كيف يبدو المشهد في العراق بعد عام من تولِّي حكومة السوداني في العراق؟
2023-10-301356 مشاهدة
من المعروف أن الفساد في العراق هو أحد أهم الإشكاليات التي تعاني منها الدولة، وينعكس ذلك سلباً وبشدة على المواطنين، العراق هو من أكثر الدول فساداً في العالم، حيث احتلّ المرتبة 157 عالمياً من أصل 180 دولةً في مؤشر الفساد لعام 2022، الأمر الذي تجلَّى بالتالي كأولوية من خلال إصدار الوعود المتلاحقة للحكومات العراقية بمكافحة الفساد، ولم تكن حكومة محمد شياع السوداني الأخيرة استثناءً، فقد ركَّز السوداني أبرز وعوده على هذه القضية.
وعلى رأس ملفات الفساد، تلك المتعلقة بسرقة القرن (2.5 مليار دولار خلال عامَيْ 2021 و2022)، وملف البحث في سقوط الموصل عام 2014 على يد تنظيم "داعش"، إضافة إلى اتهامات حول تورُّط الأجهزة الأمنية بقتل مئات الأشخاص وإصابة آلاف آخرين في التظاهرات الشعبية في عام 2019.
وعلى الرغم من مضيّ أكثر من سنة على تولي السوداني، لا يبدو أنه وصل إلى نتائج مرضية في أي من الملفات المذكورة فضلاً عن ملفات الفساد الأخرى الواسعة، حيث يُقدَّر مجموع أرقام الأموال المنهوبة في العراق بأكثر من 400 مليار دولار.
ويُلحَظ بعض التقدم في موضوع سرقة القرن من خلال صدور أوامر قبض على مسؤولين سابقين كبار في الحكومة السابقة، مع ذلك قد لا يكون هذا مؤشراً على نهج جذري في مكافحة الفساد بقدر ما يكون محاولة دعائية لتقديم بعض أكباش الفداء من بعض المسؤولين السابقين وَفْق السرديات المعروفة في دول عربية وشرق أوسطية أخرى، دون أن تطال مكافحة الفساد كثيراً من المتورطين من كبار المسؤولين أو قيادات الميليشيات، كرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، والذي يُعتبر السوداني محسوباً عليه بشكل أو بآخر، ولعل ما يزيد الأعباءَ في هذا الإطار على السوداني أنه شخصياً يمثل جزءاً واستمراراً للنخبة السياسية المتهمة بالغرق بالفساد منذ توالي الحكومات بعد عام 2003.
تفرض بِنْية السلطة العراقية الحالية وطبيعتها وجود المُحاصَصة في كل التقسيمات والوحدات الإدارية، الأمر الذي يفرض على أيّ حكومة وبغضّ النظر عن شخصياتها إيجاد توافُقات بناء على المحاصصة والتحالفات شديدة التعقيد والهشاشة، بما يشابه الوضع اللبناني، ويأتي ذلك على حساب الأولويات الوطنية وتولي التكنوقراط والمختصين للمناصب الإدارية، فعلاوة على الفساد المستشري، تعاني المؤسسات من سوء التوزيع لموظفي الدولة حتى ضِمن الوزارة الواحدة، نتيجة التوظيف بناءً على المحسوبيات والمُحاصَصة دون اعتبار للكفاءة والتخصُّص، الأمر الذي يمتدّ أيضاً إلى هيئة النزاهة، وهي أعلى سلطة تنفيذية لمتابعة جرائم الفساد. وقد أُسندت في عهد السوداني إلى إحدى الشخصيات المحسوبة على رئيس منظمة "بدر"، بزعامة هادي العامري، مما يشير إلى عدم حدوث تغييرات حقيقية في الهيئة وباقي المؤسسات.
في محاولتها لإظهار مدى التزامها بمكافحة الفساد ورضا الشارع عنها، حاولت حكومة السوداني القيام بنشر استطلاعات للآراء الشعبية من خلال بعض الجهات المقربة منها، ووصفت تلك الاستطلاعات بأنها مضللة ومنحازة وموجَّهة، حيث قاربت نسبة الثقة الشعبية بالحكومة حوالَيْ 80%، بما في ذلك الفئات التي تعاني من البطالة، والتي تجهد في البحث عن العمل، كل ذلك يؤشر على غلبة الأبعاد الدعائية والشعاراتية لموضوع مكافحة الفساد لدى حكومة السوداني على الإرادة الحقيقية لإحداث تغيير حقيقي وجذري.
وفيما يتعلق بالمَأْسَسة، وبسط سيطرة الدولة العراقية ونزع الصفات الميليشياوية عنها، لا تزال المطالبات الشعبية، وخاصة من المحافظات السنية المتعلقة بإخراج ميليشيات الحشد الشعبي من المدن غير متحققة على الرغم من وعود السوداني بالقيام بذلك.
أما فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية أو القضايا السيادية العراقية، فلم يكن من المأمول أصلاً حدوث تأثير حقيقي للحكومة في ظل عجزها عن معالجة الملفات الداخلية الأكثر صلة بها، ويُلحَظ أن السوداني يتماهى في تصريحاته مع الرغبات الإيرانية بالضغط على قوات التحالف الدولي للخروج من العراق أو تقليل وجود قواته فيه، والذي يبقى في إطار التنافُس الإيراني الأمريكي على النفوذ.
بناءً على المعطيات السابقة، من غير المتوقع حدوث تغيير جذريّ في الديناميات الداخلية العراقية التي سيطرت على المشهد منذ عام 2003، وتبقى جهود الحكومة الحالية ووعودها أقرب إلى الدعائية والرمزية منها إلى إحداث تغييرات حقيقية ملموسة.