كتاب الأمن في البحر الأحمر: سياقات الصراع الدولي والإقليمي
2024-07-182090 مشاهدة
ارتفع شأن حوض البحر الأحمر مع الأزمات العالمية التي أدت إلى اختناقات في سلاسل التوريد والإنتاج، والتضخُّم في الأسعار، بعد جائحة كورونا وقيودها الاحترازية، تَبِعت ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، ثم حرب غزة وما رافقها من استهداف للسفن في البحر الأحمر من قِبل الحوثيين، ما دفع الكثير من السفن إلى تغيير مسارها عَبْر رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا.
بناءً على تلك الأهمية الاستثنائية، عمل مركز أبعاد على إصدار كتابه الأول "الأمن في البحر الأحمر، سياقات الصراع الدولي والإقليمي"، واحتوى الكتاب عشرة فصول تتوزّع ضِمن 470 صفحة، وطُبع الكتاب الطبعة الأولى في كانون الثاني/ يناير 2024.
تم تأليف الفصول من قِبل عدد من الخبراء والأكاديميين المنتمين في غالبهم إلى الدول المشاطئة للبحر الأحمر أو المجاورة له، في محاولة من القائمين على المركز لترسيخ حالة توطين المعرفة المحلية، وسعياً نحو إيجاد مقارَبة واقعية وعملية لمستقبل أفضل للمنطقة وأهلها، وعمومِ أصحاب المصلحة فيها، وقد قدَّم للكتاب سعادة الدكتور عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
وقد هدف الكتاب لتقديم مقارَبة موضوعية للتطوُّرات في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، باعتبارها تشهد تنافُساً إقليمياً ودولياً، وسلط الكتابُ الضوءَ على تمظهرات هذا التنافُس العسكري والاقتصادي والسياسي، في محاولة لوضع أُسُس تعايُش مستقبلية، لتحويل المنطقة إلى قاعدة للتعاون البَيْنيّ بين دول المنطقة، وبين عموم دول المنطقة من جهة، والقُوى الدولية والإقليمية من جهة أخرى؛ بدلاً من استمرارها كساحة للتنافُس والصراع الإقليمي والدولي بوسائل الهيمنة العسكرية والنفوذ السياسي والاقتصادي، وهو ما يعتقد المركز أنه ممكن التحقيق عَبْر التعاون، وذلك بما يحقق الأهداف المشتركة في النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي والتطور الاجتماعي، وتحرير شعوب المنطقة من الفقر والحروب والنزاعات، مع توظيف الموقع الإستراتيجي والموارد الطبيعية والقوة البشرية المنتِجة كموارد للتنمية والتعاون، لا منصة لإشعال وقود التنافُس السلبي بين مختلف القُوى الإقليمية والدولية، وهو ما يضمن مستقبلاً أفضل للمنطقة وشعوبها، وللتجارة العالمية وعموم القُوى الإقليمية والدولية من أصحاب المصلحة.
استعراض لفصول الكتاب:
بدأ الكتاب بالمدخل التأسيسي النظري، حيث تناول أ.د يحي عامر حاج في ورقته "البحر الأحمر: نظرة عامة على الموقع الجغرافي والأهمية الإستراتيجية" الأهميةَ التاريخيةَ للبحر الأحمر، مسلِّطاً الضوء على ثرائه بالكائنات الحية والمعادن والكنوز الطبيعية غير المستغَلّة، إلى جانب إسهام الشعوب التي تسكن شواطئه حضارياً، كما قدم د. عبد الرحمن أبو خريس مدخلاً نظرياً وموضوعياً ناقش فيه الأُطُر النظرية والمفاهيمية والمنهجية للأمن في البحر الأحمر في سياق العلاقات الدولية.
وقد ناقش أ.د. محرم حلمي أوزوف في ورقته تحليلاً مقارِناً لتحديات الأمن الإقليمي ومسارات التنافُس الدولي في البحر الأحمر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، موضحاً أن الولايات المتحدة تهتمّ بفتح ممرّات التجارة العالمية ومحارَبة القرصنة والإرهاب، بينما ينظر الاتحاد الأوروبي للبحر الأحمر في إطار الأمن الأوروبي الجماعي لتأمين طرق تدفُّق السلع، خاصة الطاقة والغاز.
