فلاديمير بوتين يكتب "عن الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين"

فلاديمير بوتين يكتب "عن الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين"

2022-02-02
3406 مشاهدة

في 12 تموز/ يوليو 2021 قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنشر هذا المقال المطول1 باسمه على موقع "الكرملين". ونظراً لطبيعة الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا، قام "مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية" بترجمة المقال كاملاً، حيث يمكن أن يُساعد في فَهْم النظرة الروسية نحو القضية الأوكرانية:


منذ فترة وردني سؤال حول العلاقات الروسية الأوكرانية وحول موضوع أن الروس والأوكرانيين هم شعب واحد متكامل. هذه الكلمات ليست وليدة بعض الظروف السياسية الحالية. فقد تكلمتُ عن ذلك أكثر من مرة، وهذه قناعتي، لذلك أعتقد أنه من الضروري أن أوضح موقفي بالتفصيل لتقييم الوضع الحالي.

أؤكد أن الحاجز الذي نشأ في السنوات الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا في أجزاء من مساحة تاريخية وروحية واحدة، أشعر في الواقع كأنه مصيبة كبيرة مشتركة بل مأساة.

هذا قبل كل شيء نتيجة لأخطائنا الشخصية التي ارتكبناها في فترات مختلفة، وأيضاً نتيجة العمل الهادف لتلك القوى التي سعت دائماً إلى إلغاء وحدتنا. الصيغة المطبقة معروفة منذ زمن بعيد: "فَرِّقْ تَسُدْ". لا جديد.

ومن هنا، جاءت محاولات التلاعب بالمسألة القومية لزرع الفتنة بين الناس. وأهمُّ مهمةٍ التقسيمُ ثم تحريض مكوّنات الشعب الواحد ضد بعضها بعضاً. ولفهم الحاضر بشكل أفضل والنظر إلى المستقبل يجب العودة للتاريخ.

بالطبع، في إطار المقال يستحيل تغطية جميع الأحداث التي جرت خلال أكثر من ألف عام. لكنني سأتوقف عند العناوين أو "نقاط التحول الرئيسية" التي علينا -في روسيا وأوكرانيا- أن نتذكرها.

الروس والأوكرانيون والبيلاروسيون هم ورثة روسيا القديمة التي كانت أكبر دولة في أوروبا. تم توحيد القبائل السلافية وغيرها في منطقة شاسعة من لادوجا ونوفغورود وبسكوف إلى كييف وتشرنيغوف بلغة واحدة (الآن ندعوها الروسية القديمة) وعلاقات اقتصادية، وسلطة أمراء أسرة روريك "السلالة التي حكمت في"كييف".

شغلت طاولة "كييف" الأميرية موقعاً رئيسياً مهماً في الدولة الروسية القديمة، وذلك منذ نهاية القرن التاسع الميلادي.

كلمات القديس أوليغ عن كييف: "أتمنى أن تكون هذه أم المدن الروسية" محفوظة للأجيال القادمة، بوصفها حكاية للسنوات الماضية".

في الفترة اللاحقة، مثل الدول الأوروبية الأخرى في ذلك الوقت، واجهت روسيا القديمة إضعاف الحكومة المركزية والتفكك. وخلال ذلك نظر الناس العاديون والنبلاء إلى روسيا باعتبارها مساحة مشتركة كوطنهم الأم. بعد الغزو المغولي دمرت العديد من المدن بما في ذلك كييف وزاد التفكك. وسقط شمال شرق روسيا تحت سيطرة المغول لكنه احتفظ بسيادة محدودة.

وبشكل رئيسي، دخلت الأراضي الروسية الجنوبية والغربية ضِمن سيطرة دوقية ليتوانيا الكبرى والتي أودّ أن ألفت الانتباه إلى أنها كانت تُسمَّى في الوثائق التاريخية دوقية ليتوانيا الكبرى وروسيا.

انتقلت السلطة على الأراضي الروسية بين ممثلي الأمراء والمغول من أمير لآخر وكانوا في عداوة بين بعضهم البعض بالرغم من تكوين عدد من الصداقات وعقد عدد من التحالفات.

في معركة "كوليكوفو"، قاتل بجانب أمير موسكو الأعظم ديمتري إيفانوفيتش كل من فويفود بوبروك من فولينيا وأبناء دوق ليتوانيا أولجيرد وأندري بولوتسكي وديمتري بريانسكي. في الوقت نفسه قاد دوق ليتوانيا الأكبر جاجيلو ابن أميرة تفير قواته للانضمام إلى ماماي.

كل هذا من صفحات من تاريخنا المشترك وهو انعكاس لصعوبته وتعدُّد أبعاده. من المهم الانتباه إلى أنهم كانوا يتحدثون نفس اللغة في كل الأراضي الروسية غرباً وشرقاً، والديانة كانت الأرثوذكسية وتم الحفاظ على إدارة الكنيسة الواحدة حتى منتصف القرن الخامس عشر.

في منعطف جديد من منعطفات التطور التاريخي أصبح من الممكن توحيد أراضي روسيا القديمة وتقوية روسيا موسكو بانضمام دوقية ليتوانية الروسية. وبحسَب مسار التاريخ أصبحت موسكو مركزاً لإعادة توحيد روسيا القديمة.

وتخلص أمراء موسكو أحفاد الأمير ألكسندر نيفسكي من تَبَعِيَّتهم الخارجية وبدؤوا بتوحيد الأراضي الروسية التاريخية.

كانت هناك عمليات أخرى جارية في دوقية ليتوانيا الكبرى. ففي القرن الرابع عشر تبنَّت النخبةُ الحاكمةُ في ليتوانيا الكاثوليكيةَ. وفي القرن السادس عشر تم تشكيل اتحاد لوبلين مع مملكة بولندا وتم تشكيل كومنولث مشترك في بولندا وليتوانيا.

وحصلت النخبة البولندية الكاثوليكية على ممتلكات وامتيازات كبيرة من الأراضي في روسيا، وذلك وفقاً لاتحاد بريست في عام 1596، وخضع جزء من رجال الدين الأرثوذكس الغربيين لسلطة البابا. وتم البدء بالاستقطاب وتبديل الأحرف للّاتينية وتمت الإطاحة بالكنيسة الأرثوذكسية.

وكردة فعل، زادت في القرنين السادس عشر والسابع عشر حركة تحرير السكان الأرثوذكس في منطقة دنيبر (في أوكرانيا) وأصبحت أحداث زمن هيتمان بوهدان خملنيتسكي نقطة تحوُّل، حيث حاول أنصاره تحقيق الاستقلال الذاتي عن الكومنولث المشكل.

وفي الالتماس الذي قدمه جيش زابوريجان إلى ملك الكومنولث في عام 1649 قِيلَ عن احترام حقوق السكان الأرثوذكس الروس: إن "الحكم في كييف هو للشعب الروسي والقانون اليوناني بحيث لا يتخطى كنائس الله...". لكن لم يسمع القوزاق (الأوكرانيون). تبع ذلك نداءات خميلنيتسكي إلى موسكو والتي نظرت فيها كاتدرائيات زيمسكي.

