
عقيدة ترامب واضحة.. ومَن لا يدركها لن يشارك في تشكيل العالم الجديد
2025-03-06121 مشاهدة
نص الترجمة:
كانت العبارة الرنانة التي تكررت أثناء إدارة الرئيس دونالد ترامب الأولى هي النصيحة بأخذ كلامه "على محمل الجد، لكن ليس بشكل حرفي". لقد كانت هذه العبارة شديدة الضرر، اقتبسها السياسيون ووسائل الإعلام على نطاق واسع، وقد انسجمت مع الموقف الذي شعر القادة والمعنيون بالراحة في تبنيه، وهو أن ترامب كان سيئاً، لكنه لم يكن ذكياً.
كان ترامب يطلق التصريحات دون تفكير، بعفوية وبطريقة غير محسوبة وغير مدروسة، لكنه نادراً ما يتبعها بإجراءات فعلية، وهذا كان في جوهره، سلاحاً يُستخدم لإطلاق النار بشكل عشوائي، يمكن أن يُحدث ضرراً بالغاً، ولكن في الغالب عن طريق الصدفة.
أحد الأمثلة الواردة على نهج ترامب هذا خطته لغزة بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن ومصر وإندونيسيا، والتي عندما تم اقتراحها على السيناتور الديمقراطي آندي كيم Andy Kim تفاجأ بها بشدة وفقد أعصابه، وقال "أتفهم أن بعضهم يبذلون جهداً كبيراً لمحاولة التخفيف من وطأة ما صرح به ترامب حول غزة"، مضيفاً "ترامب القائد الأعلى لأقوى جيش في العالم، وإذا لم أتمكن من فهم معنى كلام رئيس الولايات المتحدة، إلا إذا لجأت إلى عرّافة لتفسيره، فأعتقد أن أمننا القومي في خطر".
يكمن الجزء الأكبر من المشكلة في أن الناس لا يميلون إلى رؤية ترامب كشخص لديه فكر أو نهج متماسك، بل يعدونه شخصاً يتصرف بعشوائية بطريقة غير منظمة فيما يتعلق بمواقفه وسياساته، مع ذلك بدا واضحاً أن عقيدة ترامب بدأت تتشكل في السياسة الخارجية، فهي تمتلك سمات واضحة ومعالم محددة، وتقدم نوعاً من النظرية الموحدة للصراع.
أولاً: هي عقيدة قائمة على تبادُل المنافع، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالحروب التي يكون فيها دور للولايات المتحدة، حيث لا يوجد سلوك مفهوم وموضوعي أو منطقي، إذ إن ترامب يَعُدّ أن الزمن بدأ يوم تولّى منصبه، ولا يعترف بتاريخ لأي صراع، ويَعدّ دوره هو إنهاء الأمور، ويفضّل أن يكون ذلك مع تحقيق مكاسب إضافية للولايات المتحدة.
وتتمثل الميزة الثانية لعقيدة ترامب: في جعل الأمور محسوبة على أساس الربح والخسارة المالية، أو اختزال السياسة إلى حسابات التكلفة والعائد وكيفية تعظيم الفوائد، حيث يرى ترامب أن النزاعات والمساعدات المالية لم تحقق شيئاً ملموساً للولايات المتحدة، فمن حرب غزّة يمكن استخراج صفقة عقارية، أما في أوكرانيا فإن اقتراحاً يعادل ما يقرب من 4 أضعاف قيمة المساعدات الأمريكية حتى الآن من حيث المعادن يشبه تفكيك شركة متعثرة من قِبل مدير استثمار جديد يحاول استعادة الأموال التي أنفقها سلفه.
السمة الثالثة: هي التخلص من أي مفاهيم تتعلق بالقوة الناعمة، إذ ينظر إليها ترامب على أنها مُكلفة، وفوائدها مشكوك فيها، وأنها مجرد أفكار مجردة وغير قابلة للقياس، وقد تكون القوة الناعمة أصلاً مجرد خرافة، أو وَهْم خدع الأنظمة الساذجة سابقاً، مما منحها رونقاً زائفاً يوحي بأنها تحقق السيطرة، بينما كانت تستنزف موارد الولايات المتحدة، باختصار فإن ما يراه الآخرون قوة ناعمة يراه ترامب مستنقعاً يستنزف الأموال.
ما سبق يترك القادة الآخرين -لا سيما الأوروبيين- في موقف تُلغى فيه الترتيبات والتفاهمات التاريخية المتعلقة بعلاقاتهم مع الولايات المتحدة، فقد أصبحت الدول الأوروبية الآن مجرد دول ثانوية، وعليها إما التخلّي عن أفكارها الملغاة بشأن أهمية التصدي لفلاديمير بوتين، أو الانضمام إلى ترامب في إنهاء الصراعات وفقاً لشروطه، أو تحمُّل تبعات الأمر وحدها عند انسحاب الولايات المتحدة من تقديم الدعم.
