المرتزقة الروس يُزيحون فرنسا من وسط إفريقيا
2023-03-311429 مشاهدة
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تحقيقاً عن الوجود الروسي في إفريقيا، وخاصة جمهورية إفريقيا الوسطى وبعض دول الساحل الإفريقي. ويركز التحقيق على برامج الدعاية التي تقوم بها مجموعة "فاغنر" هناك لكسب المجتمعات المحلية والسلطات الحاكمة في نفس الوقت، والآليات التي تعتمدها المجموعة لتعزيز وجودها ونفوذها هناك، وكيف انعكس هذا النفوذ على السياسات الخارجية لهذه الدول.
وفيما يلي النص الكامل للتقرير من ترجمة مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية:
يستعرض الكاتب جاستن لينغ مشهداً من الفيلم الروسي "السائح الروسي"، والذي تم إنتاجه عام 2021. فخلال الفيلم يقول البطل (بامير) لطاقمه المكوّن من المدربين العسكريين: "بالنسبة لأولئك الجدد منكم هنا، تعد جمهورية إفريقيا الوسطى بلداً مليئاً بالفرص، وكل شخص لديه إمكانية العودة"، "اغتنموا الفرصة قبل فوات الأوان".
بامير وعشرات من مواطنيه الروس موجودون في البلاد في مهمة تدريبية لمساعدة الحكومة المحاصرة على استعادة السيطرة في الدولة التي مزقتها الحرب الأهلية. وتُظهر مجريات الفيلم أن هناك مؤامرة تجري دون علم الروس، يتآمر فيها رئيس سابق ووسيط أوروبي شرير وكاهن كاثوليكي جشع لشن انقلاب ضد الحكومة، لكن الروس يقفون في طريقهم، لذا فإن الأوروبيين الناطقين بالفرنسية يدعمون ميليشيا لمهاجمة القاعدة الروسية.
وفي الفيلم يقول الفرانكفوني: "نحن بحاجة إلى نصر صغير سنقوم بتعميمه في جميع أنحاء العالم عن طريق وسائل الإعلام". وقد قال محذِّراً: "الروس يعرفون كيف يقاتلون- ولسوء الحظ، يفعلون ذلك بشكل جيد".
ثم يشن المسلحون هجومهم على القاعدة الروسية، لكن الروس "الشجعان" يقومون بإحباطه بمفردهم تقريباً، لتخرج خطة مدبري الانقلاب لتعطيل انتخابات الدولة الوليدة عن مسارها، ويعود الروس إلى ديارهم، بينما يعود بعضهم لاحقاً لمواصلة مساعدة الحكومة في محاولة الحفاظ على سيطرتها.
كفيلم، يبدو "السائح الروسي" وكأنه رد مباشر على الفيلم الشوفيني "أمريكانا أوف رامبو 2" أو فيلم "توب غان-البندقية الأفضل". لكن الفيلم أكثر من مجرد مادة للتسلية. فممول الفيلم هو أحد أقوى الرجال في روسيا، يفغيني بريغوزين (Yevgeny Prigozhin)، والموضوع هو شركته من المرتزقة، مجموعة "فاغنر".
أصبح بريغوزين وجيشه الشخصي شبه الخاص امتداداً للدولة الروسية. وتنشط جماعة فاغنر من سورية، حيث قام مرتزقته بتعذيب وقتل مدنيين بوحشية، إلى أوكرانيا، حيث حققت قواته بعض التقدم العسكري الروسي الوحيد في الأشهر الأخيرة، إلى إفريقيا الفرانكفونية، حيث كسب بعض الحلفاء النادرين بالنسبة لموسكو المعزولة بشكل متزايد.
تسبب البصمة العالمية المتنامية لمجموعة "فاغنر" في حدوث بعض القلق في العواصم الغربية. ولكن في عدد متزايد من الدول الإفريقية، حيث تحل روسيا محل تلك القوى الاستعمارية القديمة كشريك موثوق به.