في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 1653، قررت أعلى هيئة تمثيلية للدولة الروسية دعم إخوانهم بنفس الديانة ووضعهم تحت الحماية. وفي كانون الثاني/ يناير 1654، أكد بيريسلاف رادا هذا القرار ثم سافر سفراء خميلنيتسكي وموسكو إلى عشرات المدن بما فيها "كييف" التي أدى سكانها القسم أمام القيصر الروسي. وبالمناسبة لم يكن هناك شيء من هذا القَبيل في نهاية اتحاد لوبلين.

في رسالة إلى موسكو عام 1654، شكر خميلنيتسكي القيصر أليكسي ميخايلوفيتش على أنه حمى جيش زاباروجيا والعالم الروسي الأرثوذكسي بأكمله بفضل نفوذه القوي.

لقد أطلق الشعب الأوكراني "القوزاق" على أنفسهم اسم الشعب الأرثوذكسي الروسي في كل مناشداتهم للملك البولندي وللقيصر.

كانت الحرب التي طال أمدها بين الدولة الروسية والكومنولث بالنسبة للشعب واقعاً تحررياً. وانتهت الحرب بهدنة أندروسوفو عام 1667. تم تحديد النتائج النهائية بواسطة معاهدة "السلام الدائم" لعام 1686. دخلت ضِمن الدولة الروسية كل من مدينة "كييف" وأراضي الضفة اليسرى لنهر دنيبر بما في ذلك بولتافا تشيرنيهيف وزابوروجي. انضم سكانها للجزء الرئيسي من الشعب الأرثوذكسي الروسي. خلف هذه المنطقة نفسها تم إنشاء اسم روسيا الصغيرة.

ثم تم استخدام اسم أوكرانيا غالباً بمعنى الكلمة الروسية القديمة "الضواحي"، والتي وُجدت في المصادر المكتوبة منذ القرن الثاني عشر عندما كانت تتعلق بمناطق حدودية مختلفة.

وكلمة "أوكراني" إذا حكمنا عليها أيضاً من خلال الوثائق الأرشيفية كانت تعني في الأصل أفراد خدمة الحدود الذين يُوفِّرون الحماية للحدود الخارجية.

على الضفة اليمنى من نهر دنيبر التي بقيت في الكومنولث عاد الوضع للنظام القديم واشتد الاضطهاد الاجتماعي والديني. بينما الضفة اليسرى وهي الأراضي التي تم وضعها تحت حماية دولة روسيا الموحَّدة، فعلى العكس من ذلك، بدأت تتطور بنشاط. هنا انتقل سكان الجانب الآخر من نهر دنيبر بشكل جماعي، لقد سعوا للحصول على الدعم من أناس من نفس اللغة وبالطبع من نفس الدين.

خلال الحرب الشمالية مع السويد لم يكن لدى سُكّان روسيا الصغيرة خيار مع مَن يكونون. تم دعم تمرُّد مازيبي من قِبل جزء صغير فقط من القوزاق. الناس من مختلف الطبقات اعتبروا أنفسهم روساً أرثوذكس.

وصل ممثلو وُجهاء القوزاق بمن فيهم النبلاء إلى مناصب عُليا سياسية ودبلوماسية وعسكرية في روسيا. لعب خريجو أكاديمية "كييف" الدينية دوراً بارزاً في حياة الكنيسة. وفي الواقع كان ذلك أيضاً خلال فترة الهيمنة حيث كان لها كيان دولة مستقل له هيكله الداخلي الخاص وكذلك في الإمبراطورية الروسية.

أهالي روسيا الصغيرة من نواحٍ كثيرة أنشؤوا دولة مشتركة كبيرة، وحكومتها وثقافتها وعلومها. شاركوا في تطوير جبال الأورال وسيبيريا والقوقاز والشرق الأقصى. بالمناسبة في الحقبة السوفيتية احتل سكان أوكرانيا الأصليون أهم المناصب بما في ذلك أعلى المناصب في قيادة الدولة الواحدة. يكفي أن نقول إنه على مدار ما يقرب من 30 عاماً كان يرأس الحزب الشيوعي خروتشوف وبريجنيف اللذان كانت سيرة حزبهما وثيقة الصلة بأوكرانيا.

في النصف الثاني من القرن الثامن عشر بعد الحروب مع الإمبراطورية العثمانية ضمت روسيا شِبه جزيرة القرم وكذلك أراضي منطقة البحر الأسود التي سُميت روسيا الجديدة. تم توطين هذه المناطق من قِبل أشخاص من جميع المقاطعات الروسية. بعد تقسيم الكومنولث أعادت الإمبراطورية الروسية الأراضي الروسية القديمة الغربية باستثناء غاليسيا وترانسكارباثيا التي انتهى بها المطاف في النمسا ثم الإمبراطورية النمساوية المجرية.

لم يكن ضمّ أراضي روسيا الغربية في مساحة الدولة المشتركة نتيجة قرارات سياسية ودبلوماسية فقط. تم ذلك على أساس الدين المشترك والتقاليد الثقافية. ومرة أخرى، ألفت الانتباه بشكل خاص إلى القرب اللغوي. لذلك في بداية القرن السابع عشر، أبلغ أحد رؤساء الكنيسة الموحَّدة جوزيف روتسكي روما أن سكان موسكو أطلقوا على الروس من الكومنولث إخوتهم، وأن لغتهم المكتوبة هي نفسها تماماً، وأن لغتهم المنطوقة على الرغم من اختلافها لكن الاختلاف تافه، بحسب تعبيره، كما هو الحال مع سكان روما وبرغامو. وهاتان المدينتان كما نعلم هما مركز وشمال إيطاليا الحديثة.

بالطبع بعد قرون عديدة من التفكك والشرذمة في حياة الدول المختلفة، نشأت ميزات اللغات الإقليمية واللهجات المختلفة، وتم إثراء اللغة الأدبية على حساب اللهجة العامية. وأدى هنا كل من إيفان كوتلياريفسكي وغريغوري سكوفورودا وتاراس شيفتشينكو دوراً كبيراً من خلال أعمالهم التي هي تراثنا الأدبي والثقافي المشترك.

كُتبت قصائد تاراس شيفتشينكو باللغة الأوكرانية بينما كان نثره في الغالب باللغة الروسية. كُتُب نيكولاي غوغول (مواطن روسي من مواليد منطقة بولتافا) مكتوبة بالروسية ومليئة بالتعبيرات الشعبية الروسية الصغيرة وزخارف الفولكلور. كيف يمكن تقسيم هذا التراث بين روسيا وأوكرانيا؟ ولماذا نفعل ذلك؟

تطورت الأراضي الجنوبية الغربية للإمبراطورية الروسية وروسيا الصغيرة وروسيا الجديدة وشِبه جزيرة القرم بتنوُّعها العرقي والديني. عاش هنا تتار القرم والأرمن واليونانيون واليهود وأهل البحر الأسود وأهل القرم والبلغار والبولنديون والصرب والألمان وشعوب أخرى. كلهم حافظوا على عقيدتهم وتقاليدهم وعاداتهم.

