هل من دور للسلطة الفلسطينية في مستقبل غزة في ضوء تعيين حكومة جديدة؟
2024-03-27908 مشاهدة
رداً على موقفها الرافض لإدانة هجمات السابع من أكتوبر، واجهت قيادة حركة فتح والسلطة الفلسطينية في رام الله هجوماً غير مسبوق من أقطاب اليمين الديني الذي يمثل الحكومة الإسرائيلية، وظل نتنياهو والعديد من الشخصيات السياسية الإسرائيلية يرددون خطاباً إعلامياً رافضاً لأي حل سياسي مع الشعب الفلسطيني، ولما عرض وزير الحرب يوآف غالانت في 15 مارس/ آذار 2024 خيارات جيشه السيئة في التعامل مع قطاع غزة خلال المرحلة المقبلة، لم يأتِ على ذكر السلطة الفلسطينية وعودتها إلى قطاع غزة، وهذا يمكن تفسيره في إطار المساعي الإسرائيلية للحيلولة دون حدوث أي ربط جغرافي إداري وسياسي بين قطاع غزة والضفة الغربية، أو أن عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزة لم تَعُدْ ضِمن الخيارات السيئة التي يتم دراستها إسرائيلياً.
الحفاظ على إبعاد الضفة الغربية عن أحداث غزة
من جانبها حافظت السلطة الفلسطينية خلال الأشهر الأربعة الأولى التي أعقبت هجمات السابع من أكتوبر على الابتعاد سياسياً عن المشهد الكارثي في غزة، وهو ما جعل الكثير من المراقبين يعتقدون أنها مُغيَّبة عن الأحداث، أو تضع رأسها في الرمال لتجنُّب ارتدادات العاصفة القادمة من غزة، وما يترتب عليها من تداعيات سياسية أكبر بكثير من أن تحتملها السلطة الفلسطينية، التي فضلت الحفاظ على دورها الأمني لإبعاد أحداث غزة عن الضفة الغربية، كما أنه لم يكن لها أي موقف واضح تجاه مصادرة نحو 10 آلاف دونم من أراضي الضفة الغربية التي تتبعها حكومة نتنياهو خلال الأسابيع القليلة الماضية.
التركيز الدولي على إصلاح السلطة الفلسطينية
بالرغم من تبني إدارة الديمقراطي بايدن موقفاً داعياً إلى العودة لمسار عملية السلام، مع التأكيد على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية، وهو ما يتعارض مع دعوات حكومة نتنياهو الرافضة للعودة إلى مسار أوسلو، إلا أن الأطراف الدولية لم تتحرك عملياً نحو تعزيز هذا الموقف، لا بالضغط على إسرائيل، ولا حتى بإعطاء الشعب الفلسطيني أي بارقة أمل لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية، حيث يُفهم هذا الخطاب السياسي الأمريكي فلسطينياً كنوع من الاستهلاك الإعلامي الرامي لتبرير الدعم الأمريكي اللامحدود للإبادة الجماعية الجارية في غزة، خاصةً أن ما يتم التركيز عليه خلال التواصل مع قيادة السلطة الفلسطينية لا يأتي على ذكر الدولة الفلسطينية، فالإدارة الأمريكية والأطراف الأوروبية -وحتى الأطراف الإقليمية- ظلوا يتحدثون خلال الأشهر القليلة الماضية عن ضرورة إصلاح السلطة الفلسطينية، عَبْر تشكيل حكومة فلسطينية بصلاحيات واسعة، تشبه تلك الحكومة التي شُكلت خلال السنوات الأخيرة في حياة الرئيس الراحل ياسر عرفات، من أجل إبعاده محمود عباس عن القرار الفلسطيني، وهو ما وضع هذا الأخير تحت تهديدات التغيير.
محمود عباس يستشعر الخطر
لم يستشعر عباس خطورة الموقف، إلا مع تحرُّكات محمد دحلان في غزة، والتي جاءت بدعم إقليمي، وتفهُّم حمساوي لمستوى الكارثة الإنسانية في القطاع، وحاجة غزة المُلِحّة لكل أشكال الدعم، بغضّ النظر عن الخلافات السياسية الداخلية، فبعد زيارة حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى الرياض في 8 شباط/ فبراير 2024 لحضور لقاء تعزيز الموقف العربي بشأن دراسة ما بعد الحرب على غزة، وما تعرض إليه من انتقادات إقليمية بسبب موقف السلطة الفلسطينية وحركة فتح السلبية تجاه ما يجري في غزة، وما أعقب ذلك من تصريحات دحلان التي عبَّر خلاها عن رفضه لوجود عباس وحماس في الحكم خلال المرحلة المقبلة، وصولاً إلى محاولات أمير قطر لإقناع محمود عباس بضرورة العودة إلى مسار المصالحة الفلسطينية، هنا أدركت السلطة الفلسطينية خطورة الموقف، وبدأت أخبار استقالة الفتحاوي محمد اشتية من رئاسة الوزراء تتسرب عَبْر الإعلام المحلي.
