إيران وخياراتها الصعبة بعد اغتيال "نصر الله"

إيران وخياراتها الصعبة بعد اغتيال "نصر الله"

2024-09-30
238 مشاهدة


مع تصاعُد الاغتيالات التي استهدفت قادة "حزب الله" اللبناني، نجحت "إسرائيل" مساء الجمعة 27 أيلول سبتمبر 2024 في اغتيال "حسن نصر الله" الأمين العام للحزب، لتدخل "إيران" إثر ذلك في تحدٍ كبير؛ بما يملكه "نصر الله" من دورٍ ورصيد في توسيع نفوذ المشروع الإيراني في المنطقة، وبما يتركه موته من أثر مباشر على الحزب الذي بناه "الحرس الثوري الإيراني" في ثمانينيات القرن العشرين ليكون الذراع الطويلة له في الشرق الأوسط، والممثل الأهم في إستراتيجية إيران الإقليمية ومشروعها الجيوسياسي.

اعتمدت "طهران" على الحزب جسراً لمشروعها إلى ساحات النفوذ الخمس، لبنان وسورية واليمن والعراق وفلسطين، ومن خلاله هيمنت على جزء واسع من القرار السياسي والأمني والاقتصادي في هذه الساحات، وكان الحزب بقيادة "نصر الله" مهندس هذا التوسع الإيراني في كثير من الأحيان، فهو الذي أنشأ الوكلاء ودربهم في هذه الساحات، وأصبح في موقع مؤثر ومتحكم في معادلة السلطة والموارد، مما جعل إيران قوة إقليمية مؤثِّرة في التفاعُلات السياسية والأمنية التي تجري في المنطقة.

خلال الأشهر الأربعة الماضية تلقى الحزب ضرباتٍ تكاد تكون أكبر مما شهده خلال العقود الأربعة الماضية، كان أخطرها عليه فَقْد عدد كبير من قادته وعلى رأسهم أمينه العام، الأمر الذي جعل الحزب ذاته ثم الاستثمار الإيراني على مستوى المنطقة بأكملها في خطر حقيقي. ونستطيع القول: إنه فعلياً تسارعت الأحداث على المشروع الإيراني في أسابيع، لتمثل ما قاله الزعيم السوفياتي "لينين": "هناك عقود لا يحدث فيها شيء، وهناك أسابيع تحدث فيها عقود".

لكن؛ ورغم خطورة ما حدث، فإنَّ اغتيال "نصر الله" لن يجبر "إيران" على تغيير مسارها، وسوف تواصل التصعيد ضد "إسرائيل"، وستعمل على مسارين اثنين، المسار الأول: إحياء "حزب الله" من جديد، وخلق منظومة اتصال آمنة مع قيادته الجديدة، تتمكن بها من تهيئته عسكرياً وأمنياً. والمسار الثاني: ترك مساحة الرد على عملية اغتيال "نصر الله" لوكلائها في العراق وسورية واليمن، على ألا يدفع الرد باتجاه حرب مفتوحة لا تريدها "إيران"، وتحديداً المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي".

تشهد بيئة صنع القرار في إيران اليوم انقساماً حاداً، بين طرف يدعو للرد وبشكل مؤثر، وهو رأي الحرس الثوري والتيار المحافظ، ورأي يدعو للإبقاء على سقف التصعيد ضمن المستوى الحالي، وعدم الانجرار وراء رغبة "إسرائيل" نحو الحرب، من أجل ألا يؤثر ذلك على جهود العودة للمفاوضات النووية[1]، وهو رأي الرئيس الإيراني "مسعود بزشكيان" وأعضاء بارزين في حكومته، في مقدمتهم مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية "محمد جواد ظريف" ووزير الخارجية الإيراني "عباس عراقجي".

وفي خضمّ هذا الانقسام، يمكن الجزم بترجيح عدم ذهاب "إيران" إلى خيار شنّ هجوم مباشر وكبير على "إسرائيل"، والدخول في مخاطرة الحرب الشاملة، بما في ذلك مع "الولايات المتحدة"، للانتقام لزعيم عربي، خصوصاً أنَّ "طهران" لم تخاطر بمثل هذه المخاطرة حتى بعد مقتل قائد "فيلق القدس" "قاسم سليماني"، فالأولوية بالنسبة لها بقاء النظام والوصول للأهداف.

ومع ذلك، فإن سلوك "إيران" في الرد على "إسرائيل" و"الولايات المتحدة"، وتحديداً بعد اغتيال "سليماني"، أصبح معقداً للغاية، إذ تشن هي ووكلاؤها هجمات بفعالية عالية عندما لا ينتبه خصومها، كما حدث في عملية "طوفان الأقصى" صباح 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في مقابل ذلك أثبتت الهجمات الصاروخية الإيرانية على "إسرائيل" في 14 بيسان/ إبريل 2024 رداً على قصف القنصلية الإيرانية في "دمشق" أنه عندما يكون أعداؤها في حالة تأهُّب قصوى، وعلى استعداد للردّ على نطاق واسع، فإن خيارات "طهران" تكون أكثر محدودية.

إن المرشد الأعلى "خامنئي" -وهو البالغ من العمر 85 عاماً- ليس زعيماً في زمن الحرب، فهو يحكم البلاد منذ عام 1989، ومن الواجب عليه الآن أن يهيئ مساراً آمناً لخلافته ولمستقبل البلاد، وليس محاولة خوض حرب عسكرية ومالية عالية التقنية ضد "إسرائيل" و"الولايات المتحدة".

إجمالاً، يمكن القول: إنَّ "خامنئي" والحرس الثوري أصبحوا اليوم في مأزق إستراتيجي من صنع الدور الإيراني في المنطقة، إذْ إنْ عدم الاستجابة بقوة لاغتيال "نصر الله" ومن سبقه من جنرالات الحرس الثوري، وعدم الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "إسماعيل هنية"، سيجعلهم يواصلون فقدان الهيبة أمام الحلفاء والأعداء، وفي نفس الوقت فهم غير قادرين على الاستجابة بقوة مفرطة تجعل "إيران" هدفاً مباشراً، كما هددت "إسرائيل" بذلك على لسان رئيس أركانها "هرتزي هاليفي"[2].

إن اغتيال "نصر الله" حدث ضخم، وربما كان مفاجئاً، على أنَّ مراقبة آثاره وتداعياته وتقييمها قد يستغرق سنوات، بينما يبقى مفتاح التغيير في الشرق الأوسط قائماً على التغيير في سلوك "إيران"، وليس في سلوك حلفائها أو أذرعها، إذ طالما استطاعت المحافظة على سلوكها بشكله الحالي، فإنَّها ستكون قادرة على إدامة أدوار حلفائها، حتى إنْ تراجع دور الحلفاء لبعض الوقت، وهي ستعمد ليكون "نصر الله" على أهميته فترة زمنية في تاريخ الحزب، بينما تعمل على إنتاج قيادة جديدة، تعمل على خدمة أجندتها الإقليمية في المرحلة المقبلة.

 

الهوامش:

[1] رسول آل حائي، كيف تقرأ إيران اغتيال نصر الله وما السيناريوهات القادمة؟ الجزيرة نت، 28/09/2024. الرابط

[2] الجيش الإسرائيلي: مستعدون لصراع أوسع وقواتنا في حالة تأهب قصوى، الشرق الأوسط، 28/09/2024. الرابط