لن أجعل من أي شيء مثالياً، فمن المعروف أيضاً تعميم فاليوفسكي لعام 1863 وقانون إيمسكي لعام 1876 الذي قيد نشر وإصدار الأدب الديني والاجتماعي والسياسي باللغة الأوكرانية من الخارج، لكن السياق التاريخي مهم هنا. فقد تم اتخاذ هذه القرارات على خلفية الأحداث الدراماتيكية في بولندا ورغبة قادة الحركة الوطنية البولندية في استخدام "القضية الأوكرانية" لمصلحتهم الخاصة. سأضيف أن الأعمال الفنية ومجموعات القصائد الأوكرانية والأغاني الشعبية استمرت في الصدور.

تشير الحقائق الموضوعية إلى أنه في الإمبراطورية الروسية كانت هناك عملية نشطة لتطوير الهُوِيَّة الثقافية الروسية الصغيرة في إطار الأمة الروسية الكبيرة التي وحَّدت أهالي روسيا العظمى وروسيا الصغرى والبيلاروسيين.

في الوقت نفسه، نشأت وتعززت بين النخبة البولندية وجزء من المثقفين الروس أفكار حول أن الشعب الأوكراني منفصل عن الروس. لم يكن هناك ولا يمكن أن يكون أساس تاريخي لهذا الأمر، لذلك استندت الاستنتاجات إلى مجموعة متنوعة من التخيلات. حتى النقطة التي تزعم أن الأوكرانيين ليسوا بروفاسلاف على الإطلاق، فعلى العكس من ذلك، الأوكرانيون هم سلاف حقيقيون في حين أن الروس "سكان موسكو" ليسوا كذلك.

بشكل متزايد يتم استخدام مثل هذه "الفرضيات" لأغراض سياسية كأداة للتنافس بين الدول الأوروبية.

منذ نهاية القرن التاسع عشر تناولت السلطات النمساوية والمجرية هذا الموضوع، على عكس الحركة الوطنية البولندية ومشاعر الروس في أوكرانيا.

خلال الحرب العالمية الأولى ساهمت "فيينا" في تشكيل ما يُسمَّى بجيش البندقية الأوكراني السيش. وتعرض الروس في أوكرانيا والأوكرانيون المُشتبَه في تعاطُفهم مع الأرثوذكسية وروسيا لقمع شديد وأُلقِيَ بهم في معسكرات الاعتقال "تالرهوف وتريزين".

يرتبط التطور الإضافي للأحداث بانهيار الإمبراطوريات الأوروبية مع اندلاع حرب أهلية شرسة على الامتداد الشاسع للإمبراطورية الروسية السابقة مع التدخل الأجنبي.

في آذار/ مارس 1917 وبعد ثورة شباط/ فبراير، تم إنشاء المجلس المركزي في "كييف" وادّعاء أنها هيئة السلطة العليا. في تشرين الثاني/ نوفمبر 1917 أعلنت في محطتها الثالثة عن إنشاء جمهورية أوكرانيا الشعبية داخل روسيا.

في كانون الأول/ ديسمبر 1917 وصل ممثلو جمهورية أوكرانيا الشعبية إلى بريست ليتوفسك، حيث عُقدت مفاوضات بين روسيا السوفيتية مع ألمانيا وحلفائها. في اجتماع 10 كانون الثاني/ يناير 1918 تلا رئيس الوفد الأوكراني مذكرة حول استقلال أوكرانيا. ثم أعلن إنشاء المجلس المركزي، وفي محطتها الرابعة أعلنت أوكرانيا استقلالها.

بعد ذلك تبيَّن أن السيادة المُعلَنة لم تَدُمْ طويلاً. فبعد أسابيع قليلة وقَّع وفد المجلس المركزي معاهدة منفصلة مع دول الكتلة الألمانية (ألمانيا والنمسا-المجر) التي كانت في موقف صعب احتاجت فيه إلى الخبز والمواد الخام الأوكرانية. من أجل ضمان تزويدها على نطاق واسع، حصلت هذه الدول على الموافقة لإرسال قواتها وتقنيين إلى جمهورية أوكرانيا الشعبية. وفي الحقيقة لقد كان ذلك ذريعة للاحتلال.

بالنسبة لأولئك الذين سلموا أوكرانيا اليوم للسيطرة الخارجية الكاملة، من المفيد أن يتذكروا أنه في ذلك الوقت في عام 1918، تبيَّن أن مثل هذا القرار كان قاتلاً للنظام الحاكم في "كييف". بالمشاركة المباشرة لقوات الاحتلال تمت الإطاحة بالمجلس المركزي وتم إحضار سكوروبادسكي إلى السلطة وتم إعلان الدولة الأوكرانية بدلاً من جمهورية أوكرانيا الشعبية التي كانت في الواقع تحت الحماية الألمانية.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 1918 بعد الأحداث الثورية في ألمانيا والنمسا-المجر، وبعد أن فقد دعم القوات الألمانية، اتخذ سكوروبادسكي مساراً مختلفاً وأعلن أن "أوكرانيا ستكون أول من سيعمل على تشكيل الاتحاد الروسي الشامل". ومع ذلك سُرْعان ما تم تغيير النظام مرة أخرى. حان الوقت لما يُسمَّى الدلائل.

في خريف عام 1918، أعلن القوميون الأوكرانيون جمهورية أوكرانيا الشعبية الغربية. وفي كانون الثاني/ يناير 1919، أعلنوا توحيدها مع جمهورية أوكرانيا الشعبية. في تموز/ يوليو 1919 سحقت القوات البولندية القوات الأوكرانية وأصبحت أراضي جمهورية أوكرانيا الشعبية السابقة تحت حكم بولندا.

في نيسان/ إبريل 1920، أبرم بيتليورا (أحد الأبطال المفروضين على أوكرانيا الحديثة) اتفاقيات سرية نيابة عن حكومة جمهورية أوكرانيا الشعبية، والتي بموجبها منح بولندا أراضي مناطق غاليسيا وفولين الغربية مقابل الدعم العسكري.

في أيار/ مايو 1920 دخلت جماعة بيتليورا "كييف" إلى جانب القوات البولندية. لكن ليس لوقت طويل. بالفعل في نوفمبر 1920 بعد الهدنة بين بولندا وروسيا السوفيتية، استسلمت بقايا قوات بيتليورا لنفس البولنديين.

ومن خلال جمهورية أوكرانيا الشعبية كمثال، نرى كيف وإلى أي مدى كانت مختلف تشكيلات شِبه الدولة غير مستقرة والتي نشأت في فضاء الإمبراطورية الروسية السابقة خلال الحرب الأهلية والاضطرابات. حيث سعى القوميون إلى إنشاء دولهم المنفصلة ودعا قادة الحركة البيضاء إلى روسيا غير القابلة للتجزئة. العديد من الجمهوريات التي أسسها أنصار البلاشفة لم تمثل نفسها خارج روسيا. وبنفس الوقت ومع اختلاف الأسباب طردهم قادة الحزب البلشفي من روسيا السوفيتية.

