دلالات ومآلات اختيار يحيى السنوار رئيساً لمكتب حماس السياسي

دلالات ومآلات اختيار يحيى السنوار رئيساً لمكتب حماس السياسي

2024-08-12
469 مشاهدة

بينما أُعلن في البداية اختيار رئيس مجلس الشورى محمد إسماعيل درويش رئيساً مؤقتاً للمكتب السياسي "لمكتبها السياسي"، لم يلبث أن صدر بيانٌ باسم حماس يُشير إلى أن رئيس المكتب السياسي للحركة هو يحيى السنوار، وهو ما أشار إلى تقلبات وحيثيات تحمل دلالات ومآلات تتناولها المقالة.  

دلالات اختيار يحيى السنوار  

السنوار الذي أُطلق سراحه في صفقة تبادُل أسرى تمت عام 2011، سرعان ما ارتقى في المناصب داخل حماس ليصبح في عام 2017 رئيس مكتبها في غزة، وهو أحد ثلاثة مكاتب لحماس موزعة ما بين الضفة الغربية و"الخارج" وغزة. ومَن يرأس مكتب غزة كأنما امتلك مفاتيح النفوذ القوي، فمكتب غزة مقترن بجهاز عسكري؛ كتائب القسام، يمثل الشرعية الأساسية والمشروعية المستدامة لوجود حماس كحركة مقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.  

وانطلاقاً من هذه النقطة، تجدر الإشارة إلى أن النظر إلى حركة حماس ككيان مؤسسي تتوزع فيه المهام باحترافية دون تغوُّل أفراد أو دوائر على مهام الدوائر الأخرى، يجانب الصواب، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجناح العسكري الأكثر نفوذاً. فحماس حركة مقاومة مسلحة، وشرعيتها مستمدة من جهازها العسكري الذي يوجه دفّة الأمور وَفْق ما يراه مناسباً للحفاظ على شرعيته وتحقيق أهدافه في مقاومة إسرائيل. الأمثلة على غلبة الجهاز العسكري، كتائب القسام، على المكتب السياسي كثيرة، وأبرزها ما وقع في أيار/ مايو 2021 و7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث فتحت كتائب القسام معاركَ مع إسرائيل محملةً المكتب السياسي مسؤولية التفاوض ونقل الرسائل للوسطاء باسمه.  

بانتخابه رئيساً لمكتب غزة في عامَيْ 2017 و2021، عكس السنوار بسلوكياته رغبته الجامحة في الترشح لرئاسة المكتب السياسي العامّ لحركة حماس، متسلحاً برؤيته الثورية لإبقاء الوضع في فلسطين ومحيطها في حالة اشتباك دائمة على كافة الأصعدة، مجافياً عرف المهادنة مع أنظمة أو دول قد تحتضن مكاتب حماس بهدف إملاء بعض النقاط. ومصر هنا استثناء؛ فهي وإنْ لم تحتضن مكتباً، تُعتبر عنصراً لا ينفصل عن القضية الفلسطينية، وتحديداً غزة بحكم الجغرافيا.  

منذ عام 2012، وبعد انتخابه عضواً في المكتب السياسي لحماس، لعب السنوار دور المنسق المباشر والأوحد بين المكتب السياسي والمجلس العسكري لكتائب القسام. أما المجلس العسكري لكتائب القسام فيتألف من قائده محمد المصري "الضيف" ونائبه مروان عيسى، الذي يعاني من السرطان، وتعرض لمحاولة اغتيال خلال عمليات طوفان الأقصى، وأعلنت إسرائيل مقتله بينما تنفي كتائب القسام، إضافة إلى مسؤول ركن العمليات محمد السنوار شقيق يحيى السنوار، وفي المجلس العسكري لا يُصدَر قرار إلا بموافقة جميع أعضائه، مما يدلّ على أن للسنوار كلمة فاعلة في قرارات المجلس العسكري.  

ليس ذلك فحَسْبُ، إذ يشمل المجلس العسكري الأدنى لكتائب القسام قادة 5 ألوية، بالإضافة إلى قادة التخصصات والتصنيع والجبهة الداخلية والتنظيم والإدارة الذين يخضعون للمجلس الرئيسي، وخلال العدوان على غزة تم اغتيال بعضهم، وأغلبهم -بل جميعهم- على ولاء ليحيى السنوار، هندسه الأخير بنفسه عَبْر سطوة تحقيقات عزلت كثيراً من القادة أثناء تقييم أداء كتائب القسام إبان عدوان 2014، وعَبْر بسط نفوذ مالي وسياسي وأمني وعسكري على مقاليد الحكم في غزة منذ عام 2017.  

استناداً إلى المعطيات المذكورة، يُرجح أن السنوار استند إلى هذا النفوذ لتثبيت نفسه رئيساً للحركة، دافعاً مجلس الشورى لاختياره عَبْر إلغاء تنصيب محمد إسماعيل درويش "أبو عمر حسن"، وتجاوز رئيس مكتب الشتات "الخارج" خالد مشعل الذي كان يُنظر إليه كرئيس مناسب للمكتب السياسي نظراً لإقامته خارج غزة.  

