موجة استقالات تضرب حكومة نتنياهو، ما التداعيات والآثار؟
2024-06-11781 مشاهدة
يُعوِّل معارضو الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومنتقدو سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الداخل، على الاستقالات التي ضربت هذه الحكومة، يوم الأحد التاسع من حزيران/ يونيو 2024، لوضع حدّ لقُرابة عام ونصف العام من السياسات الغاشمة، التي قادت منطقة الشرق الأوسط إلى حالة من التوتُّر الحادّ، وخلّفت كارثة إنسانية في قطاع غزة، ولم يَسلَم منها الإسرائيليون أنفسهم؛ إذ كلَّفتهم فاتورة اقتصادية وأمنية باهظة، ناهيك عن القتلى والمصابين والآفات النفسية التي ضربت المجتمع، وحوَّلته إلى مجتمع مريض وغير متّزِن، يعيش مترقِّباً صوت صافرات الإنذار، التي تُنذر بصاروخ اقترب سقوطه، قادماً من الجوار، أو ما هو أبعد.
ومع أن استقالة زعيم كتلة "معسكر الدولة"، عضو مجلس الحرب بيني غانتس، وشريكه رئيس الأركان الأسبق غادي أيزنكوت ونواب حزبهما من الائتلاف الحاكم، عُدَّت ضربة رمزية لحكومة نتنياهو "اليمينية-الحريدية"، لكنها من المنتظَر أن تُعزِّز جهود المعارضة الرامية لإسقاط هذه الحكومة على المدى البعيد، وتُعَدّ حَجَر زاوية لتبكير موعد الانتخابات العامة، وخُطْوة قد تقود نحو تشكُّل كتلة جديدة يمكنها أن تطيح بحكم نتنياهو وحزب "الليكود"، وكل ذلك من النواحي النظرية.
وعلى الرغم من الآمال المنعقدة على استقالة غانتس وحزبه، بَيْد أن الطريق تبقى طويلة أمام ظهور بوادر التغيير الحقيقي؛ إذ يحتفظ ائتلاف نتنياهو عقب الاستقالة، بعدد نواب يبلغ 64 من بين 120 نائباً، يُمكِّنه من الاستمرار، والتصدي لمقترَحات سحب الثقة المحتملة من جانب المعارضة، كما أن فرص سقوط تلك الحكومة بشكل مباشر متأثرة بموجة الاستقالات تبقى بعيدة المنال، في وقت كان انضمام غانتس للائتلاف بالأساس حدثاً عارضاً، وكان قد تعهد وقت انضمامه قبل ثمانية أشهر بالعودة إلى المعارضة عقب نهاية الحرب.
ما قبل استقالة غانتس
تجدر الإشارة إلى أن استقالة غانتس وحزبه جاءت بعد 3 أسابيع من إنذار وضعه زعيم الحزب الوسطي أمام نتنياهو، حدد خلاله عدداً من الشروط للبقاء منها: تغيير آليات اتخاذ القرارات، وتعديل خُطط العمل بشأن حرب غزة، وتدمير سلطة حماس، ونزع سلاح القطاع، وتشكيل قوة دولية للإدارة المدنية هناك، وتبني رؤية جديدة بشأن الخدمة العسكرية.
وأراد غانتس وحزبه من وراء هذا الإنذار دفع نتنياهو نحو بناء شراكة منطقية وجادّة وإعادة الثقة مع شركاء إسرائيل الإستراتيجيين، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، والكفّ عن السياسات التي توشك أن تشعل الضفة الغربية أيضاً، وإعادة الأسرى عَبْر صفقة مع حماس.
وبرز غانتس بشكل كبير كمرشح محتمل لخلافة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومنحته غالبية استطلاعات الرأي التي أُجريت طوال الشهور الثمانية الأخيرة مركز الصدارة، بشأن سؤال "مَن الأجدر برئاسة الحكومة الإسرائيلية؟"، وظل هذا التقدُّم حاضراً حتى الأسبوع الأخير قبل استقالته.
ومنذ انضمامه إلى الائتلاف عقب بَدْء حرب غزة، نظرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى غانتس على أنه الشخص المحتمل الذي يمكنه أن يدعم سياساتها بالمنطقة، ويتوافق مع رؤية الحزب الديمقراطي الرامية لوقف الحرب وبَدْء ترتيبات نحو إقامة دولة فلسطينية والدخول في مسيرة تطبيع واسعة مع دول الشرق الأوسط، على عكس مكونات الائتلاف اليمينية المتطرفة، التي تُقوّض الجهود الأمريكية وتعرقل أجندتها في هذا الصدد. وبلغ التطلع الأمريكي لتصعيد غانتس للسلطة ذروته في أيار/ مايو 2024، حين أفادت تقارير إعلامية بأن غانتس أصبح بمثابة المبعوث الأمريكي داخل الحكومة الإسرائيلية.