أيضاً في بداية عام 1918، تم إعلان جمهورية "دونيتسك-كريفوي" السوفيتية والتي لجأت إلى موسكو للانضمام إلى روسيا السوفيتية. كان هناك رفض. التقى لينين بقادة هذه الجمهورية وحثهم على العمل كجزء من أوكرانيا السوفيتية. في 15 آذار/ مارس 1918 قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري مباشرة إرسال مندوبين سوفيت إلى مجلس الشعب الأوكراني بما في ذلك منطقة حوض دونيتسك وإنشاء "حكومة واحدة لكامل أوكرانيا" في المؤتمر. وشكلت أراضي جمهورية دونيتسك السوفيتية بشكل أساسي مناطق جنوب شرق أوكرانيا.

وفقاً لمعاهدة "ريغا" عام 1921 بين جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية وجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية وبولندا تم التنازل عن الأراضي الغربية للإمبراطورية الروسية السابقة إلى بولندا.

في فترة ما بين الحربين العالميتين، أطلقت الحكومة البولندية سياسة إعادة توطين نشطة سعت إلى تغيير التركيبة العرقية في "شرق كريسي" في بولندا، وهو الاسم الذي كان يُطلَق على أراضي أوكرانيا الغربية الحالية وغرب بيلاروسيا وجزء من ليتوانيا. تم تنفيذ استقطاب شديد وتم قمع الثقافة والتقاليد المحلية.

في وقت لاحق خلال الحرب العالمية الثانية، استخدمت الجماعات الراديكالية الأوكرانية هذا ذريعة للإرهاب، ليس فقط ضد السكان البولنديين، ولكن أيضاً ضد السكان اليهود والروس.

في عام 1922 أثناء إنشاء الاتحاد السوفيتي، وبعد مناقشة محتدمة بين قادة البلاشفة كانت الخطة اللينينية تشكيل دولة اتحاد بين جمهوريات متساوية في نص إعلان تشكيل الاتحاد السوفيتي. ثم في دستور الاتحاد السوفيتي لعام 1924 تم تقديم حق الانفصال الحر للجمهوريات عن الاتحاد. وهكذا وضعت أخطر "قنبلة موقوتة" في أساس دولتنا. لقد انفجرت بمجرد اختفاء آلية الأمان في شكل الدور القيادي والذي انهار في النهاية من الداخل. بدأ "موكب السيادات".

في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1991 تم التوقيع على ما يسمى باتفاقية بيلافيجسكوي بشأن إنشاء مجالس الشعوب في الدول المستقلة والتي أعلنت أن "اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية كموضوع للقانون الدولي والواقع الجيوسياسي لم يعد موجوداً". وبالمناسبة فإن ميثاق رابطة الدول المستقلة المُعتمَد في عام 1993 لم تُوقِّع أو تُصدِّق عليه أوكرانيا.

في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي شجع البلاشفة بنشاط سياسة "التوطين" التي تم تنفيذها في جمهورية أوكرانيا السوفيتية على أنها (أَكْرَنَة). ومن الرمزي أنه في إطار هذه السياسة وبموافقة السلطات السوفيتية تم السماح بعودة ميخائيل غروشوفسكي الرئيس السابق لمجلس الجمهورية الأوكرانية الشعبية، وهو أحد أيديولوجيي القومية الأوكرانية والذي حظي في وقت من الأوقات بدعم "النمسا-المجر". وبعد أن عاد إلى الاتحاد السوفيتي انتُخب عضواً في أكاديمية العلوم.

وبدون شك، لعب التوطين دوراً كبيراً في تطوير وتعزيز الثقافة واللغة والهُوِيَّة الأوكرانية. وبنفس الوقت، تحت غطاء محاربة ما يسمى شوفينية القوة العظمى الروسية، غالباً ما فُرضت "الأَكْرَنَة" على الذين لا يعتبرون أنفسهم أوكرانيين. وكانت السياسة القومية السوفيتية قائمة على وجود شعب ثلاثي يتكون من أهالي روسيا العظيمة وأهالي روسيا الصغرى والبيلاروسيين، بدلاً من أمة روسية كبيرة. وهذه السياسة هي التي عززت على مستوى الدولة وجود ثلاثة شعوب سلافية منفصلة: الروسية والأوكرانية والبيلاروسية.

في عام 1939، تمت استعادة الأراضي التي استولت عليها بولندا سابقاً من قِبل الاتحاد السوفيتي. وتم ضم قسم كبير منهم إلى أوكرانيا السوفيتية. وفي عام 1940 دخل قسم من بيسارابيا التي احتلتها رومانيا في عام 1918 وبوكوفينا الشمالية في جمهورية أوكرانيا السوفيتية. وكذلك بالنسبة لجزيرة زميني على البحر الأسود في عام 1948. وفي عام 1954 تم نقل منطقة القرم في جمهورية روسيا الاتحادية السوفيتية إلى جمهورية أوكرانيا السوفيتية، في انتهاك صارخ للمعايير القانونية السارية في ذلك الوقت.

سأتكلم بشكل منفصل عن مصير إقليم "كارباتسكايا روس" الذي انتهى به المطاف في تشيكوسلوفاكيا بعد انهيار "النمسا-المجر". جزء كبير من السكان المحليين كانوا من الروس، ولكن القليل مَن يتذكر ذلك الآن، وبعد تحرير إقليم "كارباتسكايا روس" من قِبل القوات السوفيتية دعا مؤتمر السُّكان الأرثوذكس في المنطقة لانضمام الإقليم إلى الاتحاد السوفيتي. لكن تم تجاهُل هذا الرأي من قِبل الناس. وفي صيف عام 1945 أُعلن (كما كتبت صحيفة برافدا) عن الحدث التاريخي بإعادة انضمام إقليم كارباتسكايا روس إلى الوطن الأصلي "أوكرانيا".

وبهذا السياق فإن أوكرانيا الحديثة هي بالكامل من بنات أفكار الحقبة السوفيتية. نحن نعلم ونتذكر أنه إلى حد كبير تم إنشاؤها على حساب روسيا التاريخية. يكفي مقارنة الأراضي التي تم ضمها للدولة الروسية في القرن السابع عشر والأراضي التي غادرت الاتحاد السوفيتي.

عامل البلاشفة الشعب الروسي على أنه مادة لا تنتهي للتجارب الاجتماعية. لقد حلموا بثورة عالمية اعتقدوا أنها ستلغي الدول القومية تماماً. لذلك تم وضع الحدود بشكل تعسفي وتم توزيع "هدايا" إقليمية كبيرة. وفي النهاية لم يَعُدْ يحمل أهميةً ما أقدم عليه قادةُ البلاشفة من تمزيق البلاد. يمكن الجدل حول التفاصيل، حول الخلفية ومنطق بعض القرارات. هناك شيء واحد واضح: بالفعل تعرضت روسيا للسرقة.