وقالت لويزا لومبارد (Louisa Lombard)، الأستاذة في الأنثروبولوجيا بجامعة ييل: "جمهورية إفريقيا الوسطى لا تحظى بالكثير من الاهتمام". "لكن الاهتمام الذي تحصل عليه هذه الأيام يتعلق بالكامل بالروس وفاغنر".
درست لومبارد وكتبت على نطاق واسع عن الصراع في الجمهورية. وقالت: "هذا بلد لديه أكثر من اثنتَيْ عشرة مهمة حفظ سلام منذ منتصف التسعينيات"ـ وانطلقت أكبر تلك البعثات في عام 2014.
وقالت لومبارد: "على الرغم من الوجود الغربي لكثير من الدبلوماسيين وبُناة السلام الدوليين - لم يشهد سكان إفريقيا الوسطى تحسُّناً حقيقياً في وضعهم". "في الواقع، لا يزال عدد النازحين الآن نفس عددهم في أي وقت سابق؛ والذي كان يساوي إلى حد ما ربع عدد السكان خلال هذه الفترة بأكملها، كما لم يتحسن الأمن الغذائي، ونادراً ما تفتح المدارس أبوابها، وكل هذه المشاكل لا تزال قائمة لأبناء جمهورية إفريقيا الوسطى".
هذا الوضع يفتح مجالاً لموسكو تستطيع التحرك من خلاله. وقالت لومبارد: إن جمهورية إفريقيا الوسطى "كانت نوعاً من أنواع حقول التجارب للروس، ومكاناً لتجربة أشياء مختلفة هناك".
ظاهرياً مجموعة "فاغنر" موجودة في المنطقة لتحقيق الأمن في منطقة الساحل لتحقيق النجاح حيث فشلت فرنسا والأمم المتحدة.
كما هو الحال في عمليات الانتشار السابقة للمجموعة في سورية وليبيا وأماكن أخرى، تدعي شركة "فاغنر" - والشركات التابعة لها - أنها تقاتل الجماعات المتمردة، وتبني القدرات الأمنية المحلية، وتنفذ مساعدات إنمائية. وهي تنفذ هذه المهامّ في المنطقة منذ عام 2017 تقريباً.
"فاغنر" محقّة قليلاً في تقييمها الوردي لعملها في إفريقيا، فرغبتها في القيام بعمليات خطيرة - لا سيما بالشراكة مع المجالس العسكرية التي تحكم مالي وبوركينا فاسو - تكسب التأييد المحلي.
وقد أشارت جمهورية إفريقيا الوسطى إلى خططها لتكون مستورداً دائماً للحبوب والمواد الغذائية الروسية. كانت الجمهورية واحدة من 14 دولة فقط صوّتت ضدّ قرار الأمم المتحدة لعام 2022 الذي يدعو روسيا إلى دفع تعويضات الحرب لأوكرانيا. وخلال زيارة قام بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، تعهد وزير خارجية مالي بتعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين - وانتقد الجهود الغربية لفرض عقوبات على روسيا. عندما جلب انقلابٌ فصيلاً عسكرياً جديداً إلى السلطة في بوركينا فاسو الخريف الماضي، وسط تصريحات قلق من الولايات المتحدة وفرنسا، نشر بريغوزين بياناً يهنئ فيه مدبري الانقلاب ونضالهم ضد "المستعمرين الذين سلبوا الشعب حريته".
ومع خروج فرنسا من المنطقة، أدت مغازلة روسيا الناجحة لمنطقة الساحل إلى توسيع تكتلها غير الليبرالي من البلدان التي تعمل كشركاء تجاريين وزملاء دبلوماسيين لموسكو المعزولة.
في عام 2013، أقرّت الأمم المتحدة حظر أسلحة على جمهورية إفريقيا الوسطى، بسبب احتجاجات من الحكومة في العاصمة بانغي. وقال ليشنر: "كانت حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى في موقف ضعيف للغاية، وكانت تبحث عن الموافقة على شراء الأسلحة". وبعد وقت قصير من وصول قوات "فاغنر" إلى البلاد، بدأت موسكو في التحريض من أجل تخفيف الحظر، حتى نجحت في ذلك عام 2020.
