إعلان روسيا رفع طالبان من قوائم الإرهاب وتأثيره على علاقات طالبان الدولية
2024-04-291196 مشاهدة
مساء الجمعة 22 مارس/ آذار 2024 نفذت خلية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية-خراسان هجوماً عنيفاً ضد مركز (كروكوس سيتي) التجاري في موسكو راح ضحيته ما لا يقل عن 143 قتيلاً وأكثر من 150 جريحاً، في عملية هي الأسوأ من بين الهجمات التي شهدتها روسيا منذ هجوم مسرح موسكو الشهير عام 2003، وكان قد سبق هذا الهجومَ هجومٌ آخر في مدينة كرمان الإيرانية استهدف الحشود البشرية التي جاءت لزيارة قبر قاسم سليماني القائد السابق للحرس الثوري الإيراني في 3 كانون الثاني/ يناير 2024 في الذكرى الرابعة لمقتله، وقد أسفر الانفجاران عن مقتل 103 أشخاص من المدنيين، وإصابة أكثر من 280 شخصاً على الأقل.
نسبت الولايات المتحدة هجوم موسكو إلى تنظيم الدولة (فرع ولاية خراسان) إلا أن الرئيس الروسي أشار إلى صعوبة تصديق هذا الأمر، وسعى الإعلام الروسي لربط الهجوم بأجندات أوكرانية، في حين أن إيران لم تنكر إمكانية قيام التنظيم بالهجوم على أراضيها، وإنْ أشار كثير من محلليها إلى أن التنظيم برمّته من صناعة أمريكية وغربية.
روسيا وطالبان.. العلاقات المتبادَلة!
في نيسان/ إبريل 2022 برز حضور لتنظيم الدولة -فرع خراسان- في أوزبكستان، حيث استهدف ثكنة عسكرية حدودية قرب مدينة "ترمذ" بعدة صواريخ كاتيوشا ونفذ التنظيم هجوماً مماثلاً في أيار/ مايو 2022، على الحدود الطاجيكية كما أنه نفذ خلال 2023 عدة هجمات داخل إيران استهدفت عدة أضرحة شيعية.
في هذا السياق هاجم التنظيم بشكل متكرر أهدافاً دولية في أفغانستان منها السفارة الروسية في أيلول/ سبتمبر 2022، وفندقاً يمتلكه ويرتاده رجال أعمال صينيون في كانون الأول/ ديسمبر من العام ذاته.
إثر هجوم موسكو الأخير كثرت التكهنات حول مصير علاقة روسيا بطالبان، إلا أن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف صرّح مطلع نيسان/ إبريل 2024 عن وجود تواصُل مستمر مع طالبان "بطريقة أو أخرى"، وباعتبارهم السلطة الفعلية في أفغانستان، فإن روسيا "بحاجة إلى حل القضايا الملحّة، وهذا يتطلب أيضاً حواراً" مع حركة طالبان، وبالتأكيد فإن تنظيم الدولة- فرع خراسان، هو على رأس هذه القضايا.
لم يطل الأمر كثيراً، حيث أعلنت موسكو عن نيتها رفع حركة طالبان من قائمة التنظيمات الإرهابية في روسيا، في 23 نيسان/ إبريل 2024، الأمر الذي وصفه ذبيح الله مجاهد بأنه خُطوة "ستفتح الطريق لبناء علاقات قوية وثقة متبادَلة بين الطرفين". وهذا بدوره استمرار في تحسُّن العلاقة بين روسيا والحكومة الأفغانية الحالية، حيث إن السفير الروسي في أفغانستان التقى بعض قياديي طالبان بعد سيطرتهم على كابول عام 2021 بـ 48 ساعة "وعرض عليهم الدعم اللازم لإرساء دعائم الحكومة والاستقرار في البلد".
طالبان وإيران.. هل من سبيل آخر؟
كما هو الحال الذي تتبنّاه الصين في الاعتراف بطالبان وقبول ممثل لها في أراضيها إلى جانب تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، فقد أوضحت روسيا دعمها لطالبان في العديد من المواقف وأرسلت رسائل عديدة حول جديَّتها في تحسين العلاقة مع طالبان، وكذلك فإن إيران تتصرف تجاه طالبان كذلك انطلاقاً من نفس العوامل التي تنطلق منها روسيا والصين، فهي تتخوف من تمدُّد تنظيم الدولة منها إلى أراضيها من جهة، وتحرص على مراقبة حضور بعض القُوى الإقليمية الأخرى في أفغانستان من جهة أخرى، إلى جانب أنها تبنى حضوراً إستراتيجياً لها في أفغانستان في عدة ملفات تجارية وأمنية لتعزيز نفوذها فيها والحدّ من نفوذ منافسيها في هذا البلد.
من الأحرى عدم وصف علاقة طالبان والنظام في إيران بالصداقة، حيث إن لكل من الطرفين مواقف عقائدية وخلافات عملية تجعل من التوافُق المطلَق بينهما أمراً مستحيلاً، وبالرغم من ذلك فإن العلاقة الحالية بينهما هي علاقة عمليّة بين نظامين يتشاركان حدوداً طويلة وتأثيرات معقَّدة ومشهداً أمنياً غير مستقر.