خلال عملي على هذا المقال اعتمدت على وثائق مفتوحة تحتوي على حقائق معروفة، وليس على بعض الأرشيفات السرية. يفضل قادة أوكرانيا الحديثة ورُعاتهم الخارجيون عدم تذكُّر هذه الحقائق.

ولكن بمختلف المناسبات (بمكانها أو بغير مكانها) بما في ذلك خارج الحدود اليوم، يتم إدانة "جرائم النظام السوفيتي" ويُنسب له تلك الأحداث التي لا الحزب الشيوعي ولا الاتحاد السوفيتي -وبالأخص روسيا الاتحادية الحالية- لهم علاقة بها. وتحت هذه الظروف، لا تُعتبر أفعال البلاشفة لسلخ أراضيهم التاريخية عن روسيا عملاً إجرامياً. واضح لماذا يناسب هذا مَن لا يتمنون لنا الخير بما أنه موجَّه لإضعاف روسيا.

في الاتحاد السوفيتي لم تكن الحدود بين الجمهوريات واضحة على أنها حكومية، بل كانت مشروطة في إطار اتحاد الدول مع كل سِمات الاتحاد شديدة المركزية على حساب الدور القيادي للحزب الشيوعي. لكن في عام 1991 أصبحت فجأة كل هذه المناطق والأهمّ من ذلك الأشخاص الذين عاشوا فيها خارج الحدود. وقد كانوا بالفعل مسلوخين عن وطنهم التاريخي.

ماذا تقول هنا؟ كل شيء يتغير. بما في ذلك الدول والمجتمعات. وبالطبع أجزاء الشعب الواحد أثناء تطوُّرهم بتأثير عدة أسباب وظروف تاريخية يمكن أن يشعروا في لحظة معينة أنهم يريدون التعرف على أنفسهم كأمة منفصلة. كيف نعالجها؟ الإجابة يمكن أن تكون واحدة فقط: مع الاحترام!

هل تريد إنشاء حكومتك الخاصة؟ تفضل! لكن في ظل أي ظروف؟ أذكر هنا التقييم الذي قدمه أحد ألمع السياسيين في روسيا الجديدة أول عمدة لمدينة "سانت بطرسبرغ" أ. سوبتشاك. كمحامٍ محترف للغاية، كان يعتقد أن أي قرار يجب أن يكون مشروعاً وبالتالي في عام 1992 أعرب عن الرأي التالي: يجب أن تعود الجمهوريات المؤسسة للاتحاد بعد أن ألغوا هم أنفسهم معاهدة 1922 إلى الحدود التي انضموا فيها إلى الاتحاد السوفيتي. جميع عمليات الاستحواذ على الأراضي الأخرى هي موضوع للنقاش والمفاوضات لأن الأساس قد تم إلغاؤه.

بكلمات أخرى، غادر مع ما أتيت به، ومع هذا النوع من المنطق من الصعب الجدال. سأضيف فقط أنه كما أشرت بالفعل، فإن البلاشفة بدؤوا حتى قبل إنشاء الاتحاد السوفيتي في إعادة رسم الحدود بشكل تعسُّفي، وكانت كل التلاعبات بالمناطق قد أجريت قسراً متجاهلين رأي الشعب.

اعترف الاتحاد الروسي بالحقائق الجيوسياسية الجديدة، ولم يتم الاعتراف بها فحسب، بل فعل الكثير لوقوف أوكرانيا كدولة مستقلة. في فترة التسعينيات الصعبة وفي الألفية الجديدة قدمنا دَعْماً كبيراً لأوكرانيا. تستخدم كييف "حساباتها السياسية" الخاصة بها، ولكن بين عامَيْ 1991-2013 وبسبب أسعار الغاز المخفَّضة وحدَها وفرت أوكرانيا أكثر من 82 مليار دولار لميزانيتها، واليوم "تتمسك" حرفياً بـ1.5 مليار دولار من المدفوعات الروسية لنقل غازنا إلى أوروبا علماً أنه إذا تم الحفاظ على العلاقات الاقتصادية بين بلدينا فإن الأثر الإيجابي لأوكرانيا سيصل إلى عشرات المليارات من الدولارات.

منذ عقود وقرون تقدمت أوكرانيا وروسيا كنظام اقتصادي واحد. وسيكون التعاون العميق الذي بيننا منذ 30 عاماً موضع حسد دول الاتحاد الأوروبي. نحن شركاء اقتصاديون طبيعيون ومتكاملون. يمكن لمثل هذه العلاقة المتبادلة الوثيقة أن تعزز المزايا التنافسية وتزيد من إمكانات كِلا البلدين.

وكان هذا التعاون مُهِمّاً بالنسبة لأوكرانيا، فقد ضمن بِنْية تحتية قوية ونظام نقل الغاز وبناء السفن المتقدم وبناء الطائرات وبناء الصواريخ وصنع الأدوات والمدارس العلمية والتصميمية والهندسية ذات المستوى العالمي. بعد حصولهم على مثل هذا الإرث، أعلن قادة أوكرانيا الاستقلال ووعدوا بأن يصبح الاقتصاد الأوكراني واحداً من الاقتصادات الرائدة وأن يكون مستوى معيشة الناس من أعلى المستويات في أوروبا.

اليوم تقف الشركات الصناعية العملاقة ذات التقنية العالية التي كانت كل من أوكرانيا وروسيا الاتحادية بأكملها فخورة بها إلى جانب الدولتين. على مدى السنوات العشر الماضية انخفضت المنتجات الهندسية بنسبة 42%. يظهر حجم تراجُع التصنيع وتدهور الاقتصاد بشكل عامّ في مؤشر مثل توليد الكهرباء والذي انخفض إلى النصف تقريباً في أوكرانيا على مدار 30 عاماً. وأخيراً وَفْقاً لصندوق النقد الدولي في عام 2019 حتى قبل وباء فيروس "كورونا"، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا أقل من 4000 دولار. وهذا يقع في الترتيب بعد جمهورية ألبانيا وجمهورية مولدوفا وكوسوفو غير المعترف بها. أوكرانيا الآن هي أفقر دولة في أوروبا.

من المُتسبِّب في هذا؟ هل هو شعب أوكرانيا؟ بالطبع لا. السلطات الأوكرانية تحديداً هي التي أهدرت وبددت إنجازات أجيال عديدة. نحن نعلم مدى الموهبة والذكاء الموجودين عند الشعب الأوكراني الذي يعرف كيف يحقق النجاح بإصرار ويثابر لتحقيق النجاح والنتائج البارزة. وهذه الصفات مثل الانفتاح والتفاؤل الطبيعي والضيافة لم تختفِ. تبقى مشاعر الملايين من الناس على حالها الذين يشعرون تجاه روسيا بالحب وليس ذلك فقط، بل بحب كبير تماماً مثلما نشعر تجاه أوكرانيا.

