ما القضايا الشائكة والجديرة بالمتابعة في إفريقيا 2024؟
2024-01-221006 مشاهدة
نشر مركز "تشاتام هاوس" للدراسات مادة تحدث فيها الكاتب الدكتور أليكس فاينز OBE عن أهمّ المخاطر والتحدِّيات التي تواجه القارة السمراء الغنية بالموارد، والتي يتنافس على السيطرة على أجزاء منها الكثير من الأطراف، كما تحدثت المادة عن الفرص التي تشكلها المشاركات الإفريقية في القمم المزمَع إجراؤها هذا العام بمشاركة بُلدان القارة.
نصّ الترجمة:
ستكون إفريقيا في عام 2024 ثاني أسرع منطقة نمو اقتصادي في العالم (بعد آسيا) بنسبة 4 في المئة، وفقاً لصندوق النقد الدولي (IMF)، لكن هذا الرقم يُخفي وراءه حقيقة لا تدعو إلى التفاؤل.
تساهم النزاعات الأخيرة، والانقلابات العسكرية المتزايدة، وتجدُّد الصراع بين إسرائيل وغزة، واستمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، في تعطيل تحقيق نمو أفضل في جميع أنحاء القارة.
إن العديد من الدول الإفريقية كانت تعاني مسبقاً بسبب بُطْء التعافي من جائحة "كوفيد-19" (كورونا)، والصدمات الناجمة عن أزمة التغيُّر المناخي، وزيادة انعدام الأمن الغذائي، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف النمو العالمي وارتفاع أسعار الفائدة. تُصنَّف 33 دولة من دول القارة كأقل الدول نمواً، ولقد أدت هذه الصدمات الاقتصادية إلى إفقار حوالَيْ 55 مليون شخص منذ عام 2020 وعكست اتجاه أكثر من عقدين من التقدُّم في عملية تقليص مستويات الفقر.
لكن ليست كل الأخبار سيئة، فمن المتوقع أن تتفوّق جنوب إفريقيا على نيجيريا ومصر كأكبر اقتصادات في القارة في عام 2024، وفقاً لتوقُّعات صندوق النقد الدولي، حيث من المتوقع أيضاً أن تتفوق بعض المناطق الإفريقية في الأداء على مناطق أخرى، كما أنه من المتوقع أن يكون أداء شرق إفريقيا أفضل، حيث ساهم الموقع الجغرافي، والبِنْية التحتية البشرية والمادية، والسياسات في هذا الاتجاه.
أعباء الديون
سيكون النقاش حول ديون البلدان الإفريقية أمراً شديد الأهمية في عام 2024، فأسعار الفائدة المرتفعة وقوة الدولار تزيد من أعباء الديون المقوّمة بالدولار، وهو الأمر الذي أدى إلى مزيد من المشاكل الناجمة عن الديون في تلك البلدان، فمع بداية عام 2024، تبيّن أن تسع دول إفريقية تعاني من ضائقة الديون، و15 دولة أخرى معرضة لمخاطر عالية و14 دولة معرضة لمخاطر متوسطة، كما تخلفت زامبيا وغانا عن سداد ديونهما، وانضمت إليهما إثيوبيا مؤخراً.
ومع ذلك فإن نظام الدفع الإفريقي الموحّد الذي سيسمح للدول الإفريقية بالتجارة فيما بينها، باستخدام عملاتها الخاصة، يكتسب زخماً. تقوم دولة كينيا باستضافة نظام الدفع والتسوية الإفريقي هذا، الذي طوره البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير Afreximbank. ومن المتوقع أن تنضمّ جميع البنوك المركزية بحلول نهاية عام 2024، تليها العديد من البنوك التجارية بحلول نهاية عام 2025.
السلع الأساسية
سيظل التركيز على الوصول إلى المعادن الإستراتيجية والحيوية من إفريقيا، وحماية سلاسل التوريد الخاصة بها، محطّ اهتمام القوى الأجنبية. إن إفريقيا غنية بالمعادن الإستراتيجية، وكلها ضرورية للتكنولوجيات الحديثة.