في هذه الأثناء لم يستطع محمود عباس انتظار ما سوف تُسفر عنه لقاءات الفصائل الفلسطينية في موسكو، مفضلاً قبول استقالة حكومة محمد اشتية، وتكليف المستقل محمد مصطفى بتشكيل حكومة من التكنوقراط، بعيداً عما استعدّت له حركة حماس على لسان ممثلها موسى أبو مرزوق، الذي أكد على قبول حركته لحكومة تكنوقراط بمرجعية وطنية، وهو ما رفضه محمود عباس، مفضلاً تغيير الأشخاص دون أي تغيير حقيقي على مستوى مرجعية الحكومة الجديدة وصلاحياتها.
تجاهُل إصلاح السلطة الفلسطينية، ومحاولات تمكينها في غزة
مقابل تحرُّك محمود عباس في رام الله، لم يظهر أي رد سلبي أو رافض من الأطراف الدولية والإقليمية التي كانت تضغط لإصلاح السلطة الفلسطينية، بل عبَّرت العديد من تلك الأطراف الدولية عن ترحيبها بتكليف محمد مصطفى بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة ورئاستها، وهو ما يؤكد على أن مسألة إصلاح السلطة الفلسطينية ليست إلا مجرد ضغوط هدفها ضمان الحفاظ على الوضع الأمني في الضفة الغربية خلال المرحلة الحالية، عَبْر جعل السلطة الفلسطينية أكثر تعاوُناً على المستوى الأمني مع إسرائيل، لضمان بقائها بعيداً عما يجري في غزة، مع التحرك غير المعلَن لإعادة إشراف السلطة الفلسطينية على قطاع غزة لمرحلة ما بعد حماس.
يأتي الاجتماع السري الذي جرى في 21 آذار/ مارس 2024 والذي أشارت إليه القناة 13 الإسرائيلية، بين مسؤولين إسرائيليين في الجيش والشاباك مع مسؤول كبير في حركة فتح، وناقشوا خلاله دور السلطة الفلسطينية في اليوم التالي لما بعد حرب غزة، بعد سلسلة تسريبات بشأن مساعي رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج لتشكيل نواة لقوة أمنية في قطاع غزة مهمتها السيطرة على الأمن هناك، حيث تؤكد تلك التسريبات ما تم الحديث عنه بشأن مطالب دول أوروبية من السلطة الفلسطينية خلال الأسابيع الأولى للحرب على غزة بضرورة الاستعداد لتولي المسؤولية الأمنية في غزة، كما أشارت الأنباء إلى تعاون أحد الأطراف الإقليمية في تدريب عناصر أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية، بإشراف أطراف دولية، فيما يشبه مخطط الجنرال الأمريكي دايتون، الذي عمل على بناء عقيدة أمنية جديدة للسلطة الفلسطينية بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2005.
ولا شكَّ في أن عدم إدراج السلطة الفلسطينية ضِمن خيارات إسرائيل السيئة في غزة، ثم السعي الدولي والإقليمي لإيجاد أرضية أمنية للسلطة الفلسطينية في غزة، وصولاً إلى الترحيب بتكليف محمد مصطفى بغضّ النظر عن أي إصلاحات كانت ضِمن المطالب الدولية والإقليمية سابقاً، مع وجود أنباء تُشير إلى أن تسمية وزراء حكومة التكنوقراط تجري بالتشاور مع أطراف دولية، فكل تلك المؤشرات تؤكد على أن ثَمَّة رغبة دولية -وربما إسرائيلية محتملة- لعودة سيطرة السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، وربما يدعم صحةَ تلك الأنباء أن حركة فتح التي ظلت ترفض إدانة عملية السابع من أكتوبر خلال الأشهر الماضية، هاجمت في بيانها حركة حماس والهجوم الذي قامت به واصفة إياه بـ"مغامرة السابع من أكتوبر"، البيان الذي جاء كردّ على حركة حماس بشأن رفضها للحكومة الجديدة.
غير أن عودة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع تبقى مرهونة بنتائج الحرب الجارية حالياً، خصوصاً أن العمليات العسكرية التي تجريها حكومة نتنياهو هناك ليست محدَّدة زمنياً حتى الآن.
ختاماً
ربما ترى السلطة الفلسطينية أن التماهي مع المجتمع الدولي، والتعاون الأمني مع إسرائيل في الضفة الغربية -إلى جانب تعديل موقفها بشأن السابع من أكتوبر، وقبولها بتشكيل حكومة جديدة بدعم من الجهات الدولية- يمكن أن يُسهم في فتح الباب لعودتها إلى قطاع غزة، إلا أن تحدي موافقة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية ما زال حاضراً، وهذا ما يُبقي إمكانية عودة السلطة لحكم القطاع محلَّ شَكٍّ.