وقالت لومبارد: ثم تتدخل روسيا وتقول: "نحن نعرف ما تريدون؛ إنكم تريدون سلاحاً، تريدون مساعدة عسكرية مباشرة، أليس كذلك؟ ويقول سكان إفريقيا الوسطى: "نعم بالضبط. هذا هو بالضبط ما نريده. نريد أن نكون قادرين على الخروج والقتال ودحر الجماعات المسلحة مرة واحدة وإلى الأبد. "وهذا ما وعدت به روسيا، وهذا ما قدمته روسيا بالفعل".
بعد فترة وجيزة، تم إرسال طائرات نقل روسية مليئة بالأسلحة إلى الجمهورية. ظهرت طائرات إليوشن IL-76 نفسها أيضاً في انقلاب العام الماضي في بوركينا فاسو، محملة بطائرات هليكوبتر هجومية وطائرات مقاتلة.
تم اعتراض شحنات المعدات العسكرية الروسية إلى الكاميرون، والتي من المحتمل أن تكون متجهة إلى دول أخرى في المنطقة، في عام 2021. وصلت شحنة كبيرة من البضائع العسكرية إلى مالي في وقت سابق من هذا العام. الكرملين لا يقوم فقط بتصدير المعدات، بل يقوم أيضاً بإرسال عدد كبير من الموظفين.
وتُظهِر الصور المنشورة على قناة "فاغنر" في تطبيق Telegram مقاتلاً من المجموعة وهو يُهدي ساعة لضباط الشرطة المحليين في بانغي، وتحمل الساعة اسم وشعار اتحاد الضباط من أجل الأمن الدولي، وهي شركة تُستخدم، وفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، "لإخفاء زيادة موظفي مجموعة فاغنر العاملين في جمهورية إفريقيا الوسطى". وقد قامت الحكومة الأمريكية بفرض عقوبات على الشركة في شهر كانون الثاني/ يناير.
وهناك مجموعة أخرى خاضعة للعقوبات هي "سيوا للخدمات الأمنية" (Sewa Security Services)، "لتوفير غطاء شرعي لوجود أفراد مجموعة فاغنر" في جمهورية إفريقيا الوسطى، وفقاً لوزارة الخزانة.
الحكومة المحلية تشيد بالأنشطة الروسية في المنطقة. فقد وجّه رئيس وزراء جمهورية إفريقيا الوسطى، فيليكس مولوا، الشكر والثناء للمدربين في موسكو والروس خلال مقابلة مع المذيعين الروس خلال زيارة إلى سان بطرسبرج في كانون الثاني/ يناير. وقال: "الناس يطلبون المزيد من الوجود الروسي".
في كل مادة صادرة ومؤيدة لفاغنر، يظهر بوضوح مَن هم الأشرار. ففي إحدى الرسوم الكاريكاتورية، التي نُشرت على نطاق واسع على الإنترنت، يجلس رجل بمفرده على طاولة مطبخه. ومن صدع في ألواح الأرضية، يظهر جرذ - يرتدي خطوطاً بيضاء وزرقاء وقبعة حمراء - ويبدأ في سرقة الطعام.
ويقول الراديو الموضوع في المطبخ "إنه إيمانويل الجرذ؛ إنه صديقكم، لا يمكنكم فعل أي شيء بدونه. أنتم بحاجة إليه". يصبح الجرذ أكبر وأكبر. يتقدم نحو الرجل، ويقوم الجرذ بالتهديد: "هذا بيتي الآن؛ هيا غادر".
يطلب الرجل دعماً، ثم يصل الدعم بعد فترة قصيرة: يصل جندي يضع إشارة من مجموعة فاغنر ومعه صندوق كمان، بداخله مطرقة ثقيلة (وهو تشبيه غير مباشر لطريقة التنفيذ المفضلة للمجموعة)، حيث يهاجم مقاتل فاغنر الجرذ وينتصر.
