ما وراء التواصُل بين حركة الشباب الصومالية والحوثيين؟

ما وراء التواصُل بين حركة الشباب الصومالية والحوثيين؟

2024-08-13
1007 مشاهدة

غالباً ما كانت تُثار علاقة حركة الشباب بالتنظيمات المسلحة ذات الطابع الأيديولوجي والمماثلة لها شكلاً ومضموناً، وهو ما كان يعطيها بُعداً دولياً بعيداً عن حواضنها المحلية، باعتبار أنها كيان يتجاوز الحدود والجغرافيا، وأعلنت ارتباطها بتنظيم القاعدة عام 2012، واعتبرت نفسها جزءاً من هذا التنظيم وامتداداً طبيعياً له في منطقة القرن الإفريقي، ذات الأهمية الإستراتيجية، وكثر الحديث في الفترة الأخيرة عن علاقات مشبوهة بين حركة الشباب والحوثيين الموالين لإيران في اليمن، وهو ما يثير موجة من التساؤُلات حول طبيعة تلك العلاقة ومضمونها وأهدافها بين تنظيم سلفي جهادي وآخر ينتمي إلى التيار الشيعي، وذي علاقة خاصة بإيران، لكن نقطة الالتقاء بين الجماعتين يبقى محورها الأول في إمكانية تشكيل ضغط عسكري في منطقة البحر الأحمر، عَبْر تحالُف جديد بينهما، من أجل شلّ حركة السفن العالمية التي تأثرت بالفعل نتيجة هجمات الحوثيين، وهو ما أجبر العديدَ من السفن على تغيير مساراتها.

وإذا تمكن الحوثيون من تزويد حركة الشباب بأسلحة متطوِّرة تكنولوجياً فمن المحتمل أن تُشكِّل "الشباب" قوة هجومية في المنطقة، لها علاقة مع إيران.

طبيعة العلاقات

في الإجابة عن هُوِيّة العلاقة بين التنظيمين، فالجدير بذكره أن التيار السلفي الجهادي في الصومال ظلّ يستخدم البروباغندا الأيديولوجية الموجَّهة ضدّ التيار الصوفي واتهامه بالشعوذة وتكفيره، وسادت أطروحات علاقة الصوفية بنسختها الصومالية بالشيعة، وهو ما كان أساس الدعاية التي روَّجتها التنظيمات السلفية بشِقّها الجهادي في محاربة مَن يخالفها في الرأي والمنهجيات وتكفيره، بينما في المقابل فإن جماعة الحوثيين بنت هُوِيّتها على أساس مواجهة الأيديولوجيات السنية المتطرفة.

 ويبدو أن شعرة العلاقة التي تربط بين الجماعتين، تتركز في ثلاثة محاور هي:

1. حاجة الحوثيين إلى سيولة مالية في ترتيب شأنها الداخلي ودفع رواتب أنصارها والموظفين، إلى جانب إمكانية تجنيد عدد أكبر من المقاتلين، وتطوير بِنْيتها العسكرية وتطوير قدرات مقاتليها وكفاءتهم، ويمكن أن توفر حركة الشباب الموالية للقاعدة هذه الأموال؛ لأن الحركة أثبت أنها قادرة على تجاوز العقوبات الدولية التي تستهدف كبار قادتها ومموليها بسبب العدد الهائل للكيانات التجارية التابعة لحركة الشباب، وقدرتها على التعامل نقدًا أو غسل الأموال من خلال شراء الذهب، ومحدودية الرقابة الحكومية على القطاع المالي الصومالي.

2. حاجة حركة الشباب إلى تأمين خطوط إمدادها من الأسلحة المستوردة، وذلك بعد خسارتها منافذ بحرية مطلّة على المحيط الهندي مطلع عام 2023، تحديداً بعد أن فقدت السيطرة على مدن ساحلية في إقليم جلمدغ بعد تزايُد الضغط العسكري عليها من قِبل الحكومة الصومالية، هذا بالإضافة إلى تراجُع نفوذها العسكري في منطقة بونتلاند، تحديداً جبال (علي مسكات) على حساب تنظيم داعش الذي توسَّع في هذه المنطقة، لكن القلق الأكبر يتمثَّل حالياً في إمكانية تزويد الحوثيين لحركة الشباب بطائرات مسيرة وصواريخ أرض جو، وهو ما قد يغير قواعد اللعبة في القرن الإفريقي، ويهدد مصالح الغرب وأمريكا في مناطق عدة بالإقليم.

