أمريكا بحاجة إلى إستراتيجية في الشرق الأوسط

أمريكا بحاجة إلى إستراتيجية في الشرق الأوسط

2023-12-29
558 مشاهدة


يناقش المقال إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، مُركزاً على التحدّيات التي تواجهها في التعامل مع إيران ودورها في المنطقة، ويُظهر كيف أن الصراع في غزة يكشف اختلافات بين السياسات الأمريكية والواقع الإستراتيجي في المنطقة، ويُشير إلى حاجة إستراتيجية أمريكية أوسع لمواجهة التهديدات الإيرانية وتعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي.

نص الترجمة:

بعد مرور حوالَيْ شهرين على الحملة البرية الإسرائيلية، تتجه جميع الأنظار نحو قطاع غزة، ولكن مع ذلك الانشغال، تشير الانقسامات حول غزة إلى انفصال بين السياسة الأمريكية والواقع الإستراتيجي، ويتجه الشرق الأوسط نحو حرب كبرى، تحتاج الولايات المتحدة فيها إلى إستراتيجية تتجاوز غزة بكثير.

منذ نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر، كان نهج إدارة بايدن تجاه حرب غزة هو إصدار بيانات عامة تُعبّر عن الاستياء للجمهور المحلي دون اتخاذ إجراءات سياسية، وتختلف واشنطن وتل أبيب في رؤاهما لغزة ما بعد الحرب، إذ ترى الإدارة الأمريكية أن السلطة الفلسطينية هي الشريك الأكثر قابلية للحكم هناك، ولكن إسرائيل لا يمكن أن تقبل ذلك، نظراً لفساد السلطة وعدم كفاءتها وعدم شعبيتها في غزة والضفة الغربية، وسيؤدي حكم السلطة الفلسطينية لغزة إلى العودة إلى التشدّد على طريقة حماس، إن لم يكن حكم حماس المباشر.

كان السابع من تشرين الأول/ أكتوبر هو الخُطوة الأولى في مرحلة جديدة من حملة إيران ضد إسرائيل وأمريكا. إيران هي نظام ثوري يشبه فرنسا النابليونية أو الاتحاد السوفياتي، وكان هدف طهران منذ عام 1979 هو تصدير الثورة الإسلامية إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولكن القوة العسكرية لإسرائيل والعلاقات الأمريكية الإسرائيلية هما العائق الرئيسي لهذا، حيث إنهما الفاعلان الوحيدان اللذان يمكن أن يضرا إيران بجدية.

إستراتيجية طهران، التي شكّلها قائد قوة القدس قاسم سليماني، الذي تم اغتياله، هي حملة واسعة للسيطرة على الدول في كل من لبنان وسورية والعراق واليمن، وقد قامت إيران برعاية وكلاء لها في هذه الدول بهدف تنفيذ الخدمات الأمنية وبناء تحالف يُسمى محور المقاومة، وبالرغم من أن أعضاء المحور لديهم أهداف متنوعة إلا أنهم موحدون في كراهيتهم لإسرائيل والولايات المتحدة.

لا يمكن لمحور المقاومة أن يهزم إسرائيل بالطرق التقليدية، بل عليه أن يُدخل إسرائيل في حرب استنزاف، تفرض عليها تكاليف سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، والنجاح في ذلك يتطلب تعطيل التحالف الأمريكي-الإسرائيلي، حيث إنه طالما أن واشنطن تدعم بقاء تل أبيب، ستكون إسرائيل قوية جداً لدرجة يصعب معها زعزعتها.

تسارعت أعمال إيران في حرب الاستنزاف منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وقد أدّت تعبئة إسرائيل ونشرها للقوات المدرعة في الشمال إلى ردع التدخل الإيراني المباشر، ولكن مع ذلك نشرت إيران حوالي 100,000 مقاتل عراقي في سورية، كما حشدت حزب الله، ووضعت أكثر عناصر جيش النظام السوري تعاوناً في حالة تأهُّب للحرب. بغض النظر عما يحدث في غزة، تظل هذه التهديدات قائمة.

إن دور حماس في الخطة واضح، فسيطرتها على غزة كانت نقطة ضغط مفيدة ضد إسرائيل، مما زاد من إمكانية محاصرة إسرائيل، ولكن الانتصار الحقيقي يتمثل في الضفة الغربية، وهي موطن لثلاثة ملايين فلسطيني ومحاذية لمليونَيْ فلسطيني في الأردن. خسرت السلطة الفلسطينية الضعيفة السيطرة على العديد من المناطق الحضرية في الضفة الغربية، وخلال تبادُل الأسرى في تشرين الثاني/ نوفمبر، نظمت حماس مسيرات في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما في ذلك معقل السلطة في رام الله.

يشكّل توسُّع الوجود الإيراني في سورية تهديداً مستمراً للضفة الغربية، نظرا ًلوجود قنوات خلفية يمكن من خلالها نقل الأسلحة والذخيرة من دمشق عبر الأردن، كما أنه من الممكن أن يحدث قصف صاروخي واجتياح بري من طرف حزب الله.