وقد ناقش فصلُ د. الصادق الفقيه السياساتِ الأمنيةَ لدول البحر الأحمر، مسلِّطاً الضوء على مبادرات الأمن الجماعي بديلاً عن السياسات الوطنية، لفهم سياقات هيكل القوة الإقليمية. وتوصَّل إلى أن المبادرات الإقليمية والدولية أفلحت في إنشاء هياكل متعددة الأطراف تختصّ بأمن البحر الأحمر الجيوسياسي والإستراتيجي والاقتصادي والبيئي بشكل مبدئي، لكن من المهم تعزيزها وتطويرها لتصبح فاعلة ونواة للتعاون والتنسيق.
لمناقشة الظواهر المرتبطة "بالفواعل من غير الدولة"، تطرَّق الكتاب في فصل د. علي الذهب إلى موضوع جماعات العنف المسلح وارتباطه بالجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية في إقليم البحر الأحمر، مشيراً إلى الأسباب التي تدفع لبروز نشاطات الجريمة المنظمة مثل النزاعات والاضطرابات السياسية وغياب الديمقراطية والتدخُّلات الخارجية، وتوقَّع استمرارَ بروز بُؤَر التوتُّر والنزاعات في المنطقة، مما يتطلب جهوداً أكثر جِدّية لمعالجة أسبابها الجذرية.
يتناول الكتاب أيضاً نفوذ القُوى الإقليمية الخليجية والإسرائيلية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر، حيث ناقشت د. نجلاء مرعي التهديد الذي أفرزه التنافُس الإقليمي على أمن البحر الأحمر واستقراره ومنطقة القرن الإفريقي، مستعرِضة مآلاتِ هذا التنافُس وأَثَرَه على أمن واستقرار المنطقة.
وفي إطار مقارَبات التنافُس الدولي، ناقشت أ. بثينة الزواهرة دور كل من روسيا والصين في التنافس الدولي على البحر الأحمر، مشيرة إلى أن الدولتين تسعيان لوجود محدود حتى الآن لخدمة مصالحهما الحيوية، وتقترح اتباع سياسة الاحتواء والشراكة السياسية والاقتصادية للابتعاد عن سياسة الاستقطاب ومنع النزاع.
وقد ناقش أ. كان ديفنجي أوغلو مظاهر المنافسة بين تركيا وإيران في البحر الأحمر، كاشفاً عن دوافع وأسباب اكتساب النفوذ في المنطقة، وتداعيات سياسات الفاعلين على أمن واستقرار البحر الأحمر. كما سلط د. جمال قاسم الضوء على التطوُّرات السياسية في اليمن وأمن البحر الأحمر، مستعرِضاً توجُّهات اليمن تجاه أمن البحر الأحمر عَبْر الحِقَب السياسية المختلفة.
وفي الفصل الأخير يقدم د. مدوخ العتيبي رؤية مستقبلية لأمن البحر الأحمر واستقرار القرن الإفريقي، مستخلِصاً طبيعة التنافس والمهدِّدات بين القُوى الإقليمية والدولية في المنطقة، ومؤكداً على ضرورة تبنِّي الأُطُر التعاونية مثل الاتفاقيات متعددة الأطراف وإنشاء الآليات الإقليمية والدولية لتعزيز أمن البحر الأحمر وتنمية موارده.
يُقدِّم الكتاب في عمومه نظرة تحليلية تتناول مختلف الأبعاد والدوافع للتنافُس والصراع في منطقة البحر الأحمر بين عموم الفاعلين الإقليميين والدوليين والمحليين، مع محاولة توظيف النظرة التحليلية لاقتراح مَساقات تعاونية بين مختلف أصحاب المصلحة، على اعتبار أن ذلك يحتاج جهوداً تراكمية طويلة الأَمَد، ولا يملك أحد فيها عصا سحرية لاجتراح حلول سريعة فيها.