حتى عام 2014، عملت مئات الاتفاقيات والمشاريع المشتركة على تطوير اقتصاداتنا والأعمال التجارية والعلاقات الثقافية وتعزيز الأمن وحل المشاكل الاجتماعية والبيئية المشتركة. عادت هذه الاتفاقيات بفوائد ملموسة على الشعب في كل من روسيا وأوكرانيا. وبشكل خاص هذا ما اعتبرناه الشيء الرئيسي. وأؤكد أنه لهذا السبب تفاعلنا بشكل مثمر مع الجميع من قادة أوكرانيا.

حتى بعد الأحداث المعروفة في "كييف" عام 2014، أصدرت تعليماتي للحكومة الروسية بالتفكير في خيارات متابعة الاتصالات من خلال الوزارات والإدارات ذات الصلة فيما يتعلق بالحفاظ على علاقاتنا الاقتصادية ودعمها. ومع ذلك لم تكن هناك رغبة من الطرف المقابل، وحتى الآن لا توجد رغبة. ومع ذلك لا تزال روسيا أحد الشركاء التجاريين الثلاثة الرئيسيين لأوكرانيا، ويأتي إلينا مئات الآلاف من الأوكرانيين للعمل ويُعامَلون هنا بكرم الضيافة والدعم. هكذا تظهر "الدولة المعتدية"!.

عندما انهار الاتحاد السوفيتي كان الكثير من الروس والأوكرانيين لا يزالون يؤمنون بصدق وانطلقوا من حقيقة أن روابطنا الثقافية والروحية والاقتصادية الوثيقة ستبقى بدون نقاش، وكذلك الشعب الذي يشعر دائماً بأنه شعب واحد في كِلا البلدين. ومع ذلك بدأت الأحداث في البداية تدريجياً ثم بعد ذلك تطوَّرت بسرعة أكبر في اتجاه مختلف.

في الواقع، قررت القيادات الأوكرانية تبرير استقلال بلادهم من خلال التنكر للماضي باستثناء مسألة الحدود. وبدؤوا بتحويل التاريخ إلى أساطير وإعادة كتابته واستبعاد كل ما يُوحِّدنا منه، وبدأ الحديث عن فترة بقاء أوكرانيا في الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي كاحتلال. يتم تقديم المأساة الجماعية "المجاعة" في أوائل الثلاثينيات والتي هي مشتركة بيننا على أنها إبادة جماعية للشعب الأوكراني.

أعلن الراديكاليون والنازيون الجدد عن طموحاتهم بصراحة وبكل وقاحة وجرأة. لقد تغلغلوا في كل من السلطات الرسمية والمحلية، وبعد أن سرقوا شعب أوكرانيا احتفظوا بثمن ما سرقوه في البنوك الغربية وهم على استعداد لبيع وطنهم من أجل توفير رأس مالهم. يضاف إلى ذلك الضعف المزمن لمؤسسات الدولة ووضع الدولة في موقف الرهينة بشكل طوعي للإرادة الجيوسياسية للآخر.

أُذكِّركم أنه قبل عام 2014 بوقت طويل، دفعت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بشكل منهجي ومستمر أوكرانيا إلى تقليص التعاون الاقتصادي مع روسيا والحدّ منه. وبصفتنا أكبر شريك تجاري واقتصادي لأوكرانيا اقترحنا مناقشة المشاكل الناشئة بلجنة تضم أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي. لكن في كل مرة قالوا لنا إن روسيا لا علاقة لها بالموضوع، فالأمر هنا يتعلق فقط بالاتحاد الأوروبي وأوكرانيا. رفضت الدول الغربية بحكم الأمر الواقع العروض الروسية المتكررة للحوار.

خُطوة وراء خُطوة دخلت أوكرانيا في لعبة جيوسياسية خطيرة الهدف منها تحويل أوكرانيا إلى حاجز بين أوروبا وروسيا وجعلها موطئ قدم ضد روسيا. لا مفر من الإقرار بأن مفهوم "أوكرانيا ليست روسيا" لم يَعُدْ مناسباً. لقد تحوَّل الأمر إلى "معاداة روسيا"، وهو ما لن نتحمله أبداً.

اعتمد عملاء هذا المشروع بشكل أساسي على التطورات القديمة للأيديولوجيين البولنديين النمساويين الذين عملوا على إيجاد "روسيا المعادية لموسكو". وليست هناك حاجة لخداع أي شخص وإقناعه بأن هذا يتم لمصلحة الشعب الأوكراني. لم يَحتج الكومنولث أبداً إلى الثقافة الأوكرانية ولا لاستقلالية القوزاق.

في النمسا والمجر تم استغلال الأراضي الروسية التاريخية بلا رحمة وظلت الأكثر فقراً. النازيون الذين خَدَمُهم متعاونون من منطقة "أوين-أوبا" لم يكونوا بحاجة إلى أوكرانيا، بل أرادوا إيجاد مساحة للعيش وأناس لاستعبادهم.

في شباط/ فبراير 2014 لم يتم التفكير في مصالح الشعب الأوكراني. استياء الناس المبرَّر الناجم عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الأكثر حِدّة والأخطاء والإجراءات غير المتسقة للسلطات آنذاك تم استغلاله بشكل ساخر وببساطة. تدخلت الدول الغربية بشكل مباشر في الشؤون الداخلية لأوكرانيا ودعمت الانقلاب، وتصدرت الجماعات القومية الراديكالية المشهد، وبدؤوا بشعاراتهم وأيديولوجيتهم وعدائهم الصريح لروسيا في كثير من النواحي في تحديد سياسة الدولة في أوكرانيا.

كل ما وحَّدنا وما زال يجمعنا تعرَّض للهجوم وبالأخص اللغة الروسية. أُذكِّركم أن أول عمل لسلطات "الميدان" الجديدة كان محاولة إلغاء قانون سياسة لغة الدولة. ثم كان هناك قانون "تطهير السلطة"، وقانون التعليم الذي أبعد اللغة الروسية عملياً من العملية التعليمية.

وأخيراً في أيار/ مايو من هذا العام، قدم الرئيس الحالي إلى مجلس الشعب مشروع قانون بشأن "الشعوب الأصلية". إنهم يعترفون فقط بأولئك الذين يشكلون أقلية عِرْقيَّة وليس لديهم تعليم حكومي خارج أوكرانيا. تم تمرير القانون. لقد زُرعت بذور الخلاف الجديدة. وكما أشرت بالفعل، هذا في بلد مُعقَّد للغاية من حيث التركيبة الإقليمية والقومية والديموغرافية واللغوية من حيث تاريخ تكوينه.

