الصين تسعى لتحقيق النمو في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية
2023-08-081229 مشاهدة
قدم المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2022 تلميحاً مثيراً للاهتمام مفاده أن إدارة بكين للشؤون الخارجية تشهد تغييراً في توجُّهاتها.
وقد تجنب الرئيس شي جين بينغ في خطابه أي ذكر لـ "نوع جديد من العلاقات القوية"، وهو مفهوم كان يستخدمه بشكل متكرر في النسخ السابقة من المؤتمر الحزبي عند الإشارة إلى النهج الذي يفضله في العلاقات مع الغرب بقيادة أمريكا، ويظهر هذا الإغفال المتعمد أن بكين قررت أن العلاقة المتوترة مع الدول المتقدمة ستستمر، مع وجود احتمال ضئيل للتحسن.
إن تدهور العلاقات الصينية الأمريكية، والتشديد على إمكانية وصول الشركات الصينية إلى الأسواق الأمريكية والأوروبية، قد دفع القادة الصينيين لإعادة النظر في نهجهم تجاه الشؤون الخارجية، والبحث في مكان آخر عن مصادر للنمو الاقتصادي، ونتيجة لذلك سارعت بكين في حملتها الدبلوماسية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.
المبادرات العالمية الثلاث:
أكد شي على أن الصين يجب أن تتوسع في علاقاتها مع النصف الجنوبي من الكرة الأرضية من خلال مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي بالإضافة إلى مبادرة الحضارة العالمية.
إن المبادرات العالمية الثلاث تتضافر في مجتمع يشترك بمصير واحد وفق ما يقوم الرئيس شي بتقديمه كبديل للنظام الدولي القائم على القواعد التي وضعها الغرب، والهدف من ذلك هو إعادة تشكيل أجندة الحوكمة العالمية في المنتديات متعددة الأطراف، وإبراز تأثير بكين على العالم النامي، ومع ذلك لا تزال أجزاء كبيرة من العالم تحاول معرفة ما تنطوي عليه تحرُّكات الصين الأخيرة.
لقد تفاجأ المجتمع الدولي عندما تمكنت بكين من التوسط لإنشاء علاقات سلمية بين الخصمين الدبلوماسييْنِ اللذين تمتد خصومتهما لفترة طويلة من الزمن؛ إيران والسعودية، وبينما ركزت الصين تقليدياً على الانخراط الاقتصادي في الشرق الأوسط، أظهرت مؤخراً استعداداً أكبر للانخراط في التوسط في النزاعات الإقليمية، ويعكس الاتفاق الذي تم التوصل من خلاله إلى تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران في شهر آذار/ مارس 2023 تزايُد مشاركة الصين في السياسات الإقليمية، والذي يعززه الاعتقاد في الشرق الأوسط بأن الصين محايدة وقوة كبيرة بما يكفي لمحاسبة إيران والسعودية إذا فشلتا في احترام الاتفاق، ويأتي الانخراط الصيني في شؤون الشرق الأوسط بالتزامن مع تراجُع الوجود الأمريكي.
كانت بكين تتمتع مسبقاً بنفوذ كبير في إيران كمستثمر رئيسي وشريك اقتصادي لا غنى عنه، ففي عام 2021، وقّعت إيران والصين برنامج تعاوُن لمدة 25 عاماً، والذي ينص على أن تستثمر الصين ما يصل إلى 400 مليار دولار في الاقتصاد الإيراني مقابل إمدادات مضمونة من النفط، وقد جاء هذا في الوقت الذي كانت إيران فيه ترزح تحت تأثير العقوبات الغربية، وأتى بالتزامن أيضاً مع تجربة الرياض لعلاقة متوترة مع واشنطن بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان ورفضها لتحقيق استقرار أسعار النفط، فاستغلت الصين الفرصة لتعزيز موقعها في المنطقة.
سلام غير مستقرّ
لكن مهمة صانع السلام شاقة، وستتطلب براعة دبلوماسية وخبرة إقليمية حقيقية ومسؤولية أكبر إذا أرادت بكين الحفاظ على مثل هذا "السلام غير المستقر"، ويبقى أن نرى ما إذا كان بإمكان الصين أن تصبح لاعباً إقليمياً رئيسياً على المدى الطويل.
في السياق الأوسع للنصف الجنوبي من العالم (أو ما يسمى بدول العالم الثالث)، أدت العواقب الاقتصادية لجائحة كوفيد وغزو روسيا لأوكرانيا إلى تقويض الانتعاش الاقتصادي للدول النامية، في الوقت نفسه مع دفع الصين مرة أخرى لتعزيز علاقاتها مع هذه الدول لا ترى تلك الدول الموجودة في جنوب العالم الحرب في أوكرانيا بنفس منظار الشروط الأخلاقية الصارمة التي ينظر من خلالها الغرب إلى تلك الحرب، وقد يكون التأكيد على الأمن الطاقوي والغذائي في الورقة الصينية الأخيرة حول أوكرانيا قد لاقى ترحيباً من البلدان النامية التي تعاني من الآثار الاقتصادية السلبية للحرب.
في الوقت نفسه، تقترح بكين توسيع مجموعة البريكس، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، التي كان يُنظر إليها في السابق على أنها رابطة فضفاضة للاقتصادات الناشئة المتباينة، وتعتبر بكين نفسها الزعيمة المفترضة للمجموعة وتودّ أن ترى عضوية موسَّعة تُحوّلها إلى تحالُف صديق للصين باستثناء الهند.
على الرغم من الخلافات بين أعضاء البريكس، فقد لُوحظ أن لديهم قواسم مشتركة أكثر مما توقعه المجتمع الغربي المرتبط ببعضه إستراتيجياً، حيث إن أعضاء البريكس جميعاً يرون أن عالماً متعدد الأقطاب هو أمر مرغوب فيه، ونتيجة لذلك فمن المتوقع أن يلعب الجميع دوراً أكثر نشاطاً في تحديد النظام العالمي الحالي بالإضافة إلى زيادة نفوذهم للتعامل مع الولايات المتحدة.
وللحفاظ على كل هذه المبادرات الجديدة التي تستهدف دول العالم في القسم الجنوبي من الكرة الأرضية، سيتعين على الصين الحفاظ على مستوى مناسب من النمو الاقتصادي وإظهار التطور الدبلوماسي، وسط تباطُؤ النمو والضغط المتجدِّد من الغرب، سيتم اختبار قدرة الصين على تقديم هذه المبادرات الرائدة.
ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر: ( تشاتام هاوس)