بهذا القرار، ينتقل الثقل السياسي لحماس بكامله إلى غزة، وإنْ كان هذا ما عليه الحال في ظل لعب إسماعيل هنية دور بيضة القبان بين مكتب غزة ومكتبَي الضفة والخارج على نحو يُعطي اعتباراً نسبياً لرؤى هذين المكتبين بالتوازي مع رؤية غزة، بات الأمر برُمَّته تابعاً لرؤية غزة، وأصبحت المكاتب الأخرى ملحَقة بما يقرره مكتب غزة.  

من المحتمل أن السنوار أراد من خلال تسلُّم مقاليد حكم حماس، إمساك دفة المفاوضات بيده لتسير الأمور وَفْق تطوُّرات الميدان، ليؤكد أن المفاوضات في المرحلة الحالية تتم بشكل مباشر ومطلق مع غزة، ويشير لإسرائيل بأن اغتيال هنية لن يغير مسار المفاوضات، وفي الإطار ذاته يسعى السنوار لترسيخ نقطة أن لا حلّ يتم في غزة دون موافقة حماس التي بات ثقلها وكلمتها الأخيرة في غزة، وستقاتل حتى الرمق الأخير في سبيل الحفاظ على وجودها في مسيرة النضال الفلسطيني.  

دلالة أخرى تكمن في رغبة السنوار الواضحة في "بثّ الحياة في روح المقاومين"، بأنهم "القلعة الأخيرة على أرض فلسطين"، وبأن تقرير مصير حماس والقضية الفلسطينية أصبح بيدهم.  

مآلات تعيين السنوار رئيساً للمكتب السياسي  

على الأرجح أن يُلاحَظ رفع سقف المطالبات لحماس في المفاوضات، من خلال الإصرار على إنهاء الحرب وانسحاب إسرائيل بالكامل من غزة. ميزانُ قوَى أيّ معادلة يعتمد على توجُّه أطرافها، فالكيان الإسرائيلي واضح في نيته احتلال غزة جزئياً؛ في محوَرْي نتساريم وصلاح الدين "فيلادلفيا" خاصة، مع ذلك، لا يمكن استبعاد بعض المرونة، إذ أظهر السنوار في محطات سابقة، عَبْر مصالحته مع تيار دحلان أنه يمتلك قدراً من البراغماتية التي تجعله يتجه نحو تقدير الأمور حسب التطوُّرات والظروف. غير أن براغماتيته قد تظهر بعد وقت من مسار التفاوض المتعثر أصلاً.  

على صعيد العلاقات الدولية، منذ عام 2014؛ أي قبل تولي السنوار قيادة مكتب غزة، وكتائب القسام، بتنسيق مع السنوار، توجهت دفّة العلاقات الخارجية لحماس نحو تأسيس تحالُف إستراتيجي مع محور إيران "المقاومة". هذا ما سار عليه السنوار بعد توليه قيادة المكتب السياسي لحماس في غزة، مخالفاً في بعض الأحيان رؤية حماس في الخارج والضفة، متمسكاً بفكرة المصالحة مع النظام السوري، حيث أوفد نائبه خليل الحية ممثلاً لحماس في وفد الفصائل الذي زار بشار الأسد. ومع تولي السنوار مقاليد حكم حماس ككل، ستصبح علاقات حماس مرتبطة بشكل أوسع مع هذا المحور باعتباره نشطاً في دول طوق فلسطين؛ لبنان وسورية، وربما في قادم الأيام الأردن، وقد ساور السنوار -حسب معلومات داخلية- شك بأن خالد مشعل يرفض ضمنياً تفعيل جذوة المقاومة في الأردن، هذا لا ينفي بالمطلق استمرار العلاقات الدولية لحماس مع محور "تركيا – قطر"، ودول أخرى، لكن وَفْق معيار دعم مقاومة إسرائيل بحسب تصوُّرات حماس بشكل فعلي.  

بعد توليه رئاسة المكتب السياسي لحماس، أصبح بيد السنوار فرصة لتنفيذ ما كان يطالب به من منح غزة تمثيلاً أوسع في مجلس الشورى لحماس ونصيباً أكبر من ميزانية الحركة، لما تمثله غزة من ثِقَل مقارنة بمكتبَي الضفة والشتات، لا سيما في ظل اعتقاد السنوار ومحيطه بعدم تفعيل الضفة والشتات لخطوط مساندة فعلية من شأنها تخفيف العبء المُلقَى على عاتق قطاع غزة قبل الحرب الأخيرة وخلالها، نزعة السنوار في تحقيق مرامه قد تكون خشنة، وليس في وارد التوقع تماهيه مع نقيض رؤيته.  

خلاصة القول: إن كثيراً من رؤى السنوار لتوجُّه حماس نُفذت على أرض الواقع قبل توليه منصب رئاسة المكتب السياسي، والآن ستصبح هذه الرؤى هي الأساس على نحو يُهمِّش -حتى حدّ التجاهل- الاعتبارَ لرؤى كل من مكتبَي الضفة والشتات، مع اصطدام مستمر مع إسرائيل وتفعيل أوضح لمحاور مقاومتها في دول الطوق، وصولاً إلى نهج جديد لعلاقات حماس الخارجية، ينطلق من التركيز على جَنْي أقصى دعم ممكن لحماس ضدّ إسرائيل.