الوجود الإيراني في سورية ولبنان يشكل أيضاً تهديداً للأردن، فأي تهديد للأردن يُعَدّ تهديداً لإسرائيل، حيث إن وجود قوات معادية قريبة من عمّان تعني أن إسرائيل محاصرة، وبالتالي اندماج التهديد الموجود في الضفة الغربية مع التهديد لشمال إسرائيل.

تُعَدّ القوة الإيرانية في سورية حجر الزاوية في هذه الاستراتيجية، فبدون دمشق كمركز توريد، ستجد إيران صعوبة في الحفاظ على قواتها المتواجدة في لبنان والضغط على الضفة الغربية. لدى إسرائيل سبب واضح لشنّ ضربة سريعة نحو الشمال، باستخدام حملة قوية بالقوة الجوية وحرب برّية لتحقيق نصر سريع. تَفْهَم إيران أن الولايات المتحدة وحدها يمكنها كبح جماح إسرائيل، مما يجبرها على خوض حرب استنزاف أبطأ تصبّ في مصلحة إيران.

لقد أحدثت طهران بالفعل الانقسامات بين واشنطن وتل أبيب، فقد رفضت إدارة بايدن تسمية إيران كمسؤولة مباشرة عن أي أحداث قبل أو بعد السابع من أكتوبر أو الهجمات التي تجاوزت المئة على القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط منذ ذلك اليوم، ولكن أخيراً وخلال عطلة نهاية الأسبوع، اتهمت الولايات المتحدة إيران بشن هجوم، حيث تعرضت سفينة "كيم بلوتو"، وهي ناقلة مواد كيميائية تحمل علم ليبيريا وتملكها شركة يابانية، وكانت متجهة إلى الهند، للهجوم على بُعد 200 ميل بحري من الساحل الهندي، وفقاً للبنتاغون. نظراً لموقع الهجوم فمن المحتمَل أن طائرة بدون طيار أُطلقت من الأراضي الإيرانية استُخدمت لتنفيذ الهجوم، إن تركيز واشنطن على غزّة هو قِصَر نظر مُتعمَّد، فلا تزال الولايات المتحدة ترى الوضع الحالي كأزمة تحتاج إلى الإدارة، وليس كمنافسة إستراتيجية يجب التغلّب عليها.

ومن الممكن أن يسود نهج السياسة الحكيمة إذا قامت الولايات المتحدة بصياغة إطار يُدير المنافسة على النحو الصحيح، فالصراع على الشرق الأوسط، والذي من المرجَّح أن يتصاعد، هو جزء من الصراع الأوسع من أجل السيطرة على منطقة أوراسيا، وهو الذي يضع الولايات المتحدة وحلفائها في مواجهة الصين وروسيا وإيران الساعية للتغيير، كما أن الولايات المتحدة لديها مصلحة إستراتيجية في النصر الأوكراني، فإن لديها مصلحة متساوية في ردع التدخل الصيني في تايوان وهزيمة محاولة إيران للهيمنة. تتطلب الجغرافيا السياسية أُفقاً يتجاوز إدارة الأزمات، وكلما أسرعت واشنطن في تبنّي هذا المنظور، كلما كانت احتمالات التوصل إلى إستراتيجية متماسكة أفضل.

يمكن للولايات المتحدة عزل وكلاء إيران في سورية ولبنان، ويمكنها شنّ حملة جوّية في سورية ردّاً على الهجمات الإيرانية على القواعد الأمريكية، باستخدام مجموعتين إقليميتين من حاملات الطائرات وأصول أخرى في شِبه الجزيرة العربية، والهدف هو إضعاف قدرة إيران القتالية.

كذلك يمكن لواشنطن إعادة فرض العقوبات ضد إيران، فلقد تخلّت الولايات المتحدة عن عدة عقوبات مالية في سعيها للتقارب الوهمي الذي تنظر إليه طهران بازدراء. إن إعادة تجميد الأصول الإيرانية والضغط على الوسطاء مثل قطر والإمارات لعزل الأموال الإيرانية سيُعيق قدرة طهران على ممارسة القوة في الأمد القصير، وقد أدّت بضعة أشهر من هذا الضغط إلى تعطيل الصادرات الإيرانية في أواخر العقد 2010 واستهلاك موارد النظام. سيساعد التعاون مع أوروبا في برنامج شامل للمراقبة التكنولوجية على تعطيل التعاون بين إيران وروسيا، مما سيساعد أوكرانيا أيضاً.

والأهم من ذلك يجب على الإدارة أن تقبل علانيةً الحاجةَ إلى العمل العسكري الإسرائيلي في سورية ولبنان في العام المقبل، ومن خلال تحويل الخطاب من دعم حملة إسرائيل ضد حماس إلى دعم حملة إسرائيل ضد إيران، يمكن للولايات المتحدة الإشارة إلى التزامها المستمر بشرق أوسط يسوده السلام. سيجعل هذا الولايات المتحدة الشريك الوحيد الممكن للعرب في الخليج، وسيفتح ذلك فرصاً أخرى مع السعودية والإمارات التي سعت إليها الإدارة دون نجاح منذ بدء حرب أوكرانيا. يجب على أمريكا أن تجذب العالم العربي نحو واشنطن، وليس أن تتركه مُهمشاً.

ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر: (وول ستريت جورنال)