ما الذي يمكننا قراءته بين السطور في هجوم موسكو؟

ما الذي يمكننا قراءته بين السطور في هجوم موسكو؟

2024-03-26
884 مشاهدة


لم تكد عملية إحصاء ضحايا الهجوم الدموي الذي أدى -حتى الآن- إلى مقتل ما يزيد عن 140 مدنياً وإصابة نحو 150 آخرين، وأثناء إطفاء النيران التي أدت إلى انهيار سقف المركز التجاري "كروكوس سيتي" في موسكو، حتى أعلن تنظيم الدولة الإسلامية -عبر فرعه في خراسان- مسؤوليته عن العملية التي توصَف بأنها واحدة من أسوأ الهجمات التي شهدتها روسيا منذ سنوات.

من المؤكد أن العملية الأخيرة التي نفذها 4 عناصر مسلحة ومدرّبة -معظمهم من قومية الطاجيك- لم تكن بداية لعمليات التنظيم ضد روسيا داخل الأراضي الروسية أو خارجها، وإنما استكمالاً لنشاط التنظيم المتصاعد داخل أراضيها.

فقد أعلن الجهاز الوطني الروسي لمكافحة الإرهاب في 3 آذار/ مارس 2024 مقتل 6 عناصر من تنظيم الدولة خلال تحضيرهم لإحدى العمليات في مدينة كارابولاك بجمهورية إنغوشيا التابعة للاتحاد الروسي، وقد ظهرت فيديوهات تؤكد مبايعة العناصر للتنظيم سابقاً، كما أن 3 من هذه الخلية كانوا مسؤولين عن عدة عمليات ضد الشرطة ومواقع حكومية، حيث قاموا باغتيال 3 ضباط من شرطة المرور في آذار/ مارس 2023.

في السياق ذاته أعلن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي في 7 آذار/ مارس الجاري أنه قام بقتل ثلاثة عناصر من داعش أثناء محاولة اعتقالهم قبل تنفيذ هجوم لهم على كنيسٍ يهودي في مدينة كالوغا جنوب موسكو، وهو ما دفع السفارة الأمريكية في اليوم ذاته لإصدار تحذير لمواطنيها في موسكو من الذهاب للمسارح والتجمعات المكتظة، مما يعد مؤشراً على امتلاك الأجهزة الأمنية الأمريكية معلومات حول نشاط داعش خراسان المتصاعد في روسيا، وأن قيامه بعملية شبيهة بعملية كروكوس مول كان احتمالاً مرجحاً بشكل كبير منذ مطلع آذار/ مارس الجاري.

داعش خراسان وتركيزه على استهداف روسيا

وقد ازداد نشاط تنظيم داعش خراسان تحديداً ضد الروس والصينيين والإيرانيين بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ويأتي هذا في سياق نكاية التنظيم وحربه مع حركة طالبان التي بدأت بتحسين علاقاتها مع هذه الدول، وبالتالي يهدف التنظيم إلى التحشيد ضد طالبان (تعد أفغانستان أبرز مكون لإقليم خراسان تاريخياً) وإظهار ضعف طالبان وعدم قدرتها على السيطرة على التهديدات الأمنية، كما يخدم استهداف هذه الأطراف حشر طالبان في زاوية العمالة لتلك الجهات، مما يسهل زيادة الحشد ضدها في أفغانستان، ومن المهم الإشارة هنا إلى التفجير الانتحاري ضد السفارة الروسية في كابل في أيلول/ أغسطس 2022، وكذلك الهجوم على فندق يرتاده صينيون في كانون الأول/ ديسمبر 2022 في كابل، إضافة إلى الهجمات في إيران، وأبرزها الهجوم على قبر سليماني.

