لماذا لن يغادر الروس سورية حتى وإن أرادوا ذلك؟
2022-01-233884 مشاهدة
بدأت روسيا تدخلها المباشر في الصراع السوري في عام 2015 وربما اقتضت المصلحة الذاتية وانتهاز الفرصة ذلك التدخل، لكن بعد انقضاء ست سنوات، وبعد بذل الكثير من الدماء الروسية والثروات والمصداقية على الصعيد الدولي، فهل تملك حكومة فلاديمير بوتين خطة للخروج، وهل ستستخدم تلك الخطة، حتى ولو افترضنا أن الروس نادمون الآن على قرارهم الذي اتخذوه للتدخل؟
إن الانتكاسات العسكرية لنظام الأسد وشركائه الإيرانيين في عام 2015 أدّت إلى طلب مساعدة روسية؛ وقد ثبت أنه كان طلبًا في الوقت المناسب. كان من المُرجّح أن تنتشر القوات الروسية في سورية في نهاية المطاف، حتى لو كان ذلك فقط لحماية مصالحها الخاصة في البلاد. وفي تلك المرحلة كان ثمة منشأة بحرية في طرطوس، وهي نقطة انطلاق روسية/ سوفيتية قائمة منذ بداية السبعينيات، وبالطبع توجد الحكومة "الصديقة" المتمثلة بنظام الأسد. ولكن بحلول شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2015، وبعد الازدراء الدولي له نتيجة لضم شبه جزيرة القرم، كان بوتين مستميتاً للعودة إلى المسرح العالمي كرجل دولة ذو مكانة عالمية.
إن دعم حكومة "شرعية"، بدلاً من الوقوف إلى جانب قوى المعارضة، سيكون تناقضاً مباشراً مع النهج الذي ينتهجه الغرب. وسيمنح بوتين الفرصة لإظهار كيفية التدخل الصحيحة، للمقارنة بشكل إيجابي بالفوضى التي أعقبت التدخلات الغربية في العراق وأفغانستان وليبيا.
ومع تراجع الولايات المتحدة والحلفاء عن التدخل المباشر في سورية، ستكون هذه فرصته لتقديم روسيا على أنها ذات تأثير إيجابي في المنطقة. ولكن مع ذلك، لو أن روسيا كانت قد أولت مزيدًا من الاهتمام للدروس المستفادة من تلك الحملات العسكرية الغربية، فربما كانت وزارة الدفاع الروسية لتفكر مليّاً في الأمر.
لقد بدأ التدخل كحملة جوية، لكن كان من السذاجة افتراض أنه سيكون فعّالًا لوحده، دون الحاجة إلى وجود قوّة برّيّة كبيرة للاحتفاظ بالأرض. وكان من الواضح أن مجموعة فاغنر من المتعاقدين العسكريين الخاصة ستلعب هذا الدور، لكنها أثبتت عدم كفاءتها في تنفيذ تلك المهمة. ولذلك سرعان ما شهدت العملية العسكرية الأولية المحدودة ما يسمى بـ"توسيع نطاق المهمة" لتزداد بشكل يتجاوز ما كان على الأرجح نطاقها الأولي.
إن الشعب الروسي مُتشبّث بشدة بهوية وموطن الشعب السلافي ففي حين يبدي حزب رودينا الدعم الضمني لضم شبه جزيرة القرم، إلا أن هذا الاتجاه لا يمتد عادة إلى خوض الحروب في الأراضي البعيدة. فلا يزال صدى كارثة حملتهم في الثمانينيات في أفغانستان يتردد حتى يومنا هذا، ولذلك ركّزت التغطية الإعلامية الروسية في البداية على "الحرب على الإرهاب"، مع إحصاءات يومية لـ"الإرهابيين القتلى" و"الأهداف التي تحققت"، من أجل الحصول على دعم الشعب الروسي العادي، الذين هم أنفسهم ليسوا غرباء عن الفظائع الإرهابية.
لقد كانت داعش هي الهدف من الضربات الأولية، ولكن سرعان ما أصبح واضحًا أن المناطق التي لم يتم العثور على إرهابيين فيها قد تم استهدافها أيضًا، وسرعان ما تم تعديل تصنيف "إرهابي" ليشمل أي شخص يعارض نظام الأسد.
لكن، بسبب عدم القدرة على السيطرة على الخطاب الإعلامي نتيجة وجود مراقبين مستقلين في سورية، تم تحديد الخسائر الجانبية التي لحِقت بالمدنيين الأبرياء بسرعة وتلا ذلك إدانة دولية. لذلك، وفي ليلة وضحاها تقريبًا، طرأ تغيير جذري في التقارير الصحفية مع إدخال إحصاء يومي للدعم الإنساني في وسائل الإعلام الروسية. وتجاهل التقرير حقيقة أن هذا الدعم الإنساني كان موجّهاً في كثير من الأحيان إلى نفس الأشخاص الذين عانوا من حملة القصف الهوجاء للقوات الجوية الروسية والسورية.