رسم كاريكاتوري آخر، بنفس الأسلوب، يُظهر مقاتلاً من مالي يستخدم بندقية هجومية لصدّ حشد من الزومبي الفرنسيين. فقط عندما يبدو أنه سيتم الانتصار عليه، ينزل مقاتل من فاغنر من طائرة هليكوبتر هجومية ويسأل: "هل تحتاج إلى تعزيزات يا صديقي؟". ويقومان معاً بوضع النفايات فوق حشد الزومبي. عندما أرسل الرئيس الفرنسي الذي لم يذكر اسمه ثعباناً قاتلاً عملاقاً إلى بوركينا فاسو، وصل الجنديان لتقديم المساعدة. وينتهي الفيديو الذي تبلغ مدته دقيقتين بوصول الرجال الثلاثة إلى كوت ديفوار.
في حين أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الرسوم قد صُممت من قِبل مجموعة "فاغنر" نفسها أو مجموعات محلية داعمة للمهمة الروسية، إلا أن الرسوم عرضت بالتأكيد العديد من الرسائل المفضلة لدى "فاغنر".
هذه الرسوم الكاريكاتورية - التي عرضت لأول مرة في ملعب كرة القدم الوطني في بانغي، بحضور ما يقرب من 10,000 شخص - هي جزء من محاولة لتطبيع مشاركة روسيا في المنطقة، وكشف بعض أهداف موسكو لتوطيد علاقاتها مع الحكومات في المنطقة.
يصور الفيلم، على سبيل المثال، بعض الأحداث الواقعية للغاية، وإنْ كانت مبالغاً فيها، والتي أدت إلى انتخابات جمهورية إفريقيا الوسطى لعام 2020. ويعكس كبار الأشرار وهما- كاهن كاثوليكي وداعم أوروبي فرانكفوني- خصوم روسيا الواقعيون في المنطقة (حذرت الكنيسة الكاثوليكية من تنامي نفوذ روسيا في المنطقة، حيث تتطلع الكنيسة الأرثوذكسية إلى الحصول على موطئ قدم).
كان بريغوزين، قبل أن يصبح جنرالاً ظل بوتين، سيد الدعاية في موسكو. كان على الأرجح هو الذي موّل وأسَّس وكالة الأبحاث ، المتواجدة فقط على الإنترنت، - مزرعة الشائعات، والإعلان، وعملية التضليل التي تهدف إلى إحداث فوضى في الانتخابات في جميع الدول الغربية.
ظهرت هذه التكتيكات نفسها في جميع أنحاء إفريقيا، فقد أزال موقع Facebook عمليات التأثير المنسقة المدعومة من روسيا والتي تستهدف جمهورية إفريقيا الوسطى وكوت ديفوار والكاميرون وأماكن أخرى. منذ عام 2020، أرسلت الشركات المرتبطة ببريغوزين المؤثرين ومراقبي الانتخابات والنقاد لتمجيد فضائل روسيا في المنطقة.
يوجد العديد من الصور الجيدة عن روسيا - فيديو لسكان محليين يرشقون بالحجارة مركبات تابعة للأمم المتحدة وهي تغادر، ولقطات لعلم روسيا يرفرف، وحتى صور نساء محليات يرتدين قمصان مجموعة فاغنر.
يُظهر أحد مقاطع الفيديو المنشورة على قناة فاغنر على Telegram رجلاً قوي البنية يرتدي زياً مموهاً ويلوح بذراعيه ويرقص على أنغام أغنية Barbie Girl التي أدتها Aqua، والتي انضمت إليها جوقة من الأطفال. وبحسب القناة، فقد أقام "مدربو" فاغنر الحدث في عقار روسي في بانغي "لأطفال مسؤولي الأمن المحليين بمشاركة الجانب الروسي".
وعندما تخلت تلك الدول عن فرنسا، كانت مجموعة فاغنر تنتظر لتحل محل فرنسا.
خلال مقطع على تلفزيون Panafricanistes ومقره الكاميرون، دعا مواطنو المنطقة للتعبير عن إحباطهم من الوضع الراهن.
وسأل أحد المتصلين "لماذا ترفض فرنسا التعاون مع روسيا؟" "هذا ببساطة لأن فرنسا لم ترغب أبداً في التعاون مع إفريقيا. إنها تعتبرنا عبيداً ".
