هل أمريكا مستعدّة لمرحلة إعادة بناء التحالفات التي يشهدها الشرق الأوسط؟
2023-08-161269 مشاهدة
إن انخراط أمريكا الكامل في الشرق الأوسط خاصة في حال وجود تهديد عسكري مؤكد في المنطقة، يدفع كل خصومها للتراجع، ويُطمئن حلفاءها.
لسوء الحظ فإن هناك نوعاً من أنواع إعادة بناء التحالفات في الشرق الأوسط، ويرجع ذلك أساساً إلى قرار أمريكا بالانسحاب من المنطقة، مما أجبر الشركاء الأمريكيين القدامى على إعادة النظر في مصداقية واشنطن في التعامل معهم، ومن الطبيعي أن يُفضّل المستبدون في المنطقة الولايات المتحدة الأمريكية كحليف على الصين وروسيا وإيران، لكن الولايات المتحدة الآن مشتّتة ويُنظر إليها على أنها ضعيفة، وهذا هو السبب في أن تلك الأنظمة تبحث الآن عن حلفاء آخرين.
يتغير الشرق الأوسط باستمرار ويثير حيرة خبراء السياسة الخارجية الأمريكية، الذين يقعون مراراً في فخّ تحليل ما يجري في المنطقة من خلال المنظور الغربي.
وقد كتب ستيفن كوك مؤخراً في مجلة فورين بوليسي الأمريكية: "لفترة طويلة جداً، شكّلت الافتراضات السيئة أساس سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك فكرة أن قادة إيران يريدون تطبيع العلاقات مع جيرانهم، في الواقع إيران لا تريد تقاسُم المنطقة مع أحد، وإنما هدف النظام الإيراني يتمثل في إعادة ترتيب المنطقة".
لقد بدت أمريكا غير مستعدّة للوساطة الصينية في التقارُب بين السعودية وإيران، تماماً كما كانت تجهل الشتاء العربي الذي أعقب الربيع العربي، وللحصول على أمثلة للجهل الأمريكي، يمكننا حتى العودة إلى عام 1979، عندما وصف الرئيس جيمي كارتر إيران بأنها "واحة من واحات الاستقرار"، وهذا كان قبل أشهر فقط من بداية الثورة التي أطاحت بشاه إيران الموالي لأمريكا.
هل توقعت الولايات المتحدة الخلاف بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان؟ هل نضع إستراتيجيات حول كيفية استخدام ذلك لصالحنا، أو على الأقل لتقليل عواقبه السلبية التي تؤثر على اهتمامنا بالمعلومات الاستخباراتية المشتركة والدفاع المشترك المضادّ للصواريخ ضد عدوهم المشترك إيران؟
نعم الجميع يعلم أن أمريكا لديها أكبر حضور عسكري في المنطقة، ولكن من الواضح أننا متردّدون في استخدام هذه القوة، مما قد يعرضنا لخطر أن نصبح غير ذي أهمية بالنسبة لصانعي القرار في المنطقة، وهذا قد يؤدي إلى وجود آخرين يملؤون الفراغ.
عندما تهاجم الميليشيات التي ترعاها إيران الجنود الأمريكيين في أماكن مثل التنف في سورية -وهو موقع إستراتيجي يغلق طريق شحن الصواريخ الموجهة بدقة إلى لبنان- غالباً ما نفشل في الرد، وهذا بدوره يجعلنا عُرضة إلى مزيد من الهجمات.
وبالفعل، أفادت شبكة "إن بي سي" بأن "هجمات الميليشيات المدعومة من إيران ضد أهداف أمريكية تتزايد ولم تردّ الولايات المتحدة بقوة منذ العام الماضي على تلك الهجمات".
عندما هاجمت طائرة روسية فوق سماء سورية طائرة أمريكية بدون طيار من طراز "ريبر" بالقنابل المضيئة -مما أجبرنا على الهبوط الاضطراري- كان ردنا يقتصر على التلويح بالرد الدبلوماسي، وكانت هذه بمثابة دعوة لروسيا وإيران للتعرض لنا أكثر، ورسالة واضحة إلى حلفائنا الإقليميين بأنهم وحدهم في المواجهة مع خصومهم في المنطقة.