3. يعتبر كِلا الجانبين الولايات المتحدة العدو الأول بالنسبة لهما، وهو ما قد يشكل دافعاً آخر يعزز العلاقات بين الجانبين، هذا في ظلّ وجود تراجُع النفوذ الأمريكي في غرب إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي، نتيجة سياسات واشنطن وتدخُّلها في الشأن الداخلي للعديد من دول القارة، وذلك على حساب روسيا والصين، اللتين تُوليان اهتماماً كبيراً فقط في التعاون التجاري والاقتصادي والعسكري.

وقد أوردت تقارير محلية أن وفداً حوثياً أجرى لقاءً مع قيادات من حركة الشباب الموالية للقاعدة في جنوب الصومال، في النصف من العام الجاري، تمهيداً للقاءات موسعة بين الجانبين، لإبرام اتفاقيات في تهريب السلاح إلى الصومال وتدريب عناصر حركة الشباب على كيفية استخدام الأسلحة المتطورة (الطائرات المسيَّرة، صواريخ أرض جو) وهو ما يُجبِر الحركة على نقل عناصر تابعة لها إلى اليمن عبر طرق التهريب غير الشرعية.

تداعيات وخيمة

لا شكّ أن تطوُّر قدرات حركة الشباب الهجومية وامتلاكها طائرات مسيرة وصواريخ "أرض-جو" يُشكِّل قلقاً محلياً وإقليمياً ودولياً، فبالنسبة للحكومة الصومالية، فإن استخدام حركة الشباب لهذه الأدوات يُعرِّض قواتها للخطر، ويُرجِّح كِفّة القتال لصالح الحركة، إذا توفرت لديها إمكانية تشغيل الطائرات المسيَّرة في غضون المعارك بوسط البلاد وجنوبها، أما إقليمياً، فإن إثيوبيا ستستشعر خطراً جسيماً في حال امتلاك مَن تصفهم بالأعداء الإسلاميين المتشددين أسلحة متطوِّرة، وهو ما قد يؤدي إلى اجتياح عسكري إثيوبي جديد في المنطقة لتأمين مجالها الجوي والبري، وكذلك كينيا التي لا تزال حدودها غير آمنة، إذ تنفذ الحركة هجمات بالقنابل والألغام ضدّ الجيش الكيني، كما تتعرض للقواعد الأمريكية والبريطانية في المنطقة، ما قد يرفع سقف التأهُّب لدول المنطقة من جهة والولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة من جهة ثانية.

أما على صعيد الداخل الصومالي، فإن وجود علاقة بين الحوثيين وحركة الشباب، وبروزها إلى العلن يمكن أن يؤثر مستقبلاً على تماسُك الحركة من الداخل، وينسف أيديولوجيتها المبنية على عدم التعاون مع الأجنبي (لفظ "الأجنبي" في أدبيات التيارات الجهادية يُقصَد به غير المسلم)، وهو مبرر قتالها ضدّ الحكومة الصومالية قُرابة عَقْدين من الزمن، ويجعل سرديَّتها في استهداف مباشر من خصومها التقليديين في الصومال، من التيارات السلفية والصوفية الأخرى.

إيران وراء الكواليس  

أفادت تقارير غربية بأن دور إيران في تشبيك العلاقات بين الحوثيين وحركة الشباب لم يُلاحَظ بعد، وبحَسَب بعض المصادر، فإن إيران لديها علم بالعلاقة بين الطرفين، خاصة أنه ليس المتوقع قيام الحوثيين بمثل هذه التواصُلات دون علم إيران.

ولا توجد حالياً علاقات دبلوماسية بين إيران والصومال بعد أن بادرت مقديشو أواخر 2016 بطرد البعثة الدبلوماسية الإيرانية من العاصمة الصومالية بعد اتهامات لإيران بنشر المذهب الشيعي، وتزامن القرار مع قطع العلاقات الإيرانية السعودية بعد الاعتداء على السفارة السعودية في إيران آنذاك، ولا تزال إيران تبحث عن إمكانية العودة إلى الصومال وحلّ خلافها مع مقديشو.

تُعتبر العلاقة الراهنة بين الحوثيين وحركة الشباب بدائية ولم تتطور بعد، لكن يمكن أن تمهد لعلاقات أكبر مستقبلاً إذا لم تتخذ الحكومة الفيدرالية وشركاؤها الدوليون خُطوات جادة لقطع الطريق بين الطرفين.

إن إمكانية استخدام حركة الشباب للسلاح الإيراني لمهاجمة أهداف أمريكية وغربية في المنطقة، يعطي إيران الفرصة لتحقيق خرق جديد في منطقة القرن الإفريقي، وهو ما تسعى إلى توسيعه تدريجياً.