مصرع الرئيس الإيراني.. قراءة في الخلفيات والآثار
2024-05-221377 مشاهدة
بتاريخ 19 أيار/ مايو 2024 سقطت طائرة مروحية تُقِلُّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وعدداً من المسؤولين الذين كانوا معهما في الطائرة في محافظة أذربيجان الشرقية بإيران، مما أدى لوفاة جميع مَن كان في الطائرة -8 شخصيات- أبرزهم الرئيس الإيراني ووزير خارجيته.
وفي أعقاب الإعلان عن وفاة المسؤولين، كلَّف المرشد الإيراني علي خامنئي، كلّاً من محمد مخبر النائب الأول لإبراهيم رئيسي بتولي مهامّ الرئيس وَفْق الدستور الإيراني، كما عُيِّن علي باقري وزيراً للخارجية خلفاً لـعبد اللهيان، علماً أن هذه الحال تحتّم على كلٍّ من رئيس البرلمان الإيراني -محمد باقر قاليباف- والرئيس المؤقت محمد مخبر، ورئيس السلطات القضائية في البلاد غلام حسين محسني إيجائي تنظيم انتخابات رئاسية خلال 50 يوماً، علماً أن الولايات المتحدة تفرض عقوبات على إيجائي ومخبر منذ كانون الثاني/ يناير 2021، لدورهما في إدارة قوات الباسيج الإيرانية وتمويلها.
تفتح حادثة سقوط الطائرة مساحات واسعة من الأسئلة والاستفهامات، حول إمكان تدبير عملية اغتيال رئيسي وفريقه، والفرضيات التي يمكن أن تبرز حول المسؤول عن الحادثة، سواء بالإشارة إلى إسرائيل التي وصلت إيران معها إلى مرحلة الاشتباك المباشر في نيسان/ إبريل 2024 أو الولايات المتحدة أو طرف آخر داخليٍّ في إيران يحرص على إبعاد رئيسي من طريقه، وبالرغم من منطقية هذه الاحتمالات، إلا أن القطع بأحدها شِبه مستحيل، خاصة مع عدم وجود أدلة تثبت أيّاً من هذه السيناريوهات، ومع ذلك، يبقى الاستفهام الأكبر حول إقلاع الطائرة دون وجود تجهيزات كافية فيها رغم سُوء الأحوال الجوية الخطِرة في مناطق عبورها في محافظة أذربيجان الشرقية.
من الجدير بالذكر أن رئيسي كان المرشح الأبرز لخلافة المرشد الأعلى للثورة في الجمهورية الإيرانية "علي خامنئي" البالغ من العمر 85 عاماً بحسب العديد من المصادر، حيث كان لصعوده إلى الرئاسة وعلاقته المميزة والطويلة مع خامنئي سبباً في جعله مرشحاً مقبولاً على نطاق واسع في مجلس الخبراء إلى جانب مجتبى خامنئي نجل المرشد الأعلى الحالي، وهو المجلس المسؤول دستورياً عن مراقبة المرشد الأعلى واختيار خليفته، فبالرغم من كون "رئيسي" رئيساً للجمهورية، إلا أن مواطني محافظة خراسان الجنوبية أعادوا اختياره ليكون ممثلاً عن المحافظة في مجلس الخبراء خلال انتخابات مجلس الخبراء الأخيرة في آذار/ مارس 2024.
من المؤكد أن رئيسي كان يُعِدّ نفسه لمنافسات الانتخابات الرئاسية في 2025، كما أنه على الأرجح الخليفة الأكثر حظّاً في الوصول إلى منصب المرشد الأعلى علي خامنئي على الرغم من محاولة بعض الجهات الإعلامية المحسوبة على الحكومة الإيرانية نفي هذا الترجيح.
وإلى جانب دوره في ترسيخ الأجهزة الأمنية والقضائية في الجمهورية، يُحسَب رئيسي على الجانب الراديكالي في نظام خامنئي، مواجهاً أي نوع من مطالبات الإصلاح بالرفض والاستهزاء، وبالرغم من ذلك فإن وجوده داخل الدائرة التنفيذية مؤقت، ومن المؤكد أنه لا إشكال في استبداله ليحل آخر مكانه، إلا أن الإشكال الذي فرضته وفاته هو قِصَر المدة التي يجب أن تنتهي فيها إجراءات الانتخابات الرئاسية، حيث من المرجَّح أن ينحصر التنافس فيها بين مرشحين من الجانب الراديكالي وانكفاء الإصلاحيين عنها، إلى جانب الآثار الفعلية الكبيرة على الساحة الداخلية والخارجية لوفاة "رئيسي"، إلا أنها -بالتأكيد- لن تؤدّي إلى خلل في انتقال السلطة أو إدارة البلاد أو الاستقرار السياسي والاجتماعي، لا سيما بوجود "خامنئي" في سُدّة المرجعية العليا للدولة، فقد كانت له تجربة ثماني سنوات في الرئاسة وشاهد عن قُرب تعامُل النظام مع تجربة مشابهة لوفاة "رئيسي" عندما اغتِيل الرئيس الإيراني الأسبق "محمد علي رجائي" عام 1981 مع رئيس وزرائه بتفجير حقيبة مفخخة داخل مكتبه في طهران.
بالتأكيد إنّ التغييرات القادمة ستشمل عدداً من مؤسسات الدولة في الحكومة والبرلمان ومجلس الخبراء، حيث من المحتمل أن يترشح محمد باقر قاليباف للانتخابات الرئاسية وهو رئيس البرلمان الحالي، مما سيؤدي لتنافُس جديد في البرلمان بين كُتَله الداخلية الموالية في أغلبها للخطّ الراديكالي في النظام، أما على مستوى الحكومة فإن الرئيس القادم سيكوّن فريقاً جديداً مختلفاً عن فريق "رئيسي" مما يعني تغيير الحكومة الحالية بالكامل، مما يعني زيادة الأزمات الداخلية، حيث تصاعدت أصوات البرلمان في إلقاء اللوم على فريق رئيسي لعدم حلهم مشاكل الاقتصاد، حيث تزايد ارتفاع معدلات التضخم، وتسارعت معدلات هبوط سعر العملة وضعفها، إلى جانب اتساع الفجوة بين الناخبين والسياسيين، حيث تراجعت نسبة المشتركين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة إلى أدنى مستوياتها في تاريخ الجمهورية.
خارجيّاً من المرجَّح أن إيران ستلتفت إلى مشاكلها الداخلية وتخفّض من أعمالها الاستفزازية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل في الوقت الحالي، ومن ناحية أخرى فإنه من غير المرجَّح أن تتجه نحو سياسة إقليمية أكثر ليونة أو اعتدالاً، فمن المعروف في النظام الإيراني أن القرار النهائي في معظم الشؤون السياسية الخارجيّة الإستراتيجية يعود للمرشد الأعلى، مما يُقيّد نفوذ الرئيس الإيراني وفريقه في إدارة الشؤون الخارجية إلى حد كبير، وبالتالي فإنه ليس من الممكن حسم توجُّهات الفريق الجديد للحكومة الإيرانية قبل معرفة تركيبتها، مع ملاحظة أن الاحتمال الأرجح يتمحور حول بقاء السياسة الإيرانية الخارجية على النهج المتَّبَع في عهد رئيسي، حيث رسمتها حدود الواقع الحالي، فزادت تعاوُنها العسكري مع روسيا والصين، ولم تنجح في إحياء الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، وتصادمت مع إسرائيل بشكل مباشر وعَبْر أذرعها خلال الأشهر الماضية، إثر اغتيال إسرائيل لعدد من كبار القادة الإيرانيين في سورية.