لماذا لا يتبنّى تنظيم الدولة معظم عملياته العسكرية؟

لماذا لا يتبنّى تنظيم الدولة معظم عملياته العسكرية؟

2023-11-02
1329 مشاهدة


يلاحظ المتابعون لشؤون الجماعات الجهادية، أن تنظيم الدولة في العالم يُعَدُّ من أعلى التنظيمات نشاطًا على الأرض في مختلف مواقع انتشار فروعه، إلا أنه بالرغم من ذلك -على خلاف عادته- يكاد لا يتبنى ما نسبته 20% من عمليات فروعه على الأرض، مما يستدعي البحث في حقيقة هذه الظاهرة وتاريخها والأسباب الكامنة خلفها.

تؤكّد إحصائيات كثيرة -خاصة بمركز أبعاد- أن نشاط التنظيم في كلٍّ من سورية وباكستان والعراق ودول الساحل في 2023 أعلى من نظيره في 2022 -بضِعْفٍ على الأقل- إلا أن سياسة تنظيم الدولة الإعلامية لم تكثّف نشرها المعتاد عن أخبار عملياتها -عَبْر المعرّفات الرسمية- وإنما عمدت إلى إنقاص ذكر العمليات المتبنّاة مقارنةً بالسنوات الماضية.

على سبيل المثال فإن التنظيم في معرّفاته الرسمية وجريدته الأسبوعية -النبأ- لم ينشر عن عملياته في سورية منذ مطلع 2023 إلا ما يقارب 150 عملية، في حين أن عملياته المثبتة تتجاوز 600 عمليّة خلال العام الحالي، حيث إن هذه العمليات تقع في مناطق نشاط التنظيم الدائمة، خاصة دير الزور والحسكة والرقة وبادية حمص الممتدّة نحو الرقة ودير الزور ودرعا، ومثل ذلك فإن عمليات التنظيم المُتبنّاة في مالي لم تَزِدْ عن خمسين عمليّة في 2023 ، إلا أنها على أرض الواقع تجاوزت 100 عملية -أكدتها بالمجمل مصادر محلية-، معظمها جرى بعد انقلاب النيجر في 26 تموز/ يوليو 2023.

ويمكن سحب سياسة التكتّم الإعلامي على الأمور المفصلية الخاصة بالتنظيم، فعلى سبيل المثال أُعلِن عَبْر وسائل الإعلام عن تنفيذ تركيا عملية أمنية أدت إلى مقتل أبي حسين القرشي الزعيم الرابع لتنظيم الدولة أواخر نيسان/ إبريل 2023 إلا أن تنظيم الدولة لم يعلِن عن مقتله ومبايعة قائد آخرَ مكانه إلا مطلعَ آب/ أغسطس 2023 حيث أقرّ بمقتل خليفته خلال اشتباكات مع هيئة تحرير الشام، وأعلن عن تعيين أبي حفص الهاشمي القرشي مكان سابقه.

تؤكد هذه الحوادث -وكثيرٌ غيرها- وجود سياسة متبعة لدى التنظيم تحرص على عدم إعلان عملياته والتكتّم على واقعه الميداني، مما يوجب الوقوف عند أبعاد هذه السياسة وأسبابها؟

من المحتمل أن هذه السياسة تأتي استجابة لدواعٍ أمنية وسياسة إعلامية بهدف منع الخصوم من بناء تصوُّر متكامل عن التنظيم وحالته الأمنية والعسكرية والتنظيمية والدعائية في المناطق التي ينتشر فيها، ويتمثل السبيل للوصول إلى هذا الهدف بالحفاظ على التكتُّم الأمني وعدم الإعلان عن العملية إلا في حالات معينة.

ولعل أبرز هذه الحالات هي ما يضمن للتنظيم تحقيق مكاسب دعائية، ومن الجدير الإشارة إلى أن هذه الدواعي الأمنية من جهة، وتحديد مدى الاستفادة الدعائية من جهة أخرى، تختلف بين فرع وآخر. فقد تبنى تنظيم الدولة عمليتَيْ تفجير وسط المدنيين في كلٍّ من باكستان -في تجمُّع حزبي- في نهاية تموز/ يوليو 2023 أدت إلى مقتل 55 شخصًا وإصابة 200 وعملية أخرى ضد مدرسة ثانوية غربي أوغندا في حزيران/ يونيو 2023 أدت لمقتل 40 طالبًا وأستاذًا وإصابة 20 آخرين، بينما لم يعلِن التنظيم عن مسؤوليته عن تفجير احتفال ديني في أيلول/ سبتمبر 2023 بمدينة ماستونغ في إقليم بلوشستان في باكستان.

يؤكد تبني العمليتين الأُوليَيْنِ وجود أهداف دعائية للتنظيم تستهدف استقطاب المزيد من الناقمين على السلطات المحلية في كِلا البلدين إلى صفوف التنظيم، كما أن هذه العمليات اتَّسمت بأنها وقعت في مناطق عملٍ غير تقليدية للتنظيم، وهذا يمنح التنظيم صورة أكبر بوصفه قادرًا على اختراق خطوط العدو وتنفيذ عمليات معقدة وكبيرة في صفوفه الخلفية.

إلا أن العملية الثانية -المذكورة على سبيل المثال- بعد نفي حركة طالبان باكستان وحركة الجهاد الباكستانية تنفيذهما للعملية، تؤكد أن التنظيم تعمَّد عدم تبني هذه العملية لإثارة البلبلة في المنطقة وعدم تحديد الفاعل بدقة ودفع الأجهزة الأمنية لتعديد احتمالات التخطيط والتنفيذ بينه وبين تنظيمات أخرى كجماعة طالبان باكستان أو أنصار الشريعة الجماعة الجديدة المتصاعدة فيها، وبالتالي فإن ذلك سيعقّد من مهمة الأجهزة الأمنية ويصعّب من عملية التعقّب ودراسة العملية والربط بين خيوط الأدلة للوصول إلى التنظيم الصحيح المنفّذ لها.

وتكتمل هذه الصورة مع السلوك الإعلامي للتنظيم الذي تعمد تأخير الإعلان عن مقتل زعيمه الرابع "أبو حسين القرشي" حيث رأى التنظيم في الصمت الإعلامي مصلحة خاصة له، وترك خصومه في فترة طويلة من التساؤلات والتكهنات، خاصة مع وجود عمليات متصاعدة ضده في سورية والعراق، إلا أن واقع الأمر أسفر في النهاية عن تعيين بديل آخر لأبي حسين القرشي، حيث استغرق أمر اختياره ومبايعة باقي الفروع له أشهرًا عديدة.

بالمجمل، فإن تنظيم الدولة -منذ ما يزيد عن سنة تقريبًا- دخل في مرحلة أقرب إلى الصمت الإعلامي سواء تجاه قضايا المنطقة والعمليات التي تجري ضده وعمليات فروعه بالرغم من تصاعُدها مقارنة بالأعوام الفائتة، وذلك لأسباب عديدة، أبرزها فرض إعماء أمني عن تحرُّكات التنظيم ومنع الآخرين من الوصول إلى تصوُّر كامل حول تطوُّراته وتغيُّرات تحرُّكاته، ومال إلى اتباع سياسة الإعلان عن العمليات التي تضمن له مكاسب دعائية.