مغزى الاستقالات
تحمل استقالةُ غانتس ونواب حزبه مغزًى مهماً في الوقت الراهن، وتُعَدّ محركاً لخطوات تالية قد تصبّ في اتجاه زعزعة استقرار حكومة بنيامين نتنياهو أو سقوطها مستقبلاً. في المقابل، يستطيع هذا الائتلاف مواصلة عمله بنفس الوتيرة مع احتفاظه بعدد النواب الذي يُمكّنه من البقاء، أي 64 نائباً، وهم نواب ينتمون في المجمل للحزبين المتشددين دينياً "شاس" و"يهدوت هاتوراه"، وللأحزاب الممثلة لتيار الصهيونية الدينية "الصهيونية الدينية" و"عوتسما يهوديت"، أو الأصولية الممثلة في حزب "نوعام"، إضافة إلى حزب "الليكود" اليميني الحاكم، إلا أن هناك دلالات لهذه الاستقالة أهمها:
أولاً: تحافظ استقالة غانتس على صورته أمام جمهور ناخبيه، والذين يرون طوال الشهور الأخيرة أنه الأجدر بمنصب رئيس الوزراء، ومن ثَمّ سيظهر أمام الجمهور على أنه يتمتع بمصداقية كبيرة، بعد أن هدَّد نتنياهو بالاستقالة، ونفذ تهديده في التوقيت المناسب، ومن ثَمّ قد ترفع الخُطوة من شعبيته وهو ما سيظهر في استطلاعات الرأي المقبلة بشكل محتمل.
ثانياً: تتزامن استقالة غانتس وعودته إلى جناح المعارضة مع خُطوة نوعية يباشرها زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" الليبرالي اليميني، أفيغدور ليبرمان، منذ أواخر أيار/ مايو، تتعلق ببناء كتلة "يمينية-وسطية"، بالتعاون مع النائب المستقيل من الائتلاف جدعون ساعر، وزعيم المعارضة يائير لابيد، وتشكيلهم لغرفة عمليات مشتركة؛ تهدف إلى منافسة حزب "الليكود" خلال الانتخابات المقبلة، ووضع حدّ لسلطته الممتدة، وكان ليبرمان قد دعا غانتس إلى الاستقالة من الحكومة والانضمام إليه.
ثالثاً: استقالة غانتس من الحكومة في هذا التوقيت تمنحه المساحة للنأي بنفسه عن الاتهامات الموجهة حالياً للحكومة والمستوى السياسي، وتلك التي ستظهر لاحقاً، بشأن الأداء خلال الحرب على قطاع غزة. وفي الوقت الذي لم يكن غانتس جزءاً من الحكومة إبان هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 على المستوطنات، إلا أنه أصبح جزءاً من الحكومة عقب الحرب، ومن ثم يُفترض أن يواجه الاتهامات ذاتها التي يواجهها نتنياهو، ومن ثَمّ تمنحه الاستقالة مساحة للمناورة، وقد يظهر على أنه عارض أداء الحكومة وقراراتها خلال الحرب ولذلك استقال.
الآثار المترتبة على الاستقالات
كما ورد آنِفاً لن تؤدي استقالة غانتس وحزبه إلى السقوط المباشر لحكومة نتنياهو، بل على العكس، تصبّ تلك الاستقالة في مصلحة أحزاب اليمين المتطرف والصهيونية الدينية التي ستزيد سطوتها على قرارات نتنياهو. بَيْد أن الاستقالات ربما تمهد الطريق لحَراك سياسي إضافي يقود إلى صعوبة بقاء تلك الحكومة. السيناريو الذي يرجح صعوبة السقوط يستند أيضاً إلى عدم امتلاك أي من مكونات الائتلاف مصلحة لتفكيكه، بفعل المزايا التي يحصل عليها كل حزب، عدا مناوشات سياسية تتعلق بقانون التجنيد الداعي لإلحاق أبناء القطاع المتشدد دينياً بالجيش، والتي ربما تقود إلى خلافات تصل إلى انسحاب أحد الحزبين الحريديين أو كليهما إن لم يحدث توافُق، بناء على ذلك، يمكن القول بأن الاستقالات يمكن أن تؤثر وَفْق ما يلي:
أولاً: تعزز استقالة غانتس جناح المعارضة وتُقوي شوكة الحَراك الاجتماعي المُعارض لسياسات نتنياهو وتوفر له المزيد من الزخم، بعد أن سلب غانتس الفرصة من نتنياهو وحكومته للزعم أمام العالم بأنها حكومة وحدة وطنية تضم مكونات عديدة. وتترك الاستقالات الحكومة بطابعها اليميني المتطرف والمتشدد دينياً لتواجه انتقادات من الداخل والخارج بالنسق الذي كانت عليه قبل الحرب.
ثانياً: سوف يفتح الباب أمام احتمال انضمام حزب جديد من الأحزاب المطروحة إلى حكومة نتنياهو، ولا سيما احتمال عودة حزب جدعون ساعر إلى الائتلاف، أو جنوح ليبرمان عن فكرته الأساسية الخاصة بإسقاط "الليكود"، وانضمامه للحكومة تحت أي ذريعة أو مقابل عرض سياسي سَخِيّ، كل ذلك سوف يعني صفعة حادة للخطوة التي أعلنها غانتس وحزبه، ستفرغها من مضمونها، ما يعني أن نتائج استقالة غانتس غير قائمة بذاتها وتتطلب تطوُّرات أخرى.
ثالثاً: خطابات الاستقالة الخاصة بغانتس وشريكه أيزنكوت، التي نشرها الإعلام العبري نصَّت على أنهما على استعداد للعودة إلى الساحة حال تشكلت حكومة وحدة وطنية تخدم مصالح جميع القطاعات، ما يعني أنهما تركا الباب مفتوحاً لإمكانية العودة، كما طغى على هذه الخطابات لغة تصالُحية تؤكد دعمها لما ستتخذه الحكومة من "قرارات صحيحة"، ومن ثَمّ بدا أن غانتس وشريكه أمسكا بالعصا من المنتصف تحسُّباً للتطورات التي ستشهدها الفترة المقبلة.