وانتقد متصل آخر إعلان باريس الأخير بقطع مساعدات التنمية عن مالي، واصفاً إياه بأنه "عقاب". لكنه قال: "مالي ستتغلب على نفسها وتحرر نفسها تماماً. ليس مالي فحسب، بل النيجر - ندعو جميع سكان المنطقة. توغو، بنين، النيجر، كوت ديفوار بأن يكونوا مستعدين لإخراج فرنسا من جميع جوانب حياتهم: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. " في هذا السياق، صوّر روسيا على أنها ضحية للخط العقابي الذي ينتهجه الغرب مثلها مثل الدول الإفريقية.
وقال جوناثان باتينغوين، المحلل في Panafricanistes TV، لمجلة فورين بوليسي: إن عقوداً من الفشل دفعت كلاً من السكان والحكومات في المنطقة إلى التطلع نحو "شركاء أكثر موثوقية وكفاءة".
وقال باتينغوين: "عندما نرى فرنسا والولايات المتحدة تنشران عمليات مراقبة جوية وغارات جوية كبيرة للسكان المحليين، يبقى السؤال الأهم: لماذا تستمران في جعل الأمور أسوأ؟ لماذا لا تسمح لنا هذه القوى للحدّ من هذه المشكلة؟".
وأضاف باتينغوين: "بالنسبة للعديد من الأفارقة الفرانكفونيين، فإن ما تسميه" دعاية مناهضة للفرنسيين "ليس أكثر من رسم كاريكاتوري للرغبة في الاستقلال التامّ للشعب الإفريقي".
في حين أن هناك القليل من الشك في أن روسيا شنت هجوماً دعائياً لكسب الحكومات والسكان في إفريقيا، قال باتنغوين إنه "من العنصرية والإمبريالية أن نفكر في أن الأفارقة لا يملكون القدرة على فهم العالم الذي يعيشون فيه، إلا من خلال الروس ".
لم يكن الجميع سعداء بوجود روسيا. فقد بدأت الميليشيات الجهادية في تسمية مجموعة فاغنر في رسائلها المسجلة بالفيديو. وفي أواخر العام الماضي، تم تسليم قنبلة إلى موقع دبلوماسي روسي في بانغي، مما أدى إلى إصابة مسؤول روسي رفيع المستوى، وفقاً لبيان حكومي. لكن القنوات المؤيدة لفاغنر نسجت هذا الهجوم كدليل على أن الإرهابيين يخشون التورط الروسي. لقد سارعوا إلى نشر التهديدات المسجلة بالفيديو من الجماعات الجهادية ضد القوات الروسية.
في عام 2019، نشرت صحيفة الغارديان ودوسير سنتر وثائق مسربة توضح بالتفصيل وجهة نظر الكرملين عن المنطقة. وشملت خطط بريغوزين لجمهورية إفريقيا الوسطى، بهدف "استبدال ممثلي الجمعية الوطنية ووزير الخارجية، الذين يتجهون نحو فرنسا".
في حين أن تحسين الأمن قد يكون نتيجة عرضية لوجود روسيا في المنطقة، إلا أن هناك سبباً للاعتقاد بأنه ليس الهدف الأساسي. فقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الشهر الماضي أن المخابرات الأمريكية حذرت الحكومة في تشاد من أن القوات الروسية تعمل مع المتمردين المحليين لزعزعة الاستقرار والإطاحة بالحكومة الوطنية، مرددةً مزاعم المجلس العسكري الحاكم.
وإذا كانت قوات فاغنر تساعد بشكل شرعي في قمع تهديد المتمردين، فهناك أدلة دامغة على أنهم يفعلون ذلك دون اكتراث بحياة الأبرياء. وقد أشارت التحقيقات التي أجرتها شبكات VICE World News و CNN إلى تورُّط قوات فاغنر في ارتكاب عمليات اغتصاب وتعذيب وقتل للمدنيين في جمهورية إفريقيا الوسطى. فقد قُتل ثلاثة صحافيين كانوا يعملون في فيلم وثائقي عن وجود مجموعة فاغنر في المنطقة على يد عصابة من القتلة الذين، وفقاً للتقارير المحلية، لا يتحدثون الفرنسية ولا لغة سانغو المحلية. وقد وجد مشروع بيانات موقع النزاع المسلح وحتى بياناته أن قوات فاغنر استهدفت المدنيين بشكل غير متناسب في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي.
