حملة اعتقالات واسعة في تونس.. ترسيخ لسلطة سعيد المطلقة أم تمهيد للحظة الانفجار؟
2023-03-031269 مشاهدة
ابتداءً من فجر يوم السبت 11 شباط/ فبراير 2023، قامت فِرَق أمنية تونسية بعدد من الاعتقالات المهمة لمعارضين سياسيين ونشطاء في المجتمع المدني. ومنذ ذلك الحين، تستمر الاعتقالات، والتي شملت حتى الآن عدداً كبيراً من الشخصيات السياسية والاقتصادية من الصفّ الأول.
من أبرز المعتقلين في الحملة الأخيرة رجل الأعمال كمال الطيف، والذي يُعَدّ من أبرز، إن لم يكن أبرز رجل أعمال مؤثر في المشهد السياسي التونسي، بالإضافة إلى أستاذ القانون الدستوري والقيادي في جبهة الخلاص جوهر بن مبارك، والزعيم السابق لحزب التيار الديمقراطي في تونس غازي الشواشي، والطيب راشد أحد أهم القضاة في تونس في السنوات السابقة، والقيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، ووزير العدل السابق والقيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري، ونور الدين بوطار مدير "إذاعة موزاييك إف إم، والوزير السابق لزهر العكرمي، والنائب السابق وليد جلاد، وأمين عامّ الحزب الجمهوري عصام الشابي، والعديد غيرهم.
الرئيس التونسي اسْتَبَقَ عرض المعتقلين على القضاء باتهامهم بأنهم مُتآمِرون على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وبأنهم إرهابيون وخونة.
وقد جاءت حملة الاعتقالات الأخيرة بعد نحو عشرة أيام من إعلان نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، حيث شكّلت هذه الانتخابات بجولتيها الأولى والثانية مصدر إحراج كبير للرئيس قيس سعيد ومسار "25 يوليو"، إذ كانت نسبة المشاركة فيهما حوالَيْ 11%، وهي أقل نسبة في تاريخ تونس، ومن أقلّ نسب المشاركة في أيّ انتخابات حول العالم.
ضَعْف المشاركة في الانتخابات أظهر هزال التأييد المزعوم للرئيس، والذي كان يتسلّح بنتائج فوزه هو في الانتخابات الرئاسية أواخر 2019، والتي بَدَا فيها أنه يملك شعبية كبيرة، بينما أظهرت الانتخابات التشريعية أن هذه الشعبية قد تراجعت إلى مستويات متدنية جداً.
قيس سعيد على أبواب استكمال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهذا يتطلب اتخاذ إجراءات لاشعبية، والحملة الأمنية التي تستهدف المعارضين وغير المعارضين تساعده على التغطية على هذه الإجراءات، وتساعده في تبرير غلاء الأسعار وفقدان الموادّ الأساسية من خلال اتهام المعارضين بالعمل ضِمن مُخطَّط يستهدف السلطة.
الحملة الأمنية شملت اتحاد الشغل وعدداً من قياداته الجهوية والقطاعية، رغم الموقف المؤيد للاتحاد لإجراءات 25 يوليو. ويبدو أن استهداف الاتحاد يأتي من أجل دفعه لوقف مبادرته الأخيرة للحل، والتي تقترح حواراً وطنياً مع المعارضة، وتقدم -ولو بشكل خجول- بديلاً عن المسار الاستئصالي للرئيس سعيّد، كما أن هذا الاستهداف قد يُخيف النقابيين ويدفعهم للحدّ من الإضرابات ووقف انخراط الاتحاد في الاحتجاجات السياسية والمطلبية.
ورغم أن العامين الأخيرين شهدا اعتقالات لعدد كبير من المعارضين السياسيين، إلا أن هذه الحملة تتسم بأنها الأكبر من جهة، وأنها تشمل طيفاً واسعاً من الفاعلين، من حركة النهضة إلى أعمدة في الدولة العميقة، ومن اليسار المؤيد لسعيّد إلى اليمين المعارض. ولذا فإنه يمكن القول بأن الحملة تقطع الطريق أمام أيّ خيار للمصالحة الوطنية، وتترك البلاد أمام خيار تمكُّن سعيد من القضاء على كل أشكال المعارضة بالكامل، أو الدفع بالبلاد إلى الانفجار الذي يُنهي حكمه.