سيشهد هذا العام أول عام كامل من تشغيل خط لوبيتو Lobito Corridor الذي تمت ترقيته في أنغولا، وهو مشروع للسكك الحديدية تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والذي سيربط في نهاية المطاف جمهورية الكونغو الديمقراطية مع زامبيا بساحل المحيط الأطلسي لتأمين خط لنقل المعادن المستخرجة من زامبيا.
بسبب الطلب المتزايد وارتفاع الأسعار، ستستمر بعض الحكومات الإفريقية في مراجعة عقودها مع شركات التنقيب والبحث عن قيمة إضافية. تجري حالياً إعادة التفاوض على عقود رئيسية في بوتسوانا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهناك اتفاقيات وعقود جديدة خاصة بالتنقيب في مالي وبوركينا فاسو.
بُؤَر الصراع
لقد أدى تفاقُم الاضطراب السياسي في أجزاء من القارة، والذي تجسد في الانقلابات العسكرية التسعة منذ عام 2020، بما في ذلك في الغابون والنيجر في عام 2023، إلى زيادة التركيز على هشاشة الحكم الدستوري، فالدول التي تخضع مسبقاً لقيادة عسكرية أصبحت غير مستقرة على نحو متزايد، مثل بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ومن المحتمل حدوث المزيد من الانقلابات فيها.
ستظل منطقة الساحل بُؤْرة للإرهاب في عام 2024، ففي عام 2023، شكلت البلدان الإفريقية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى 48% من الوفيات العالمية الناجمة عن الإرهاب، وامتدت الهجمات إلى ما هو أبعد من النقاط الساخنة التاريخية مثل منطقة الساحل والقرن الإفريقي، إلى الجنوب الإفريقي والمناطق الساحلية في غرب إفريقيا. وقد ساهمت الصراعات الطويلة الأمد، وضعف سيادة القانون، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتمييز، والإقصاء، والبطالة في حدوث هذه الأزمة.
ستظل بؤر الصراع الساخنة الأخرى مثيرة للقلق في عام 2024، لا سيما شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وشمال موزمبيق وأجزاء من الكاميرون والصومال، ومن المحتمل اندلاع صراع آخر في إثيوبيا، كما من الممكن أن يتطور الصراع المسلح في السودان نحو التقسيم الفعلي للبلاد.
الانتخابات
يُعَدّ هذا عاماً قياسياً للانتخابات على مستوى العالم، وستشهد إفريقيا 17 انتخاباً رئاسياً و/أو تشريعياً وطنياً، ومن المتوقع أن يسهم استفتاء كانون الأول/ ديسمبر 2023 للموافقة على دستور جديد لتشاد، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من التحوّل من الحكم العسكري، في تمهيد الطريق أمام الرئيس الانتقالي محمد ديبي Mahamat Déby للترشُّح للرئاسة في الانتخابات الوطنية عام 2024.
وفي مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (سادك)، ستتوجه بوتسوانا وجزر القمر وموريشيوس وناميبيا وموزمبيق وجنوب إفريقيا إلى صناديق الاقتراع، وفي المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) وغانا وربما غينيا بيساو والسنغال وتوغو. وفي بوركينا فاسو ومالي، لا يزال الانتقال من الحكم العسكري غير مؤكد، حيث يستمر المجلس العسكري في تأجيله.
ستكون الانتخابات التي ستحظى بأكبر قدر من التدقيق هي موزمبيق، التي سيكون لها رئيس جديد (فالرئيس الحالي سيتنحى)، وجنوب إفريقيا، حيث تتجه كل الأنظار نحو ما إذا كان حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم قادراً على الفوز بأغلبية مطلقة.
