عملية "طوفان الأقصى".. كيف تفاعلت معها التنظيمات الجهادية؟

عملية "طوفان الأقصى".. كيف تفاعلت معها التنظيمات الجهادية؟

2023-10-24
2329 مشاهدة

إثر اندلاع المعارك الأخيرة بين كتائب القسام والجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، تعالت ردود الفعل العربية والدولية والشعبية، بين مؤيد ومعارض، إلا أن اللافت للنظر أن هذا الانقسام لم ينحصر في القواعد الشعبية أو البِنى الفوقية الحاكمة، بل امتدّ إلى التنظيمات الجهادية المحلية والعالمية بمختلف أطيافها -السنّيّة والشيعيّة-، مما يستدعي الوقوف عند أبرز هذه المواقف، ورصد تفاعل هذه التنظيمات الجهادية مع الحدث الأبرز في الساحة العالمية!
فروع القاعدة.. بين التأييد والاستعداد للمناصرة
أصدرت مؤسسة الملاحم التابعة لتنظيم القاعدة الأم إصدارًا مرئيًّا يُذكِّر بمقولات قيادات التنظيم وحثهم على الجهاد في فلسطين مثل مقولات "أسامة بن لادن" وتأكيد بعض عناصر القاعدة في مختلف الفروع أن قتالهم امتداد لجهاد الفلسطينيين ضد إسرائيل، كما أصدرت بقية فروع تنظيم القاعدة بيانات متعددة، تثمّن العمليات التي تقودها حماس، وتؤيدها، وتُبدي استعدادها للانضمام إليها بمختلف الطرق. 
لا يغيب عن التأطير النظري لهذه البيانات الإشارة المتكررة إلى أن القدس هي قضية المسلمين الأولى، وأن تنظيم القاعدة جعل الدفاع عنها عقيدته الأساسية وغايته الأسمى، أما عمليًّا فقد كان كثير من العمليات التي نفذتها هذه الفروع تحت مسمّى "القدس لن تُهوَّد" كما كان شعار عمليات حركة الشباب المجاهدين في الصومال على مدار عامَيْ 2020 و 2021 هو الشعار ذاته الذي اقتبسه تنظيم حراس الدين ليعلن في بيانه عن مساندة حماس وتأييد مساعيها في تحرير الأقصى تحت الشعار نفسه "القدس لن تُهوَّد". 
من الشرق إلى الغرب، صدرت بيانات فروع القاعدة، كفرعها في شِبه القارة الهندية، وفرعها في سورية، والجزيرة العربية، والصومال، وفرعيها غربي القارة الإفريقية -تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين- إلا أن منشور مؤسسة "نواعي غزوة الهند" الإعلامية، عنونت مجلتها الأسبوعية بالخطّ العريض "الباقي متروك لك" ووضعت صورة طيار يهبط بطائرته الشراعية فوق الأقصى. 
سعت المجلة -في عددها الأخير- إلى استحضار عملية "طوفان الأقصى" في سياق البحث عن إعادة إنتاج تنظيم القاعدة في حربه على الأنظمة "العميلة"، إلى جانب استحضار التاريخ بانتصاراته -صلاح الدين- ، وهزائمه -ملوك الطوائف في الأندلس- وأن الجامع بين الانتصار والهزيمة أمران، إما إحياء فريضة الجهاد أو إهمالها. 
كان للمجلة وقفات أخرى متنوعة، فلم يَغِبْ عنها -مثلاً- مهاجمة المملكة السعودية وانتقاد انفتاحها على العالم -وما سماه المؤلف من- انتشار الدعارة بالقرب من الحرمين الشريفين، إلى جانب تشبيه القصف الإسرائيلي على غزة بقصف هيروشيما وناكازاكي أواخر الحرب العالمية الثانية.
الحلّ لدى المؤسسة بسيط ومركّب في الوقت نفسه، إنه إشعال الجهاد في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك باكستان وكشمير والهند وبنغلاديش واليمن ومالي والجزائر وسورية والصومال، وصولاً إلى فلسطين، حيث لا يمكن نصر "الإخوة" هناك إلا بهذا الجهاد. 
ليس بعيدًا عن ذلك ما نشرته فروع التنظيم كلها، من سورية إلى القاعدة في المغرب الإسلامي، حيث الإشادة بعملية "طوفان الأقصى" وإعلان احترام حماس وكتائب عز الدين القسام في استهدافها للقوات الإسرائيلية والتعهد بنصرتهم ودعوة المسلمين لنصرتهم، وجدير بالذكر أيضًا أن حركة طالبان الأفغانية ومختلف الميليشيات الشيعية في العراق واليمن وسورية أشادت بعملية طوفان الأقصى.
ماذا عن تنظيم الدولة!
