حرب الطاقة بين روسيا والغرب
2022-04-292123 مشاهدة
تسعى الدول الغربية منذ زمنٍ بعيد للاستغناء عن الطاقة الروسية، وتنويع المصادر الخارجية؛ عَبْر الاستيراد من عدد من الدول، وتنمية القدرات الداخلية عن طريق الاستثمار في الطاقة النظيفة. رغم هذا بقي الغاز الروسي هو المصدر الرئيسي لدول الاتحاد الأوروبي بأكثر من 200 مليار متر مكعب سنوياً، وتليها النرويج التي تقدم حوالَيْ 140 مليار متر مكعب سنوياً، تليها دول أخرى، أبرزها الجزائر بحوالَيْ 50 مليار متر مكعب سنوياً.
ومع بَدْء الغزو الروسي لأوكرانيا، بات الغاز والنفط سلاحاً روسياً في وجه الدول الغربية، حيث يُمكن أن يؤدي قطع الإمدادات لأزمة ضخمة لدول أوروبا، واشترطت روسيا دفع ثمن الطاقة بالروبل الروسي، ونفذت عمليات قطع للإمدادات تجاه الدول التي لم تستجب؛ فقامت بإيقاف إمداداتها إلى كل من بلغاريا وبولندا، ويتوقع أن تشكل هذه الخطوة أزمة كبيرة لهاتين الدولتين وللدول الأوروبية الأخرى التي تحصل على الغاز عَبْر هاتين الدولتين اللتين تمر أنابيب الغاز الروسية عَبْرهما، إضافة إلى أوكرانيا التي تخوض حرباً في وجه روسيا؛ مما يهدد بأزمة الطاقة خلال الشتاء المقبل.
يُغذي أنبوب الغاز المارّ عَبْر بولندا كلاً من هولندا وبريطانيا بشكل رئيسي، وهما دولتان قادرتان على الاستغناء عن الغاز الروسي بشكل سريع، حيث أعلنت المملكة المتحدة فعلياً عزمها عن الاستغناء عن الغاز الروسي مع نهاية 2022، كما تُعتبر هولندا مصدراً رئيسياً للغاز.
كما يُغذي أنبوب الغاز المارّ عَبْر بلغاريا كلاً من إيطاليا وسويسرا، وتُعَدّ الثانية مستورداً للغاز الروسي بكميات قليلة للغاية يمكن الاستغناء عنها على الفور، بينما تستورد إيطاليا قُرابة 25 مليار متر مكعب من روسيا سنوياً، ويُتوقَّع أن تستبدل إيطاليا هذه الكميات بأخرى من الجزائر وليبيا والولايات المتحدة، فيما يتوقع أن تحافظ على استيراد حوالَيْ 12 مليار متر مكعب من روسيا خلال العام المقبل، وتتناقص تدريجياً في السنوات الخمس المقبلة.
وتُعتبَر ألمانيا أكبر المتأثرين بإشهار سلاح الطاقة في وجه الغرب؛ حيث تعتمد على الغاز الروسي بقُرابة 40% من إجمالي الواردات، كما تستورد ثلث احتياجاتها النفطية من روسيا؛ إضافة لنصف وارداتها من الفحم. هكذا فإن ألمانيا -أكبر اقتصادات الدول الأوروبية- تُعتبَر دولةً على خطّ الاشتباك في معركة الطاقة.
على المدى القصير يُتوقَّع أن تزيد ألمانيا وارداتها من النرويج وهولندا، ولكن هذا الخيار يعني أن النرويج يجب أن تزيد من طاقاتها الإنتاجية التي وصلت أصلاً لحدودها القصوى، ولن تكون الاستجابة كبيرة في المدى القصير، بينما تحتاج هولندا لزيادة إنتاجها من حقل "خرونكن"، وتتراجع عن تعهُّداتها للسكان بالتخلي عنه جزئياً لأسباب تتعلق بتأثيرات متوقعة نتيجة التنقيب.
وفي مجال النفط يُتوقَّع أن تعتمد ألمانيا أكثر على الولايات المتحدة وبعض دول الخليج، ولكن السنوات الخمس المقبلة ستكون صعبة بالنسبة لألمانيا، حيث إن قدراتها على الاستغناء عن الغاز الروسي بشكل كبير لن تتحقق قبل هذه المدة، فخلال خمس سنوات يمكن أن تزيد ألمانيا من قدرتها على الإنتاج المحلي للطاقة عَبْر إدخال مزيد من مشاريع الطاقة المستجدّة وإعادة تشغيل المفاعلات النووية الثلاثة التي أعلنت الاستغناء عنها في وقت سابق مما يجعل الحكومة في مواجهة الأطراف الضاغطة لإغلاق هذه المفاعلات.
الاستغناء التدريجي عن الطاقة الروسية سيُخفِّض من إيرادات روسيا المالية، وستُضطرّ روسيا للبحث عن مستوردين آخرين يشترون منتجاتها، ولكن الاستغناء عن الطاقة الروسية غالباً ما سيرافقه عقوبات تقوّض من قدرة روسيا على تسويق منتجاتها.
هكذا؛ في المدى القصير فإن سلاح الطاقة الروسي الموجَّه نحو الدول الغربية قد يبدو ناجعاً ويصبّ في مصلحة روسيا، إلا أنه سلاح غير مستدام، ويفقد ذخيرته ما دام مستخدماً، ولن يكون مفيداً على المدى المتوسط والطويل، وبالتالي فإن على روسيا أن توازن بين استخدامه لفترة قصيرة وإعادته إلى غمده للاستفادة منه في المستقبل أو استخدامه لفترة قصيرة وفقدانه على المدى المتوسط والبعيد.