ثَمّة الكثير مما يمكن ذكره عن تفاصيل العلاقة بين الطرفين، فثَمّة بُعد طائفي بين طالبان السنّية ونظام ولاية الفقيه الشيعي المتطرّف في الدعوة لتصدير الثورة إلى دول الجوار، إلى جانب خلافات مستمرة حول موارد المياه الحدودية بين الجانبين، خاصة النزاع على مياه نهر هلمند الذي ينبع من جبال (هندُكوش) قرب كابول ويتدفق في أفغانستان وصولاً إلى إيران في محافظة سيستان وبلوشستان، وتعزم أفغانستان على بناء سد جديد على النهر لتوليد الكهرباء وري الأراضي الزراعية، وهو ما ترفضه إيران، مما استدعى اندلاع اشتباكات حدودية بين الطرفين في أيار/ مايو 2023 بين حرس الحدود الإيرانية والأفغانية، على خلفية النزاع على المياه. وفي الوقت ذاته، يعيش في إيران مئات آلاف اللاجئين الأفغان، معظمهم من الأقلية الشيعية الهزارة، إلى جانب استضافة إيران للعديد من قادة المعارضة الأفغانية الرافضة لنظام حكم طالبان، بالرغم من أن إيران نفسها استضافت في كانون الثاني/ يناير 2022 اجتماعاً رسميّاً بين وزير خارجية طالبان (متقي) وبعض قادة المعارضة الأفغانية المقيمين في الخارج مثل أحمد مسعود نجل مسعود شاه.
لم تُشِر إيران لانتقادات واضحة لطالبان كتلك التي تُقدّمها الدول الغربية، مثل حقوق المرأة وقضايا الإعدام العلني وتطبيق الشريعة، مما يؤكد أن إيران تضع مصالحها الأمنية وعلاقاتها الاقتصادية مع طالبان بعين الاعتبار قبل إظهار مخاوف بشأن المجتمع أو حقوق الإنسان في أفغانستان، حيث يأتي ما يقارب 35 %من إجمالي واردات أفغانستان من إيران، وتستمر الاجتماعات بين الطرفين لتعزيز التجارة بينهما بشكل أكبر، وليس بعيداً عن ذلك البُعد الأمني بين الطرفين، حيث حظيت طالبان في مراحل مختلفة من حربها ضد الولايات المتحدة بدعم إيراني بالسلاح والخبرات، حيث تلقى المئات -بحسب تقارير- تدريبات متقدِّمة على أيدي مدربي القوات الخاصة في الأكاديميات العسكرية الإيرانية.
ومن هنا فقد أكّد وزير الاستخبارات الإيراني، إسماعيل الخطيب في أيلول/ سبتمبر 2023 أن بلاده تعمل مع طالبان لاتخاذ إجراءات ضد مقاتلي تنظيم الدولة المقيمين في مناطق جبلية لا تستطيع حكومة طالبان الوصول إليها، وينفذون هجمات ضد إيران وطالبان انطلاقاً منها.
تنظيم الدولة وعلاقات طالبان، فرصة وعقبة
في الواقع إن تصاعُد نشاط تنظيم الدولة في آسيا الوسطى يُعَدّ فرصة لحركة طالبان في تعزيز حضورها الإقليمي وتحدّياً لها في الوقت ذاته، خاصة أن التنظيم استهدف في هجمات قاسية كلاً من إيران وروسيا في محيط أفغانستان، مما يحتّم عليهما استغلال نفوذهما وقواهما لمواجهة التنظيم في المنطقة، سواء عَبْر تحسين العلاقة من طالبان أو مواجهة التنظيم بشكل منفرد.
من المرجَّح أن تشجع هجمات داعش إيرانَ وروسيا لتطوير العلاقات مع طالبان، إلا أن موقف إيران يبدو أشد تعقيداً من روسيا، فهي من جهة تمتلك علاقات اقتصادية راسخة مع الأفغان، وتستثمر ورقة اللاجئين الشيعة في أراضيها لتجنيدهم في شبكاتها في سورية والعراق، كما أن اضطهادها للسُّنة في إيران قد يكون سبباً مرجّحاً في تصاعُد تجنيد داعش للخلايا في أراضيها، وهو ما يحتم عليها توسيع التعاون الأمني مع طالبان التي ترى في داعش خراسان خصماً لدوداً يسعى لإرهاقها واستنزافها وتحريض الأهالي ضدها.
في هذا الإطار، من المرجَّح تصاعُد التعاون الاستخباري ضد داعش، إلا أنه من المبكّر التخمين بإمكانية نجاح هذا التعاون في تحسين العلاقات بين إيران وأفغانستان إلى نحو إستراتيجي من جهة، والقضاء على داعش من جهة أخرى.
أما في الجانب الروسي، فإن الهجوم الذي شنه تنظيم الدولة على موسكو كان من شأنه أن يُعقّد علاقات الطرفين ببعضهما، إلا أن روسيا بادرت لإرسال إشارات طمأنة وثقة بطالبان، وربما يتطور الأمر إلى تعاوُن بين كلٍّ من روسيا وطالبان وإيران والصين لمواجهة تصاعُد حضور داعش في المنطقة، حيث إن ما يجمع هذه الأطراف هو التحفُّز لمنافسة نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة لصالح حساباتها ومشاريعها الخاصة، ومن الطبيعي لطالبان -في ظل القيود الأمريكية والعقوبات المفروضة عليها، وتعليق العديد من مشاريع الإغاثة والمساعدات الإنسانية- أن تسعى لتقوية علاقاتها بمحيطها، وتحرص على التعاون الأمني والاقتصادي والعسكري معهم، ومن الممكن لطالبان -في ظل هذا التوتر الإقليمي- أن تطلب من روسيا اتخاذ المزيد من الإجراءات لدعمها في المحافل الدولية، وربما دعوتها للانضمام إلى منظمة شنغهاي الأمنية وحضور اجتماعاتها.