سوف تشهد الانتخابات الرئاسية في السنغال في شباط/ فبراير منافسة شرسة، وقد تسفر الانتخابات الرئاسية في غانا في كانون الأول/ ديسمبر عن هزيمة الحزب الوطني وعودة الرئيس السابق جون ماهاماJohn Mahama وحزبه الوطني الديمقراطي إلى السلطة.
إن انتخابات الجزائر وتونس ستجذب الانتباه، ومن المتوقع أن تؤدي انتخابات جزر القمر وموريتانيا ورواندا -وربما جنوب السودان- إلى إعادة حُكّام تلك الدول الحاليين إلى مناصبهم.
قِمَم متعددة
سيكون هذا العام مليئاً بالقمم الدولية بالنسبة لقادة إفريقيا، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، استضافت الرياض أول قمة بين السعودية وإفريقيا، وهي الأحدث ضمن قائمة كبيرة من قمم "إفريقيا مع دول أخرى". استقطبت القمة أكثر من 50 زعيماً، مقارنة بالقمة الثانية بين روسيا وإفريقيا في سانت بطرسبرغ في آب/ أغسطس 2023، والتي استقطبت 17 زعيماً. لقد قامت السعودية، مثلما فعلت روسيا، بدعوة دول من الاتحاد الإفريقي تم تجميد عضويتها، فهل ستدعو بكين المجلس العسكري الإفريقي إلى المنتدى التاسع للتعاون الصيني الإفريقي في عام 2024؟
يأتي ذلك في الوقت الذي تظهر فيه بيانات جديدة أن إقراضها لإفريقيا انخفض إلى أدنى مستوى له منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.
هذا العام سيشهد تسارُعاً في وتيرة التجمعات والمنتديات الدولية، فمن المقرر عقد القمة الاستثمارية الثانية بين المملكة المتحدة وإفريقيا في لندن في أيار/ مايو 2024، وقد تمت دعوة 25 حكومة.
سيُعقد مؤتمر "إيطاليا-إفريقيا" في أوائل عام 2024، وقد قامت روما، التي تتولى رئاسة مجموعة السبع، بالتعهد بجعل القارة في بؤرة تركيزها خلال فترة رئاستها.
ستُعقد القمة القادمة بين كوريا وإفريقيا في حزيران/ يونيو 2024، وأعلنت نيودلهي عن قمتها القادمة التي تُعقد كل ثلاث سنوات والتي تجمع الهند وإفريقيا والمخطط لها في 2024.
تحت رئاسة الهند لمجموعة العشرين، في آب/ أغسطس 2023، انضم الاتحاد الإفريقي إلى المنظمة وحصل على نفس الوضع الذي يتمتع به الاتحاد الأوروبي، وهو الكتلة الإقليمية الوحيدة التي كانت تمتلك عضوية كاملة سابقاً، بعد أن كان تصنيفه السابق هو "منظمة دولية مَدعُوّة".
اعتباراً من كانون الثاني/ يناير 2024، توسعت مجموعة البريكس لتشمل دولتين إفريقيتين - مصر (تمثل إفريقيا والعالم العربي) وإثيوبيا (مقر الاتحاد الإفريقي).
وقال سيلسو أموريم Celso Amorim، المستشار الخاص لرئاسة البرازيل للشؤون الدولية: إن إفريقيا ستكون محورية في السياسة الخارجية للبرازيل في عام 2024، وتتولى البرازيل رئاسة مجموعة العشرين في عام 2024.
ومن المتوقع أن تزداد المشاركة الدولية مع إفريقيا في عام 2024، وترحب العديد من الدول الإفريقية بهذا وتتطلع إلى تنويع شراكاتها العالمية أو إحياء شراكاتها القديمة.
إن إدارة كيفية تعزيز الأولويات الوطنية والإقليمية والقارية مع العدد المتزايد من المتقدمين الأجانب ستتطلب من الدول الإفريقية تحديد الأولويات بشكل أفضل، وقد يؤدي ذلك إلى الاضطرار إلى اتخاذ خيارات صعبة في كثير من الأحيان.
ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر: (تشاتام هاوس)