يؤكد هذا السياق أن تنظيم داعش-ولاية خراسان يركز اهتمامه على روسيا بشكل متزايد على مدار العامين الماضيين، وكثيراً ما انتقدت معرفاته الرسمية الروسية السياسة الروسية تجاه أفغانستان والشيشان وسورية، ويأتي الهجوم الأخير في سياق التصعيد الملحوظ لعمليات داعش خراسان خارج الدول التي ينتشر فيها عناصره بشكل مستمر وشبه مستقر، فقد أشارت حركة الاعتقالات منذ كانون الأول/ ديسمبر 2023 إلى اعتقال عشرات الأشخاص في ألمانيا وفرنسا وهولندا وسويسرا والسويد والدنمارك وإيطاليا وتركيا بشكل رئيسي، وذلك اعتماداً على خلايا مكونة من عناصر أفغانية وطاجيكية وتركمانستانية وغيرها من مسلمي وسط آسيا أساساً، والعناصر المنتمية لهذه القوميات موجودة بكثافة في روسيا مما يسهل دخولها إلى موسكو مقارنة بعواصم غربية أخرى، خاصة مع القرب الحدودي لدول وسط آسيا من روسيا، وقد أشارت معلومات إلى أن المشتبه فيهم سافروا إلى تركيا ومنها إلى موسكو.

تنظيم داعش، رأس أم أداة؟

تأتي العملية في توقيت حرج للغاية، حيث وقعت إثر فوز بوتين بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، والذي يعتبر عنوان "الأمن" العنوان الأبرز لإنجازاته كرئيس، وهو ما يعني أن العملية تشكل ضربة قوية لبوتين وروسيا، وتبدو وكأنها رسالة تهديد سياسية محبوكة بتوقيت دقيق أيضاً، مما يثير تساؤلات عن أدوار أخرى يمكن أن تكون قد تمت واختبأت وراء تبني تنظيم داعش خراسان للعملية.

وقد ألمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى وجود أصابع أوكرانية وغربية تقف خلف العملية، وادعى أن المنفذين كانوا في طريقهم إلى الهروب إلى أوكرانيا، وقد يكون هذا محاولة منه لتوجيه الحدث إلى المعركة الأساسية التي يخوضها في أوكرانيا بهدف التحشيد بغض النظر عن الجهة التي تقف خلف التنفيذ، أو تمظهراً وترسيخاً لاعتقاد شائع لدى عدد من الباحثين والمحللين المتابعين لشؤون التنظيمات الجهادية، ومنهم باحثون ومحللون روس (وهو ما ظهر بشكل كبير في الإعلام الروسي بعد العملية)، بأن التنظيم في كثير من الأحيان يكون أداة يتم استخدامها كقاتل مأجور من قبل  العديد من الفاعلين الدوليين الكبار بشكل غير مباشر عبر عمليات توجيه وتحريض استخباراتية معقدة، وهو ما لا يمكن نفيه، بل هنالك الكثير من القرائن العديدة الدالة عليه لمن يراقب عمل التنظيم طويلاً في سورية والعراق وغيرها، بالتالي لا يستبعد أن تكون رسالة التنظيم مقترنة بشكل ما برسالة أوكرانية وغربية، خاصة أن الرئيس الأوكراني ورئيس أركانه الجديد قد تحدثوا مرات عدة عن إستراتيجية جديدة لنقل المعركة إلى قلب موسكو، كما تحدثت تقارير عن قيام ضباط استخبارات أوكرانيين بتنفيذ عدد من العمليات السرية، ومنها تفجير خط نورد ستريم الروسي الذي ينقل الغاز إلى أوروبا، ثم أنكروا ذلك.

 ويفتح هذا الحدث الباب على مصراعيه للسؤال عن إمكانية دخول تنظيم داعش خراسان تحديداً بشكل ما كأداة في الصراع المندلع عموماً بين الغرب والولايات المتحدة من جهة، وروسيا ومعها إيران والصين من جهة أخرى، وهو ما يتطلب متابعة ورصداً حثيثاً للأحداث وسط غموض كبير.

من المرجح قيام الروس لاحقاً باتهام أوكرانيا وتوجيه البوصلة ضدها وضد الغرب عموماً، من خلال الحديث عن علاقة ما لأوكرانيا بالهجوم، سواء تم ذلك عبر تحقيقات واقعية وفعلية، أو عبر اختلاق وتزوير الأدلة لتوجيه الرأي العام الروسي ضد أوكرانيا وربطها بدعم الإرهاب، بهدف زيادة التحشيد الداخلي للحرب الروسية في أوكرانيا.