أما بالنسبة للصين، فإن أيّ تقاعُس أو تحرُّك أمريكي في الشرق الأوسط سيؤدي إلى تمادي الصين أو إحجامها في سياساتها بوضوح في الصين تايبيه (تايوان).
إذاً ما هي العلاقات الجديدة، التي يجد من خلالها الخصوم القدامى أرضية مشتركة للتعامل، والتي تقوّض مصالح الأمن القومي الأمريكي؟
من أهم هذه العلاقات هو التقارب السعودي الإيراني برعاية الصين، حيث اجتمع العرب السُّنة والشيعة الفرس بسبب التخلي الأمريكي عن المنطقة، وكما ذكرت قناة "الجزيرة"، "توسُّط الصين في صفقة بين خصوم الخليج القدامى هو أكبر علامة على النظام العالمي المتغير".
تعمل الإمارات العربية المتحدة، وهي طرف في اتفاقية أبراهام، على زيادة تعاوُنها مع إيران، وكذلك عُمان، وكِلاهما يعلم أن إيران تنهض بدعم صيني وروسي، حتى النظام السعودي المحافظ الذي يخشى الإخوان المسلمين يلتقي "حماس"، أكبر تنظيم للإخوان في بلاد الشام، وقد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن "إعادة ترتيب التحالفات ستشكل انتكاسة للجهود الأمريكية والإسرائيلية لمواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط".
مصر وتركيا اللتان كانتَا على خلاف منذ عَقْد من الزمان، تجتمعان أيضاً كجزء من علاقة جديدة مُحيّرة في المنطقة، وحتى جامعة الدول العربية قامت بدعوة الديكتاتور الذي ارتكب مجازر الإبادة الجماعية في سورية للعودة إلى الحضن العربي، وهي عملية إعادة ضبط علاقات أخرى في منطقة فقدت أمريكا فيها نفوذها، كما أن الرعاية الروسية والإيرانية للتقارب التركي السوري تثير الانتباه أيضاً، بالنظر إلى العداء السابق بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والديكتاتور السوري بشار الأسد.
إن التصور الواضح بأن أمريكا تنسحب من المنطقة يجبر الحلفاء على إقامة علاقات غير مريحة مع إيران وروسيا والصين، حتى عندما يكون هناك تاريخ من العداء بينهم، في الواقع حتى محور المقاومة في إيران وروسيا والصين يدور حول مصلحة مشتركة في إذلال أمريكا أكثر من اهتمامه بأي قواسم مشتركة إستراتيجية طويلة الأمد.
الاختبار الحقيقي الذي يشاهده جميع لاعبي المنطقة -صديقاً وعدواً- هو علاقة أمريكا بإسرائيل، لنفترض أن أمريكا بسبب الخلافات السياسية القائمة على التوسع الاستيطاني والإصلاح القضائي تتسبب في إضعاف ملموس لهذه العلاقة التي لا غنى عنها إلا أن ذلك سيُقرأ في كل مكان أن أمريكا تتخلى عن حليفها الأهم في المنطقة.
بالنسبة لإيران قد يعني ذلك تسريع توسُّعها دون عواقب سلبية عَبْر وكلاء خارج لبنان وسورية والعراق إلى الضفة الغربية والأردن، وبالنسبة لروسيا فقد يعني ذلك أنها تستطيع الاستمرار في مضايقة الجنود والطائرات بدون طيار والطائرات الأمريكية فوق سماء الشرق الأوسط ومناطق أخرى، والأهم من ذلك بالنسبة للصين أنه سيعني أن تايوان ستكون في متناول يدها.
تمثل عمليات إعادة ضبط العلاقات والتحالفات الجديدة فرصة وتحدياً لأمريكا، مما يؤكد الحاجة إلى إعادة تأكيد نفوذنا وتقليل فرصة تعرُّض الجنود الأمريكيين للهجوم بالتزامن مع تقليل فرصة استفادة الخصوم الإقليميين من الفراغ الذي أحدثناه.
تُعَدّ إعادة الاصطفاف الجديد للشرق الأوسط أحد التحديات الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية ومصالح الأمن القومي على المدى القريب، إن التعامل مع هذه العلاقات الجديدة على أنها مخاوف من الدرجة الثالثة سيكلفنا مكانةً وتأثيراً في جميع أنحاء العالم لسنوات قادمة.
ترجمة: عبدالحميد فحام
المصدر: ( ذا هيل )