دلالات الهجوم على المديرية العامة للأمن في أنقرة ورسائله

دلالات الهجوم على المديرية العامة للأمن في أنقرة ورسائله

2023-10-13
981 مشاهدة

في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 نُفذت عملية وُصفت بأنها إرهابية استهدفت المديرية العامة للأمن التابعة لوزارة الداخلية في أنقرة. ولم يتبنَّ حزب العمال الكردستاني الهجوم الذي نفذه مهاجمان بشكل واضح، ومع ذلك فإن حزب العمال الكردستاني عادة ما لا يعلن مسؤوليته عن أي من الأعمال التي نفذها في السنوات الأخيرة تقريبًا، لذلك لا تُعتبر هذه إستراتيجية جديدة للحزب، ويحاول الحزب التخلص من وصمة "الإرهاب" عن نفسه من خلال عمليات تُنفذ عَبْر تنظيمات مختلفة تابعة له. ووفقاً لوكالة أنباء فرات (ANF) المحسوبة على الحزب، فإن هذا الهجوم نفذه فريق تابع لوحدة كتيبة "الخالدون". عملياً إذاً تبنت منظمة أخرى تابعة لحزب العمال الكردستاني الهجوم، ويمكن القول إن إستراتيجية حزب العمال الكردستاني المتمثلة في إسناد أعماله إلى منظمة واجهة أخرى بهدف حرف الأنظار عنه لم تنجح بشكل جيد.

عندما ننظر إلى صورة المهاجميْنِ، فإن النقطة اللافتة للنظر هي أنهما من سورية والعراق. علماً بأنه تم استخدام عنصر سوري في هجوم تقسيم في شارع الاستقلال في العام المنصرم أيضاً، يقوم الحزب إذاً بتجنيد أشخاص من خط سورية والعراق بدلاً من أعضائه في تركيا، ويشير هذا الوضع إلى أن الحزب فقدَ قوته ويميل إلى تجنيد أصحاب الهُوِيّة السورية أو العراقية. ويمكننا القول: إن العمليات العسكرية التركية قد أدت لانحسار أنشطة الحزب إلى المناطق الريفية في العراق وسورية.

 ولم يتم التعرف على هُوِيّة أحد المهاجمين بسبب إحراق جثته، وأعلنت وزارة الداخلية التركية أن الأخير عنصر تابع لحزب العمال الكردستاني. المحذور الأمني الذي يجب التأكيد عليه هنا، هو التكتيك الذي يستخدمه الحزب لخلق ارتباك في تحديد هُوِيّة المهاجمين، حيث يقدم الحزب معلومات كاذبة عن أسماء الأشخاص الذين نفذوا الأعمال من أجل تعطيل أنظمة تحديد الهُوِيّة.


لذلك، حتى في الهجمات التي أعلن الحزب مسؤوليته عنها، قد لا يكون المهاجمون الذين قام بذكرهم هم المهاجمين الحقيقيين. إلا أنه تم التعرف على هُوِيّة أحد المشاركين في هذا الهجوم من خلال اختبار الحمض النووي، وربما نشر الحزب بيانات كاذبة عن هؤلاء العناصر وأمثالهم بأنهم فقدوا أرواحهم في هجمات سابقة.

وحسب الأنباء، فإن المهاجميْنِ استوليَا على سيارة وقتلَا سائقها -وهو طبيب بيطري- في مدينة قيصري وجاءَا إلى أنقرة، واختبأ المنفذان في المنطقة الريفية لفترة ثم شنَّا الهجوم، ومن بين المعلومات التي تم الحصول عليها أن أحدهما استخدم قاذفة لهب روسية الصنع بمدى 1 كيلومتر، وبدأ الآخر الهجوم بمسدس كولت.

لم يُسفر هذا الهجوم عن خسائر مادية أو بشرية بفضل الإجراءات الأمنية المتخذة في الأماكن التي تم فيها الهجوم، كما أفادت الأنباء أنه تم العثور على متفجرات مختلفة في سيارة المنفذين، فلم يكن هدف المنفذين إطلاق النار بشكل محدود فقط، بل كان الهدف يشمل شنّ غارة كبيرة وشاملة.

