حرب "أمريكية – روسية" باردة في ليبيا
2023-10-181457 مشاهدة
يتصدر المشهدَ الليبيَّ في الأسابيع القليلة الماضية ما يشبه الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، والتي يمكن القول إنها بدأت قبل سنوات، لكنها ازدادت بشكل تدريجي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع منسوب التوتر بين الغرب بقيادة واشنطن وبين روسيا.
وفي أبلغ تعبير عن الاهتمام الأمريكي بالملف الليبي، أدرجت إدارة بايدن في آذار/ مارس 2023 ليبيا ضمن الخطة العشرية لاستقرار مناطق الصراعات، وتتلخص رؤية الإدارة الأمريكية للحل في ليبيا في إرساء الاستقرار وتعزيز المساءلة والحَوْكَمة.
لدى إدارة بايدن دوافع تقف خلف اهتمامها البالغ في ليبيا، فهي معنية بتعزيز أمن الطاقة العالمي والأوروبي على وجه التحديد، وتوفير بديل معقول ومناسب لاستدامة الاستغناء عن النفط والغاز الروسي.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2022 أظهرت نتائج المسح السيزمي الذي أجرته شركة سرت لإنتاج النفط والغاز وتصنيعهما لحوضَيْ غدامس وسرت نتائج واعدة، وتتطلع الدول الصناعية وخاصة الأوروبية وتركيا إلى حوض سرت للاستفادة منه في تعزيز أمن الطاقة لديها.
من جهتها استثمرت روسيا الدعم الذي قدمته لخليفة حفتر، وحصدت مقابله القدرة على الانتشار في حقول نفط وغاز مهمة شرق ليبيا وجنوبها، وهي تعمل منذ ما قبل غزوها لأوكرانيا على تعزيز نفوذها في حوض المتوسط لمنع ظهور منافسين لها على أسواق الطاقة، وفرض شراكات على دول الحوض تجعل موسكو مؤثرة في أي خط للطاقة سيتم مده عَبْر البحر المتوسط إلى أوروبا، كما أن روسيا تنظر إلى ليبيا -وخاصة قاعدة الجفرة الجوية- على أنها نقطة ارتكاز مهمة لنفوذها في شمال إفريقيا.
مؤخراً تركز الجهود الأمريكية على إنهاء الانقسام السياسي في ليبيا، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تفرز سلطة جديدة، تمهيداً لتوحيد المؤسسة العسكرية القادرة على إجبار كافة الميليشيات الأجنبية على الخروج من البلاد، وهذا هو محور اللقاءات الأساسي بين المسؤولين الأمريكيين وقادة شرق ليبيا وغربها خلال الأشهر الماضية، بالمقابل ترد روسيا على الحراك الأمريكي بالعمل على ترقية علاقتها مع شرق ليبيا إلى المستوى الرسمي بعد أن كانت تعتمد على ميليشيا فاغنر، بالإضافة إلى مد جسور التواصل مع القوى الفاعلة في الغرب الليبي لتفويت الفرصة على المحاولات الأمريكية الرامية لتطويق النفوذ الروسي في ليبيا.
من المتوقَّع أن تواجه خطط واشنطن في ليبيا عقبات، أبرزها تنامي التنسيق بين قُوًى إقليمية مؤثِّرة في المشهد مثل مصر وتركيا مع الجانب الروسي، في وقت تشوب علاقةَ إدارة بايدن مع أنقرة والقاهرة خلافاتٌ حول ملفات متعددة تتجاوز الجغرافيا الليبية أيضاً، لكن هذا لا يعني انحياز القوى الإقليمية الفاعلة للعمل المشترك مع روسيا؛ لأن تركيا ومصر لديهما عدم ارتياح لفكرة الهيمنة الروسية على ملف الطاقة في حوض سرت، وبالتالي سيكون الباب مفتوحاً للمزيد من التطوُّرات التي قد تصل إلى درجة عودة التصعيد بين الأطراف الليبية بدعم الفاعلين الخارجيين.