يحتوي موقع وزارة الدفاع الروسية حتى يومنا هذا على صفحتين مخصصتين لـ"العمليات في سورية"، فالأولى لا زالت موجودة باسم "مكافحة الإرهاب الدولي". والثانية "استعادة السلام"، التي تذكر على سبيل المثال عمل الشرطة العسكرية في استتباب النظام وإزالة الألغام وتوفير الملابس الشتوية والوقود والطعام. وفي أوائل عام 2019، قامت وزارة الدفاع الروسية بتسيير قطار يحمل حوالي 500 معروض من "الحرب على الإرهاب في سورية". وعلى مدار ما يقرب من 4 أشهر، زار القطار 61 مدينة بطول وعرض البلاد، من أجل تشجيع دعم العمليات في سورية ولكن ذلك لم ينجح. فقد أظهر استطلاع في شهر أيار/ مايو من ذلك العام أن 55% يعارضون بشكل مباشر مشاركة روسيا في الصراع، و10% فقط يرون أنها ناجحة.
ومن خلال الاستمرار في دعم نظام الأسد، أحكمت روسيا قبضتها على أكثر من ملف. لكنها بعد أن حققت انتصارًا جزئيًا على الأقل وساعدت في إنشاء جيش سوري حديث ومُعاد تسليحه، أصبح نفوذ روسيا على الأسد يضعُف بشكل متزايد لصالح إيران، وهما اللذان يدعمان النظام في معركته من أجل البقاء لفترة أطول. وحيث تسعى روسيا إلى إقامة دولة علمانية مستقرة يَسُرّها استضافة القواعد المتقدمة المحدودة لروسيا وتأمين الدعم لها دوليًا، فإن موقف إيران مختلف تمامًا. حيث تمنح سورية حدودًا غربية للنفوذ الشيعي، مع سهولة الوصول إلى الوكلاء حزب الله في لبنان ومسافة قريبة من العدو الرئيسي إسرائيل، وهي نفسها حليف لروسيا مع روابط ثقافية واقتصادية قوية. إن علاقة روسيا بتركيا تستحق، بصفتها لاعبًا رئيسيًا آخر في الصراع، مقالًا في حد ذاتها، فهي تتصف بالسخونة والبرودة منذ إسقاط طائرة روسية من طراز Su-24 في عام 2015. وإضافة لذلك، فإن دور روسيا في تدمير خلافة داعش لم يفعل شيئًا لتقليل مخاطر الهجمات الإرهابية ضد الشعب الروسي. إن موقف بوتين غير مريح على أقل تقدير إذ لم يتعلم أيًا من دروس حملات الغرب على مدار العشرين عامًا الماضية، ومع تحوّل الرأي العام في الداخل ضده.
من الواضح الآن أن اسم بوتين سيرتبط إلى الأبد باسم الأسد، الدكتاتور المعروف أنه استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. وبينما قد يحاول بوتين إنكار مسؤوليته عن سلسلة من الجرائم الممتدة من سورية عبر أوروبا إلى المملكة المتحدة وما وراءها، فإن ثِقَل الأدلة على جرائم الحرب المتزايدة ضد نظام الأسد لن تضيف شيئًا إلى مصداقية الزعيم الروسي كرجل دولة ووسيط سلام. وفي حين جلب عرض المعدات العسكرية الروسية بلا شك عقودًا إضافية إلى صناعة الأسلحة الروسية المزدهرة، إلا أن استخدام الأسلحة في ساحة المعركة في حرب المدن قد أثار أيضًا إدانة كبيرة.
يجد بوتين نفسه الآن جزءًا من معضلة، حيث أنه يتجاهل الرأي العام المحلي في نهاية المطاف بينما لا يزال يحاول الحصول على الدعم الوطني. إن القواعد في طرطوس، والقاعدة الجوية الأحدث في حميميم، هي موطئ قدم استراتيجي حيوي في البحر الأبيض المتوسط، لذا فإن الانسحاب العسكري الكامل ليس خيارًا حتى يتم العثور على بدائل. وهناك خطر كبير من أن يتم وسمه بجرائم الحرب الماضية والمستقبلية التي يرتكبها الأسد وجرائم الحرب في سورية، لكن خيارات بوتين للنأي بنفسه عن نظام الأسد محدودة للغاية ولا توجد خطة خروج واضحة لا تؤدي إلى بعض الإذلال السياسي. لذلك، فمن المرجح أن تظلّ القوات الروسية ثابتة في شمال غرب سورية.
السؤال الوحيد هو ما إذا كانوا يتحصنون في قواعدهم، أو يواصلون دعم نظام الأسد بشكل مباشر في مناطق أبعد، مع كل المخاطر الإضافية على حياة الروس وسمعتهم الدولية. إن مغادرة البلاد بالكامل يعني فقدان السيطرة على السردية التي يتبنونها، والتنازل عن النفوذ لإيران. وبالنسبة لبوتين نفسه، فالخروج يعني فقدانه لقب صانع السلام الدولي إلى الأبد.