عند تقييم الهجوم لا بد من ذكر نقطتين من حيث التوقيت؛ النقطة الأولى: تم تنفيذ الهجوم يوم افتتاح المجلس الوطني التركي الكبير. ولذلك حاول المنفذون إرسال رسالة سياسية من خلال محاولة تنفيذ هجوم في أهم شارع في أنقرة في يوم افتتاح البرلمان، أي يريد المهاجمون الإضرار بالاستقرار السياسي الداخلي في تركيا وإرسال رسالة مفادها أن معقل تركيا الأهم في وسط العاصمة تم النَّيْل منه.

 النقطة الثانية المهمة من حيث توقيت الهجوم، تتعلق بالمرحلة التي يمر بها حزب العمال الكردستاني. وكما هو معلوم لدى الجميع، فقد نفذت الحكومة التركية عمليات عديدة ضدّ حزب العمال الكردستاني ومشتقاته سواء في الداخل أو الخارج في السنوات الأخيرة، وقامت بتحييد أعضاء رفيعي المستوى في الحزب. ويريد الحزب الذي يعاني من تعثُّر خطير وتكبد خسائر مادية وبشرية، يريد أن يُظهر بهذا الهجوم أنه لا يزال قوياً وموجوداً وقادراً على تنفيذ هجمات داخل معقل الجمهورية التركية.

 وينبغي أن يُؤخذ بعين الاعتبار أن هذا الهجوم كان هجوماً انتحارياً. عادة ما يكون من الصعب جدًا على المنظمات المسلحة أن تقوم بتنفيذ عمليات انتحارية لما يعنيه ذلك من ضرورة انتقاء عناصر لديهم الإرادة والرغبة للقيام بمثل هذا الهجوم، ويحاول الحزب -الذي عانى من مشاكل كثيرة- أن يُثبت أن الولاء للحزب ما زال موجوداً لدى عناصره من خلال القيام بعمليات انتحارية؛ ولذلك يستخدم الحزب الهجوم كأداة دعائية وتحشيدية له للدلالة على استمرار انضمام مَن يتبنّون قضيته بشكل فدائي.

وأخيراً يمكن تقييم الهجوم من نقطتين في سياق السياسة الداخلية في تركيا؛ النقطة الأولى: الرسالة التي وجّهها حزب العمال الكردستاني بشأن الانتخابات البلدية التي ستُجرى في آذار/ مارس 2024، وكما هو معلوم هناك خلافات كبيرة في الرأي بين حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي الذي يُعتبر على صلة به، وفي الواقع أعلن الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرطاش، أنه ترك السياسة النشطة أثناء وجوده في السجن بسبب هذه الخلافات.

يحاول حزب العمال الكردستاني إجبار حزب الشعوب الديمقراطي على مزيد من الاقتراب منه من خلال زيادة ضغط الدولة على حزب الشعوب الديمقراطي عَبْر تنفيذ مثل هذه الأعمال المسلحة. يهدف الحزب في هذه المرحلة لدفع حزب الشعوب الديمقراطي إلى تبني نهجه القنديلي؛ ولذلك فإن حزب العمال الكردستاني يسعى لتحقيق هدف سياسي من خلال أعماله العنيفة. قبل الانتخابات المحلية يرسل حزب العمال الكردستاني رسالة إلى حزب الشعوب الديمقراطي، مفادها أنه لا يمكن لهم ممارسة السياسة دون علم قنديل، لا نعرف كيف سيردّ حزب الشعوب الديمقراطي على هذه الرسالة، ولكن يمكن القول بالتأكيد بأن هناك تياراً في حزب الشعوب الديمقراطي ممن لا يريدون أن يظلوا معتمدين ومرتبطين بشكل كامل بحزب العمال الكردستاني.

ورغم هذا الهجوم، يُلاحَظ أن الاستقرار والروتين العامّ في السياسة الداخلية التركية لا يزالان مستمرين كالعادة، فقد تم افتتاح المجلس الوطني التركي، وحضر الرئيس أردوغان الافتتاح والاحتفالات الرسمية التالية، ولم تكن هناك مشاكل أمنية؛ ولذلك نعتقد أن هذا الهجوم في أنقرة لن يؤثر سلباً على عزم الحكومة التركية لمكافحة الحزب، ويُتوقَّع أن تواصل تركيا تشدُّدها وكفاحها المستمرّ ضدّ حزب العمال الكردستاني ومشتقاته.