نزاعات وتسويات الشرق الأوسط... التكتيكي والإستراتيجي
2023-01-091680 مشاهدة
اتَّسمت السنوات العشر من 2011 إلى 2021 بمعدلات عالية من الصراع والحروب الداخلية وتدمير البنى التحتية لمعظم الدول العربية، بداية من تونس وصولاً إلى سورية، مروراً بليبيا ومصر واليمن، وفي مواجهة ثانية شملت السودان والعراق والجزائر ولبنان، ورغم أن هذه السنوات شهدت رحيل عدد من الرؤساء العرب الذين أُطلق عليهم اصطلاح "رؤساء مدى الحياة"، مثل زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، وعلي عبد الله صالح في اليمن، ومعمر القذافي في ليبيا، إلا أن تداعياتها كانت كارثية على شعوب هذه الدول على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية.
واعتباراً من منتصف عام 2022، لم تُظهر أيةَ مؤشرات على انتهاء الأزمات والحروب والصراعات في ليبيا وسورية واليمن، لكنها شهدت مرحلة يمكن تسميتها بالجمود أو التسكين، فالفاعلون المحليون والإقليميون والدوليون وجدوا أنفسهم غير قادرين على تحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية والأمنية من خلال الوسائل العسكرية، وقد أدى هذا الإدراك إلى سلسلة من التصعيد والتصعيد المتبادل، وصولاً إلى محاولة التطبيع والتطبيع المتبادل، مع اختلاف الأهداف والدوافع التي تقف خلف سياسات التسكين التي تتبنَّاها هذه الأطراف.
وتبرز مجموعة من العوامل والاعتبارات التي يمكن أن تعوق الجهودَ المبذولةَ لتحويل حالة خفض التصعيد والتهدئة المؤقتة في بعض مناطق الصراع إلى تسويات شاملة في العراق وسورية وليبيا واليمن والسودان ولبنان، وأيضاً في مصر ولكن على مسافة من هذه الدول؛ العامل الأول هو حالة الطائفية المتصاعدة في المنطقة، والتي تدعم وتغذي العديد من الصراعات بها، والعامل الثاني هو الدرجة التي أدى بها العديد من هذه الصراعات إلى حدوث انقسامات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية داخلية وإقليمية ودولية، من الصعب تجاوُز تحدِّيَاتها خلال السنوات الخمس القادمة على أدنى تقدير.
بل إن هناك الكثير من الشكوك التي تحيط بإجراءات التطبيع والتسكين التي تشهدها دول المنطقة، وكثير من المحللين يتعاطى مع هذه الإجراءات على أنها تحوُّلات تكتيكية وليست إستراتيجية لتجاوُز مراحل حاسمة في مسيرة بعض النظم السياسية، مثل تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، بالنسبة لدولة قطر، وعبور انتخابات 2023 بالنسبة لنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتجاوُز مرحلة إدارة بايدن بالنسبة للنظاميْنِ الإماراتي والسعودي، وحشد القدرات لتعزيز الجهود في مواجهة روسيا الاتحادية والصين الشعبية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
وهنا تتعدد التساؤُلات المركزية المرتبطة بهذه الاعتبارات، من قَبِيل: طبيعة السياسات القطرية بعد كأس العالم، والسياسات التركية بعد الانتخابات، والسياسات السعودية والإماراتية في حال عودة ترامب، وكذلك طبيعة السياسات الأمريكية في المنطقة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الأوكرانية؟
وفي هذا الإطار يمكن القول: إن منطقة الشرق الأوسط، تشهد عملية تسكين إجبارية فرضت الكثير من أدواتها وإجراءاتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد وصول بايدن وتوليه الحكم في يناير 2021، وحشده الجهود لاحتواء روسيا والصين، ومع اختلاف أهداف ومصالح ودوافع الأطراف الإقليمية من تحوُّلاتها، إلا أن هذه التحوُّلات تبقى تكتيكية، ولم تصل إلى درجة وَصْفها بالإستراتيجية، في ظل بقاء عوامل الصراع والتوتر التي رسختها أزمات وصراعات ما بعد 2011.