كشفت "هيومن رايتس ووتش" والأمم المتحدة عن أدلة على انتهاكات حقوق الإنسان من قِبل مجموعة فاغنر في المنطقة.
ويقول باتنغوين: إن هذه التحقيقات والادعاءات لا ترقى إلى مستوى جدي، وقال: "الأمم المتحدة منظمة فقدت مصداقيتها في إفريقيا، نتيجة لافتقارها إلى الحياد"، مضيفاً "نحن لا نتحدث عن الغارات الجوية التي قتلت 19 مدنياً، وفقاً لتقرير عام 2021 للأمم المتحدة. " وواصل حديثه مشيراً إلى مزاعم وردت في كتاب نُشر مؤخراً بأن فرنسا متورطة في عمليات إعدام خارج نطاق القضاء وحبس في سجون سرية.
وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وسط موجة من الاحتجاجات المناهضة للفرنسيين والموالين لروسيا في بوركينا فاسو، وصف لاسينا زيربو (Lassina Zerbo) العداء الروسي المفاجئ بأنه "أكثر ارتباطاً بالفجوة التي يتركها الآخرون". وقد تم انتخاب زيربو رئيساً لوزراء البلاد في عام 2021 وعُزل على الفور في انقلاب مدعوم من الجيش في أوائل عام 2022 - وهو انقلاب احتفت به موسكو.
قال زيربو، على منصة في منتدى هاليفاكس للأمن الدولي: "سأعطيكم مثالاً على شخص يحمل علماً - العلم الروسي". وروى عن ضابط عسكري منخفض الرتبة احتج خارج السفارة الفرنسية اقترب منه أحد المراسلين ليسأله عن العلم الذي يرفعه. قال زيربو: "قال،" أوه، لا أعرف". سأله المراسل من أين حصل عليه. فأجاب: "أوه، لقد تلقيت العلم لأتظاهر فقط."
وحاجج زيربو بأن وسط إفريقيا أقل اهتماماً بالحيل الإستراتيجية وأكثر اهتماماً بالضغوط المحلية: التنمية وحقوق الإنسان والفرص الاقتصادية والتعليم وبالطبع الأمن. وقال: "بالطريقة نفسها التي ستكون فيها نتيجة حرب أوكرانيا هي مستقبل الديمقراطية، فإن نتيجة الحرب ضد الإرهابيين في منطقة الساحل ستقود مستقبل الديمقراطية في تلك المنطقة".
قال باتنغوين: إن الغرب فشل في تقدير "رياح الحرية القوية التي تهبّ عبر القارة الإفريقية، التي ترفض جميع أشكال الإمبريالية". وقال: إن تورط روسيا في هذا الاتجاه عرضي. "السيد بريغوزين أكثر شعبية في وسائل الإعلام الغربية مما هو عليه في شوارع إفريقيا.
ومع ذلك، يبدو أن التواجد الروسي هو تكرار للعديد من أسوأ تواجُد للقوة الإمبريالية في منطقة الساحل، وقد تساعد في تقويض الديمقراطية والحرية. بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون مسبقاً في المنطقة، فإن استبدال ممثل أجنبي سيئ بآخر سيكون بمثابة تمرين على الإحباط.
وقال ليشنر: لكن حتى لو كان السكان المحليون ينتقدون روسيا كما فعلوا مع فرنسا، فلن يكون ذلك تبرئة للغرب.
وبدلاً من ذلك، يتعين على فرنسا - فضلاً عن الدول الغنية الأخرى وحلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة - أن تعترف بإخفاقاتها وأن تدرك حدود مهامها لحفظ السلام.
قال ليشنر: "أعتقد أن للناس حقاً مشروعاً جدًا في التساؤل عما إذا كانت هناك طرق أفضل للتعامل مع هذه الأشياء". "يجب أن يكون هذا تصفية حساب للغرب".
بقلم: جاستن لينغ
ترجمة: عبد الحميد فحام