لم يكن تنظيم الدولة بعيدًا عن مجريات الأحداث، فقد أصدرت مجلة النبأ -التي يشرف عليها ديوان الإعلام في التنظيم- على مدار عددين متتاليين (412- 413) مقالات حول الموقف من قضية الأقصى والاحتلال الإسرائيلي ورسومًا بيانية -إنفوغراف- حول ما يمكن للمسلم فعله في نصرة الأقصى ونصرة "المنكوبين" من المسلمين في غزة، كما تضمنت تلك المقالات صورًا من عمليات الجيش الإسرائيلي في تدمير المدينة. 
عنونت المجلة مقال العدد الأول 412 بـ "نصرة المسلمين" فأشارت إلى موجبات النصرة وضرورتها وما يتصل بها من كونها عقيدةً لا واجبًا إنسانيًّا أو حقوقيًّا، وأشار التنظيم في المقال بشكل ضمنيٍّ إلى معاناة أهل غزة، ودعا المسلمين لنصرة المنكوبين. أما مقال المجلة الثاني -العدد 413- فكان بعنوان "خُطوات عملية لقتال اليهود" ليتقدّم خُطوة على الفروع التابعة للقاعدة، فيعلن أن القتال إلى صفّ "المحور الإيراني" لن يحقق للمسلمين ما يصبون إليه، -أي تحكيم الشريعة وإقامة الخلافة-، بل سيزيد واقع القضية تعقيدًا؛ لأنه يتبنّى سردية إنسانيّة وحقوقية وقوانين دولية معينة، وأكد أن التمسك بهذه السردية لن يحقق للأقصى تحريرًا. 
ما الحلّ إذن؟ يتوجه التنظيم لعامة المسلمين، بعيدًا عن ذكر حماس -تصريحًا- ليؤكد لهم أن غياب الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة جزء من سردية الهزيمة، ولا بد من تفعيل هذه الخطوة الدفاعية لمنع اليهود من اقتحام القطاع، حيث إن إسقاط مشروع الاحتلال يحتاج إلى إصلاح عقائدي يستغني عن خطاب الوطنية والديمقراطية. 
بين القاعدة وتنظيم الدولة.. مقارنة خاطفة
يجب البدء في هذه الفقرة بالإشارة إلى تنظيم الدولة، فقد استغرق الوقت من ديوان الإعلام قُرابة أسبوعين ليسلّط الضوء -بشكل خاطف- على قضية القطاع مع حرصه على اللمز بمستندات حركة حماس في خطاب التحرير وسردية التعامل مع الرهائن وضرورة التحالف مع محور دولي -بغض النظر عن كونه في هذه الحالة المحور الإيراني- لتحقيق الأهداف العسكرية والسياسية. 
أما التنظيم فإنه يقدم سردية أخرى خارج هذا الإطار، فهو لا يعترف بحدود قطرية أو دولية، ويرى المعركة بين معسكرين -إيمان وكفر- والأنظمة السياسية تمالئ العالم في مواجهة المسلمين ليبقوا في مناصبهم، وكذلك التنظيمات الأخرى تتواطأ بطريقة أو بأخرى لتواجه تنظيم الدولة الذي يغرد خارج سرب القوانين البشرية. 
على هذه الخُطَى جاءت تعليقات مناصري التنظيم من اليوم الأول للمعركة، فسلطوا الضوء -بصراحة- على ما وصفوه "عمالة" حماس للاحتلال الإسرائيلي ودول الطوق لمنع تنظيم الدولة من الوصول إلى غزة ومواجهة الاحتلال فيها، إلى جانب استنكار سلوك حماس الفكري المطالب باتباع قواعد القانون الدولي والإنساني والباحث عن تعاونٍ دوليٍّ ضد الانتهاكات اليومية للاحتلال وغير ذلك من الاختلافات التي سُلِّط الضوء عليها من قِبلهم. 
أما تنظيم القاعدة وفروعه، فقد سارع إلى إصدار البيانات منذ اليوم التالي للعملية، ثم تتابعت بيانات الفروع، إلا أنها لم تُشِر إلى شيء مما حرص تنظيم الدولة على إيضاحه، بل حرصت جميع البيانات الصادرة عن القاعدة على إظهار تأييد حماس وشكرها، ولم يتعرض أيٌّ منها لسلوكها السياسي أو العسكري، وعلى هذه الخُطَى سارت معرّفات أنصار التنظيم ومؤسساته الإعلامية. 

من هنا، يتصاعد سؤال مفاده: هل يمكن أن يكون لهذا التفاوت أثر في توصيف الرؤية حول التنظيمين؟ وفي الجواب لا بد من التأكيد على أن سرعة القاعدة تُوحي بوجود تفاعُل أسرع ومتابعة نشطة لأحداث العالم الإسلامي، ومحاولة إصدار بيانات متتالية في حقها، وهو ما يجعل مناصري تنظيم الدولة يصفونه بـ "تنظيم قاعدة البيانات"، في حين أن تنظيم الدولة يتبع سلوكًا واضحًا بتأخير إبداء الرأي والإفصاح عن التوجُّه منذ ما يزيد عن عامين، وهذا ما اتضح بتأخيره الإعلان عن مقتل قائديه الأخيرين وتولية غيرهما مكانهما، وعدم تبني عشرات العمليات التي تنفذها خلاياه، وذلك لأسباب مركَّبة بين الوضع الميداني والرؤية الإستراتيجية وبُطْء التواصُل والتوجيه من قِبل المفوَّضين في تسيير مكتب الإعلام المركزي والمؤسسات المناصرة.