قد يحاججني بعضهم بأنني أتحدث عن أمة كبيرة واحدة وشعب ثلاثي (روس وأوكرانيون وبيلاروسيون)، فما الفرق الذي يحدثه الأشخاص الذين يَعتبرون أنفسَهم روساً أو أوكرانيين أو بيلاروسيين؟. أنا موافق تماماً على ذلك. بالإضافة إلى أن الانتماء الوطني -وخاصة في العائلات المختلطة- هو حق لكل شخص حر في اختياره.

لكن القصة هي أن الوضع في أوكرانيا اليوم مختلف تماماً، لأن الحديث هنا عن تغيير قسري للهُوِيَّة. والأمر الأكثر إثارة للاشمئزاز هو أن الروس في أوكرانيا مُجبَرون ليس فقط على التخلي عن جذورهم من أجداد الأجداد، ولكن أيضاً على اعتبار روسيا عدواً لهم. ليس من المبالغة القول إن سياسة الاستيعاب القسري نحو تشكيل دولة أوكرانية نقية عِرْقيّاً عدوة لروسيا يمكن مقارنتها في عواقبها باستخدام أسلحة الدمار الشامل ضدنا. نتيجة لمثل هذه القطيعة الخشنة والمُصطنَعة بين الروس والأوكرانيين يمكن أن يتناقص الشعب الروسي ككل بمئات الآلاف، بل وحتى بالملايين.

لقد أُصيبت أيضاً وحدتنا الروحية. وكما في عهد دوقية ليتوانيا الكبرى بدؤوا ترسيم حدود الكنيسة الجديدة. ودون أن يخفوا أنهم كانوا يسعون وراء أهداف سياسية، تدخلت السلطات العلمانية بشكل فاضح في حياة الكنيسة وأدت إلى الانقسام والاستيلاء على الكنائس وضرب الكهنة والرهبان. حتى الاستقلال الواسع للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية مع الحفاظ على الوحدة الروحية مع بطريركية موسكو لا يناسبهم بشكل قاطع. يجب عليهم تدمير هذا الرمز المرئي الذي يعود إلى قرون من قرابة بيننا بأي ثمن.

أعتقد أنه من الطبيعي أن يصوت ممثلو أوكرانيا مرة تِلْوَ الأخرى ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين تمجيد النازية. المسيرات ومسيرات المشاعل تكريماً لمجرمي الحرب الذين لم ينتهوا من تشكيلات قوات الأمن الخاصة تُقام تحت حماية السلطات الرسمية. مازيبا الذي خان كل مَن في دائرة بيتليورا والذي دفع ثُمُن الأراضي الأوكرانية لرعاية بولندا وبانديرا والذين تعاونوا مع النازيين تم وضعهم في مرتبة الأبطال الوطنيين. إنهم يبذلون قصارى جهدهم لمحو أسماء الوطنيين الحقيقيين والأبطال من ذاكرة الأجيال الشابة الذين كانوا دائماً فخورين بهم في أوكرانيا.

بالنسبة للأوكرانيين الذين قاتلوا في صفوف الجيش الأحمر في مفارز حزبية، كانت الحرب الوطنية العظمى حرباً وطنية على وجه التحديد لأنهم دافعوا عن وطنهم الأم المشترك العظيم. أصبح أكثر من 2000 منهم من أبطال الاتحاد السوفيتي، ومن بينهم الطيار الأسطوري إيفان نيكيتوفيتش كوزيدوب، والقناص الشجاع المدافع عن أوديسا وسيفاستوبول لودميلا ميخائيلوفنا بافليتشينكو، والقائد الحزبي الشجاع سيدور أرتيميفيتش كوفباك. هذا الجيل الخالد قاتَلَ وضحى بأرواحه من أجل مستقبلنا، بل من أجلنا. إن نسيان عملهم الفذّ يعني خيانة أجدادك وأمهاتك وآبائك.

رفض ملايين الأوكرانيين المشروع "المناهض لروسيا". اتخذ سكان القرم وسيفاستوبول خيارهم التاريخي. وحاول الناس في الجنوب الشرقي الدفاع عن موقفهم بسلام. لكن تم تسجيلهم جميعاً بمن فيهم الأطفال على أنهم انفصاليون وإرهابيون. بدؤوا بالتهديد بالتطهير العرقي واستخدام القوة العسكرية، وحمل سكان "دونيتسك لوغانسك" السلاح لحماية وطنهم ولغتهم وحياتهم. هل تُرك لهم خيار مختلف بعد المذابح التي اجتاحت مدن أوكرانيا بعد الرعب والمأساة في 2 أيار/ مايو 2014 في "أوديسا" حيث قام النازيون الجدد الأوكرانيون بحرق الناس أحياء نظم "خاتين" مجدداً؟ كان أتباع بانديرا على استعداد لارتكاب نفس المذبحة في شِبه جزيرة القرم وسيفاستوبول ودونيتسك ولوغانسك. ما زالوا لا يتخلون عن مثل هذه الخطط. إنهم ينتظرون وقتهم. لكنهم لن ينتظروا.

أثار الانقلاب وما تلاه من أعمال من جانب سلطات كييف المواجهة الحتمية والحرب الأهلية. وفقاً لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان تجاوز العدد الإجمالي لضحايا النزاع في "دونباس" 13000 شخص. من بينهم كبار السن والأطفال. إنها خسائر فادحة لا يمكن تعويضها.

بذلت روسيا كل ما في وسعها لوقف قتل الأشقاء. تم التوقيع على اتفاقيات "مينسك" والتي تهدف إلى تسوية سلمية للصراع في "دونباس». أنا مقتنع بأنه ما زال أمامهم بديل. على أي حال لم يسحب أحد توقيعاته سواء بموجب حزمة تدابير "مينسك" أو بموجب البيانات المقابلة لزعماء بلدان صيغة "نورماندي". لم يشرع أحد في مراجعة قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 17 شباط/ فبراير 2015.

في سياق المفاوضات الرسمية، خاصة بعد انسحاب الشركاء الغربيين، يعلن ممثلو أوكرانيا بشكل دوري عن التزامهم الكامل باتفاقيات "مينسك" لكنهم في الواقع يسترشدون بموقفهم غير المقبول. لا ننوي مناقشة الوضع الخاص لدونباس أو الضمانات للأشخاص الذين يعيشون هناك بجدية. إنهم يفضلون استغلال صورة ضحية العدوان الخارجي والتجارة في الخوف من روسيا. باختصار، ترتيب الاستفزازات الدموية في "دونباس" يجذب انتباه المستفيدين والداعمين الخارجيين.

وبعد كل هذا أصبحتُ مقتنعاً أكثر بأن "كييف" ببساطة لا تحتاج إلى "دونباس". لماذا؟ لأن سكان هذه المناطق أولاً لن يقبلوا أبداً الأمر الذي حاولوا فرضه عليهم بالقوة والحصار والتهديد. وثانياً لأن نتائج كل من "مينسك 1" و"مينسك 2" -والتي تمنح فرصة حقيقية لاستعادة وحدة أراضي أوكرانيا بشكل سلمي من خلال الاتفاق المباشر بين جمهورية دونباس وأوكرانيا، من خلال روسيا وألمانيا وفرنسا- تتعارض مع منطق مشروع مناهض لروسيا. ويمكنه فقط التمسك بالتنمية المستمرة لصورة العدو الداخلي والخارجي. وسأضيف تحت حماية وسيطرة القوى الغربية.

