تقييم مسار اتفاق السلام التشادي في الدوحة
2022-08-101903 مشاهدة
تسود حالة من الترقُّب في الأوساط التشادية بعد إعلان الجماعات المتمردة والمجلس العسكري التشادي في محادثات العاصمة القطرية الدوحة في 8 أغسطس/ آب ، قبولهما التوقيع على اتفاقية بينهما من أجل التمهيد لعقد حوار بين الفُرَقاء.
وجاء الإعلان عن توقيع اتفاق السلام بعد جهود حثيثة بذلتها دولة قطر للتقريب في وجهات النظر بين الفُرَقاء، وقد كان الدافع الرئيسي الذي مهّد لتوقيع الاتفاق هو أن 19 حركة مسلحة من أصل 52 معارضة للمجلس العسكري الحاكم في تشاد في 23 يوليو/ تموز وافقت على العودة إلى طاولة المفاوضات.
وكانت تلك الحركات قد علّقت مشاركتها في المفاوضات في 16 يوليو/ تموز الماضي بسبب اتهامها للمجلس العسكري بقيادة محمد كاكا ديبي بممارسة التضليل والترهيب أثناء انعقاد المحادثات التي انطلقت 13 مارس/ آذار الماضي.
لم يتمّ الكشف عن الكثير من التفاصيل حول مضامين الاتفاق، لكن تصريحات رسمية تشادية تحدثت أن الاتفاقية تضمّنت تعهُّد المجلس العسكري التشادي بوقف كافة العمليات العسكرية ضدّ المجموعات المُوقِّعة، على اعتبار بند ينصّ على إلزام الأطراف بوَقْف إطلاق النار.
أيضاً تمّ التوافق على إطلاق حوار وطني في العاصمة إنجامينا بحلول 20 أغسطس/ آب سيحضره حوالَيْ 1500 ممثل عن الجماعات المسلحة المُوقِّعة -بحسب بعض المصادر عدد الجماعات التي وقّعت 30 جماعة مسلحة- على أن يهدف إلى تحديد موعد للانتخابات القادمة ويبني أرضية صلبة من أجل الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار.
ونظراً لتعدُّد التنظيمات المُعارِضة المُشارِكة في محادثات الدوحة فإن مطالبها متعددة ويوجد فُروقات في وجهات النظر بين قادتها، فهناك تنظيمات مُعارِضة لم تقبل التوقيع على الاتفاقية، ومن أهمها جبهة التغيير والوفاق في تشاد (FACT) التي ساهمت بإصابة الرئيس السابق إدريس ديبي بجروح أدت لموته العام الماضي.
وبررت الجبهة موقفها بأن اتفاق السلام لم ينجح في أخذ مطالبها بعين الاعتبار، لا سيما معاملة جميع الشركاء على قدم المساواة في الحوار الوطني. كما تطالب بضرورة منع الجنرال محمد ديبي من خوض الانتخابات الرئاسية وتضغط من أجل إطلاق سراح 400 من مقاتليها الذين اعتقلتهم حكومته. وفي الوقت ذاته أعلنت انفتاحها على المزيد من الحوار.
وفي هذا الصدد عبَّر وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في 8 أغسطس/ آب عن أمله في أن تنضمّ مجموعات أخرى إلى مسيرة المصالحة والسلام، بهدف تحقيق تطلُّعات وأحلام الشعب التشادي".
ويسعى المجلس العسكري من خلال الحوار مع المعارضة إلى التركيز على عدة نقاط، أهمها دمج مقاتلي فصائل المعارضة المسلحة بعد نزع سلاحهم في تشكيلات الجيش التشادي وَفْق ما يراه المجلس العسكري مناسباً لمصلحة البلاد، بالإضافة إلى أن موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية يتمّ على أساس التقدم المُحرَز في عملية الحوار الوطني الشامل المُزمَع في العاصمة التشادية.
الجهود التي بذلتها الوساطة القطرية كانت محورية في توجيه دَفَّة المَسارات المحتملة للمشهد التشادي المتأزّم، وفي واقع الأمر إن توقيع اتفاق السلام برغم أنه لم يشمل كافة الفصائل المُعارِضة يُعَدّ مؤشراً إيجابياً يعكس رغبة الأطراف بالوصول إلى حلّ.
لكن لا يعني ما سبق أنه تم تذليل كل العقبات والعراقيل التي تواجه البناء على اتفاق السلام؛ ومن أهمّ هذه العقبات أن المُعارَضة بعد تمكُّنها من قتل الرئيس السابق إدريس ديبي أصبحت تمتلك زمام المبادرة في البلاد، وقادرة على فرض جزء من رؤيتها بالقوة، وبالتالي فهي من المتوقع أن تلجأ خلال الحوار في العاصمة إنجامينا إلى اتباع سياسة رفع سقف المطالب هذا من جهة.
من جهة أخرى، فإن المجلس العسكري بقيادة محمد ديبي ولاعتبارات شخصية ينظر للجماعات المسلحة على أنها هي مَن تسببت بمقتل والده، وبالتالي لا يجب تسليم السلطة لها دون ضمان أن يكون للمجلس العسكري اليد العليا في البلاد، وهو ما يعكسه إصرار وفد المجلس في الدوحة على مطلب نزع السلاح ودمج مقاتلي المعارضة في القوات المسلحة التشادية.
ومن المتوقع أن دَوْر الوساطة البنّاء الذي تلعبه دولة قطر لم ينتهِ بعد، وسيشمل الاستمرار في تقريب وجهات النظر خلال الحوار الوطني في إنجامينا، وأيضاً قد يشمل العمل على أن تشارك الفصائل المسلحة التي رفضت التوقيع على اتفاق السلام (بطريقة ما) في الحوار الوطني المقبل.
وقد يكون الخيار الأفضل هو تطبيق سيناريو اتفاق جوبا للسلام في السودان، حيث كان عبارة عن عدة اتفاقيات وقعتها السلطات السودانية مع الحركات المسلحة كل على حِدَةٍ، مع المحافظة على الخطوط العريضة واختلاف التفاصيل بما يتناسب مع مطالب كل حركة مُعارِضة.
وعلى أي حال، فإن المَخرَج النهائي لعملية السلام في تشاد -وإنْ لم يكن واضح المَعالم بعد- سيؤدي على الأرجح إلى إعادة فَرْز لفصائل المعارضة فيما بينها من جهة، وسيؤدي إلى اتخاذ المجلس العسكري خطوات بناء عوامل الثقة معها من جهة ثانية، وبالتالي فإن المرحلة الانتقالية ستأخذ مدًى زمنيّاً أكثر من 18 شهراً التي حددها المجلس العسكري منذ إبريل/ نيسان الماضي 2021.