً من الاضطرابات.

ترغب الولايات المتحدة في الحفاظ على قاعدتَيْ طائرات بدون طيار في النيجر، مما يسمح لها بجمع المعلومات الاستخبارية عَبْر منطقة الساحل وشرق إفريقيا، ويضمن تدريبها وتعاوُنها في مكافحة الإرهاب مع الجيش النيجري بقاء هذه المنشآت، وينظر الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى عدم الاستقرار في النيجر على أنه يضر بمصالحه، حيث كان مركزاً مهماً لعبور المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا، واستجابة لارتفاع معدلات الهجرة، حظرت النيجر العديد من أماكن الهجرة نحو الشمال في عام 2015، ونسقت عن كثب مع الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاتجار بالبشر، يمكن النظر إلى الانخراط العملي مع المجلس العسكري في النيجر على أنه أهون شراً من الفراغ الأمني الذي يتسبب في تصاعُد القتال أو الهجرة غير الشرعية.

بغضّ النظر عن الطريقة التي قررت بها فرنسا والولايات المتحدة الاقتراب من المجلس العسكري في النيجر، فمن المرجَّح أن تُبقي القوى الخارجية الأخرى على تواجُدها في ذلك البلد الإفريقي، وتعد الصين ثاني أكبر مستثمر في الاقتصاد النيجيري بعد فرنسا، فقد اتخذت مؤخراً خطوات لتوسيع وجودها حيث تسعى شركة النفط الصينية التي تديرها الدولة (Sinopec) إلى استكمال الهيمنة التقليدية لشركة البترول الوطنية الصينية في قطاع النفط في النيجر، خلال الشهر الماضي ناقش كبار التجار الصينيين تطوير خطّ أنابيب النفط "بينين - النيجر" الذي يبلغ طوله 1200 ميل واستئناف تعدين اليورانيوم في النيجر بعد توقُّف دام تسع سنوات، كما تشير الدلائل الأولية إلى أن الصين لن تتخلى عن هذه المشاريع وقد قام زانغ يونغ بينغ، الخبير في مركز الأبحاث في بكين Taihe، بالتأكيد على أن السيناريو الوحيد الذي من شأنه أن يعجل رحيل الصين هو نشوب حرب أهلية على غرار السودان، وأعرب عن ثقته في قدرة الشركات الصينية على مواجهة صراع أقلّ حِدّة.

من المرجَّح أن تقوم القوى الإقليمية في الشرق الأوسط باستنساخ نهج الصين خلال انقلاب النيجر، فمنذ أن زار الرئيس رجب طيب أردوغان نيامي في شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2013، عمقت تركيا تعاوُنها الأمني مع النيجر، وفي شهر تموز/ يوليو من عام 2020 ، وقَّع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اتفاقية تعاوُن عسكري مع إيسوفو ونقل ست طائرات بدون طيار من طراز Bayraktar TB2 وطائرات تدريب Hurkus في أواخر عام 2021 ، وتطمح تركيا أيضاً إلى بناء قاعدة جوية في النيجر لإيواء معداتها العسكرية.

إن علاقات النيجر مع العالم العربي من المرجَّح أن تصمد أمام الانقلاب، ولمواجهة النفوذ التركي في منطقة الساحل، قدمت مصر التدريب والتمويل للقوات المسلحة في النيجر، وفي الثامن من شهر تموز/ يوليو، قامت مصر بتزويد النيجر بـ "شحنة كبيرة" من المعدات العسكرية، مثل مركبات الاستطلاع المدرعة BRMD-2 ومدافع الهاوتزر M-30.

لقد تقلص التعاون الأمني بين الإمارات العربية المتحدة والنيجر منذ أن خفضت أبو ظبي من دعمها للزعيم الليبي خليفة حفتر في ليبيا المجاورة في عام 2021 ، ومع ذلك فإن النيجر تدخل في حسابات الإمارات الاستثمارية الإستراتيجية المتواجدة في غرب إفريقيا والتي تبلغ قيمتها 19 مليار دولار، والتي تم الكشف عنها في عام 2014، حيث إن شركتين إماراتيتين متخصصتين في مجال البناء -وهما Trojan General Contracting للمقاولات العامة و Essar Projects للمشاريع- تتصدران النشاط الاقتصادي الإستراتيجي للإمارات في النيجر، وتسعيانِ إلى بناء السكك الحديدية والطرق والجسور والمطارات ومحطات الطاقة الحرارية في جميع أنحاء المنطقة.

قامت المملكة العربية السعودية أيضاً بالاستثمار في مشروعات كبيرة، مثل سد كاندادجي وبناء المدارس الابتدائية المحلية، حيث تسعى للحدّ من نطاق التعاوُن الاقتصادي بين النيجر ومنافس الرياض؛ إيران، وقد التقى وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف مع المسؤولين الكبار في النيجر في شهرَيْ تشرين الأول/ أكتوبر 2017 و أيار/ مايو 2019 لتعزيز التجارة الثنائية، ومنذ زيارة الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد في نيسان/ إبريل 2013 إلى نيامي وقرار طهران المتزامن ببناء منجمين جديدين لليورانيوم، استمرت التكهنات حول مشتريات إيران من اليورانيوم من النيجر.

وبينما يكتنف الغموض مسار النيجر السياسي على المدى القريب، فإن الاضطراب الشديد سيضرّ بمصالح كل الجهات المعنية الخارجية الرئيسية، وقد تقنع هذه المصالح المالية والحوافز الأمنية القوى الخارجية بضرورة عقد صفقة خاسرة مع المجلس العسكري الحاكم في النيجر، مع الضغط على تشياني لقبول إطار للانتقال إلى الحكم المدني، الآن لدى تشياني خيار ما إذا كان سيتبع سياسة خارجية متعددة الاتجاهات تُوازِن بين القوى المتنافسة أو سيتبع مسار القادة الموالين لروسيا في المجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو.

ترجمة: عبد الحميد فحام

المصدر:( فورين بوليسي)