ترامب يعمل وفق نظام قِيَمي مختلف، إذ لا يرى الإجماع العالمي على ضرورة التصدي للعدوان أمراً أخلاقياً، بل مرتبط بالمصلحة على الرغم من أن عدم التصدي له دليل على الضعف والتخلي عن القيم، وهذا الأمر خلق خطاباً تصعيدياً غاضباً مع حلفاء واشنطن يرفض سياسة "الاسترضاء" و"الاستسلام".
وبينما يستشيط الأوروبيون غضباً يتم وضع خطة ترامب لأوكرانيا ليس فقط خارج الأراضي الأوروبية من قِبل واشنطن، بل أيضاً على أراضي دول شرق أوسطية، حيث نشأت مراكز جديدة لقوى الوسطاء التي لطالما كانت قائمة على تبادُل المنافع والمكاسب.
هذه القوى نفسها تمر بمرحلة إعادة تعريف لعلاقتها مع الولايات المتحدة، وهي جزء من العالم الجديد الذي يتشكل، فقد التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنظيره الأمريكي ماركو روبيو في العاصمة السعودية الرياض، فيما سافر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى المنطقة استعداداً لمحادثات سلام بوساطة خليجية في أبو ظبي.
وعليه يمكن رؤية الأطراف الذين لم يعتمدوا في علاقاتهم مع الولايات المتحدة على القيم الأخلاقية أو القيم المشتركة مثل الديمقراطية أو حقوق الإنسان وإنما على المصالح الشخصية والمنافع الملموسة هم الأكثر قدرة الآن على التكيف مع التغييرات في السياسة الأمريكية، فهؤلاء معتادون على التعامل مع واشنطن على أنها قوة تحقق مصالحهم الخاصة، ولا يتأثرون بالمفاجآت الأخلاقية أو المواقف التي قد تكون صادمة.
وبالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة المقربين، أولئك الذين شاركوها في قيمها واهتماماتها الأمنية، فإن تغيير سياساتها بعد عودة ترامب هو مشكلة يجب تحمُّلها والتعاطي معها، ومن المحتمل ألّا يكون هناك مجال للتفاوض والإقناع أو أي أمل في وجود "جسر يرأب الصدع بين دول ضفتَي الأطلسي، الدول الأوروبية والولايات المتحدة" كما قال رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر، وهو شخصية يمكنها أن تعمل وسيطاً بين الولايات المتحدة وأوروبا وتمنع حدوث قطيعة.
وربما يحاول رئيس وزراء بريطانيا ستارمر التأثير على ترامب بعدة طرق، مثل محاولة استمالة غروره، أو اتباع نهج دبلوماسي معين، أو إقناعه بأن الرضوخ لبوتين يجعله يبدو ضعيفاً، لكن كل هذا يعتمد على افتراض أن ترامب لديه بعض الاندفاع الذي يمكن التحكم به.
بالمحصلة هناك الآن خياران رئيسيان لحلفاء الولايات المتحدة:
إما التخلّي عن كل شيء، بما في ذلك مفاهيم التضامن الأوروبي، وتسريع نهاية النظام العالمي ما بعد الحرب، والقبول بالضعف الدفاعي والخضوع السياسي.
أو الشروع في إعادة رسم التحالفات، وهذا يتطلب إجراءً سريعاً ومنسقاً على المستويات السياسية والعسكرية والإدارية، قد يكون في اختيار شريك جديد بديل عن الولايات المتحدة، أو على الأقل إظهار أنهم يشكلون كتلة تمتلك بعض القوة والقدرة على التحرك والمرونة، ومواجهة ترامب باللغة الوحيدة التي يفهمها.
وعلى أي حال لا أحد يرغب أن يستيقظ كل يوم ليجد أن النظام العالمي الذي اعتاد على التعامل معه قد انتهى بسبب سياسات واشنطن، لكن للأسف هذا هو الواقع، ويجب على القادة السياسيين أن يتعاملوا مع حقيقة أن الطرق التي تؤدي إلى العودة للنظام القديم مسدودة، وكلما أسرع القادة السياسيون في قبول هذه الحقيقة زادت الفرص في أن هذا العالم الجديد لن يُبنى بالكامل وفقاً لشروط ترامب فقط.
المصدر: الغارديان
ترجمة: عبدالحميد فحام