عملياً، وقبل كل شيء، ما يحدث خَلَقَ جواً من الخوف في المجتمع الأوكراني والخطاب العدواني والانغماس مع النازيين الجدد وعسكرة البلاد. ومع ذلك لا يقتصر الأمر على التبعية الكاملة للخارج بل التحكم الخارجي المباشر بما في ذلك إشراف المستشارين الأجانب على السلطات الأوكرانية والقوات الخاصة والقوات المسلحة والتطوير العسكري لأراضي أوكرانيا ونشر البِنْية التحتية لحلف شمال الأطلسي. ليس من قَبيل المصادفة أن القانون الفاضح المذكور أعلاه بشأن الشعوب الأصلية تم اعتماده تحت ستار تدريبات "الناتو" واسعة النطاق في أوكرانيا.

تحت نفس الغطاء، يتم استغلال ما بقي من الاقتصاد الأوكراني واستغلال موارده الطبيعية. بيع الأراضي الزراعية ليس ببعيد ومن الواضح مَن سيشتريها. نعم يتم تخصيص الموارد المالية والقروض من وقت لآخر لأوكرانيا، ولكن وفقاً لشروطهم ومصالحهم الخاصة بموجب تفضيلات ومزايا للشركات الغربية. بالمناسبة مَن سيدفع هذه الديون؟ على ما يبدو من المفترض أن يتم ذلك ليس فقط من قِبل الجيل الحالي من الأوكرانيين، ولكن أيضاً من قِبل أبنائهم وأحفادهم وربما أحفاد أحفادهم أيضاً.

يقوم الغربيون واضِعُو مشروع معاداة روسيا بوضع النظام السياسي الأوكراني، حيث غيَّروا الرؤساء والنواب والوزراء، لكن كان الاتفاق واضحاً على معاداة روسيا. قبل الانتخابات كان الشعار الرئيسي للرئيس الحالي هو تحقيق السلام. جاء إلى السلطة على هذا، وتَبيَّن أن الوعود أكاذيب. لا شيء تغير، ومن بعض النواحي تدهور الوضع أيضاً في أوكرانيا وحول نهر "دونباس".

في مشروع "مناهضة روسيا" لا مكان لأوكرانيا ذات السيادة وكذلك للقوى السياسية التي تحاول الدفاع عن استقلالها الحقيقي. أولئك الذين يتحدثون عن المصالحة في المجتمع الأوكراني وعن الحوار وإيجاد مخرج من المأزق الحالي يُوصَفون بأنهم عملاء مُوالُون لروسيا.

أكرر بالنسبة للكثيرين في أوكرانيا فإن مشروع "مناهضة روسيا" ببساطة غير مقبول. وهناك الملايين من الناس هذه حالهم، لكن لا يُسمَح لهم برفع رؤوسهم. لقد حُرموا عملياً من إمكانية الدفاع عن وجهة نظرهم. يتم ترهيبهم ودفنهم تحت الأرض. بالنسبة للمعتقدات، والكلمة المنطوقة، والتعبير الصريح عن موقف المرء، لا يتعرض المرء للاضطهاد فحسب، بل يتم قتله أيضاً. القَتَلَة عادةً ما يبقون دون عقاب.

يتم الإعلان عن الوطنيّ الصحيح بأوكرانيا فقط من قِبل أولئك الذين يكرهون روسيا. إضافةً لذلك، فإن الدولة الأوكرانية بأكملها كما نفهمها يُقترح أن تُبنى فقط على هذه الفكرة في المستقبل: الكراهية. فقد أثبت تاريخ العالم أكثر من مرة أنه أساس هشّ للسيادة ومحفوف بالعديد من المخاطر والعواقب الوخيمة.

كل الحيل المرتبطة بمشروع "مناهضة روسيا" واضحة بالنسبة لنا. ولن نفسح المجال أبداً باستخدام أراضينا التاريخية والأشخاص القريبين منا الذين يعيشون هناك ضد روسيا. ولأولئك الذين يحاولون فعلاً القيام بأشياء كهذه أود أن أقول: إنهم بهذه الطريقة سيدمرون بلدهم.

السلطات الحالية في أوكرانيا ترغب في الإشارة إلى التجربة الغربية وتعتبرها نموذجاً يُحتذى به. انظر كيف تعيش النمسا وألمانيا والولايات المتحدة وكندا جنباً إلى جنب في التكوين العِرْقي والثقافة وفي الواقع اللغة واحدة؟ تظل دولاً ذات سيادة مع مصالحها الخاصة مع سياستها الخارجية الخاصة. لكن هذا لا يمنع الاندماجَ القريبَ أو علاقات التحالف بينهم. لديهم شروط واضحة وشفّافة للغاية. ويشعر المواطنون الذين يمثلونهم بأنهم في منازلهم. إنهم يُنشئون أُسَراً ويدرسون ويعملون ويقومون بأعمال تجارية. بالمناسبة هذا مماثل تماماً لملايين المواطنين الأوكرانيين الذين يعيشون الآن في روسيا. بالنسبة لنا هم عائلتنا.

روسيا منفتحة على الحوار مع أوكرانيا ومستعدة لمناقشة أصعب القضايا. لكن من الضروري لنا فَهْم أن الشريك يدافع عن مصالحه الوطنية ولا يخدم مصالح الآخرين وليس أداة في يد أحد لمحاربتنا.

نحن نشعر باحترام للغة الأوكرانية والتقاليد الأوكرانية ولرغبة الأوكرانيين في رؤية دولتهم حرة وآمِنَة ومزدهرة.

أنا مقتنع بأن السيادة الحقيقية لأوكرانيا مُمكِنة تحديداً بالشراكة مع روسيا. لقد تَشكَّلت روابطنا الروحية والإنسانية والحضارية على مدى قرون وتعود إلى نفس المصادر، وعَمَّقَتها التجارب والإنجازات والانتصارات المشتركة. قرابتنا تنتقل من جيل إلى جيل. إنها في القلوب، وفي ذاكرة الناس الذين يعيشون في روسيا وأوكرانيا الحديثة، وفي روابط الدم التي تُوحِّد الملايين من عائلاتنا. معاً كنا دائماً وسنكون أكثر قوةً ونجاحاً مرات عديدة. بعد كل شيء نحن شعب واحد.

الآن هذه الكلمات سينظر إليها البعض بعدائية. يمكن تفسيرها بأي شكل من الأشكال. لكن الكثير من الناس سوف يسمعونني. وسأقول شيئاً واحداً: "لم تكن روسيا أبداً ولن تكون مُناهِضةً لأوكرانيا". أما كيف يجب أن تكون أوكرانيا فهذا يُقرِّرُه مُواطِنُوها.

مصدر المقال الاصلي الرابط