اليمن.. حلف قبائل حضرموت ومسارات التفكيك
2023-01-212362 مشاهدة
في 7 يوليو 2013م توافدت وفود حضرمية إلى وادي نحب من مناطق حضرموت اليمنية بعد أن دعتهم إلى هذا اللقاء قبائل الحموم. وهناك تم التوقيع على وثيقة حلف قبائل حضرموت، وتم انتخاب المقدم سعد بن حمد بن حبريش رئيساً للحلف لمدة. وجاء هذا التأسيس مُطالِباً بحقوق أبناء حضرموت والتي يقول أبناؤها إنها تعرضت للتهميش على مدار عشرات السنوات، رغم أنها تمتلك أغلب ثروات البلاد.
لكن بعد أشهُر قليلة تعرَّض رئيس الحلف للاغتيال، وهذا دفع بأبناء حضرموت إلى التصعيد في بعض المناطق وقد استفادت من هذه الأمور القاعدة ووسَّعت من مناطق نفوذها في المحافظة. كما أزعج الحلف عند تأسيسه الحراك الجنوبي؛ لأنه يرى أنه لا يهتم بالجنوب وأن اهتمامه فقط بحضرموت، ويرى أن مشروع الحلف سيشكل عائقاً كبيراً للحراك في المحافظة، خصوصا أن أبناء حضرموت عكس بقية أبناء اليمن يعتقدون أن لهم هُوِيَّتهم الخاصة وسيقبلون أي مشروع حضرمي أكبر من مشروع الوحدة أو الانفصال تحت اسم الجنوب.
ومع بداية الحرب التي بدأها الحوثيون في عام 2014، وسقوط مؤسسات الدولة وسيطرتهم على معظم المحافظات اليمنية، استطاعت القاعدة السيطرة على كثير من مناطق حضرموت، وبعد تدخُّل التحالف العربي وتحرير المكلا مركز محافظة حضرموت، اجتمع كل أبناء الطيف الحضرمي وتم تشكيل مؤتمر حضرموت الجامع عام 2017، واتهم بعض أبناء وادي وصحراء حضرموت أبناء الساحل بالانفراد بقرار الحلف والجامع، وأسسوا مرجعية قبائل حضرموت الوادي والصحراء.
ومع تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017، والذي يطالب بالانفصال بدا في السنوات الأخيرة التحرك في حضرموت وذلك عَبْر بعض شيوخ ومقادمة حضرموت أمثال الشيخ حسن الجابري وتم تأسيس كتلة حلف وجامع حضرموت من أجل حضرموت والجنوب، في تموز 2021، وهذا المكون غير بقية المكونات الحضرمية؛ لأنه يدافع عن مطالب الانفصال للجنوب، ولا يحمل مشروعاً حضرمياً بَحْتاً كالبقية، ويرأس حلفَ قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع وكيلُ المحافظة، الشيخ عمرو بن علي بن حبريش العليي الحمومي.
وقد اُتهمت السعودية منذ البداية بدعم الحلف، في ظل العلاقة التي تربط بين قبائل الوادي والسعودية ودخول السعودية في عمق المجتمع في هذه المنطقة. وتعتبر السعودية أن وادي حضرموت خط أحمر بالنسبة لها. كما تعددت الزيارات التي يقوم بها شيوخ ومقادمة من الوادي والصحراء في حضرموت إلى السعودية. كان من بينها زيارة الوكيل السابق للمحافظة لشؤون الوادي عصام حبريش، والذي عاد بعد مكوث ثلاثة أشهر فيها. وقد عُين وكيلاً لوزارة الإدارة المحلية.
وفي ظل استمرار دعوات التحريض وفعّاليات الانتقالي المستهدِفة لحضرموت دعا حلف قبائل حضرموت إلى عقد اجتماع في مدينة المكلا في 19 نوفمبر 2022، واحتشدت القوى الاجتماعية الفاعلة والسياسية بالمحافظة، وقد خرج الاجتماع ببيان حذر فيه من الأطماع التوسعية في حضرموت بدعوى تحريرها من قوات المنطقة العسكرية الأولى، وطالب البيان بتعيين القيادات العسكرية من أبناء حضرموت في كل من المنطقة الأولى، ولواء بارشيد التابع للانتقالي، وقد اعتبر المجلس الانتقالي بأن بيان حلف قبائل حضرموت موجَّهٌ ضده، وشنَّ حملات إعلامية ضد اللقاء ومُخرَجاته. وتشهد الحالة العسكرية والأمنية في الوادي والساحل وضعاً غير مستقر في ظل استمرار حالة التصعيد في الوادي.
وقد تنامى تحريض الانتقالي ضدّ الوادي ومؤسسات الدولة فيه وعلى رأسها المنطقة العسكرية الأولى بالإضافة إلى وجود وتفعيل العمل الشعبي والاجتماعي المضادّ لمشروع الانتقالي، والذي تُوج بانعقاد اجتماع للقيادات العسكرية والاجتماعية والسلطات المحلية بدعوة من قائد قوات التحالف العربي في سيئون، وخرج الاجتماع بإعلان دعم قوات المنطقة العسكرية الأولى والأجهزة الأمنية بمحافظة حضرموت ورفض أي تحرُّكات هادفة لنَشْر الفوضى وعدم الاستقرار في حضرموت.
كما شهدت محافظة حضرموت حراكاً شعبياً مستمراً لمواجهة مشروع الانتقالي الساعي لبسط نفوذ داعميه على المحافظة، ويأتي هذا الحراك تحت سقف خصوصية حضرموت وجاهزيتها لتقرير مصيرها في حال اتجهت المشاريع السياسية لشَرْعَنة سلطة الانتقالي على الجنوب.
وقد دعا عصام بن حبريش عدداً من الشخصيات السياسية والقبلية للعمل على مشروع حضرموت السياسي المستقبلي، في احتفالات كبيرة شهدت رفع أعلام ما سُمي (دولة حضرموت) في شوارع سيئون احتفاءً بما سُمي اليوم الوطني الحضرمي في العشرين من ديسمبر، كما احتفل حلف قبائل حضرموت والمرجعيات والمكونات الداعمة لها في سيئون بالذكرى التاسعة للهبة الحضرمية مع ارتفاع الأصوات المنادية بدولة حضرموت، وتم الاحتفال بالمناسبة ذاتها في المكلا دون رفع أعلام حضرموت في قاعة الاحتفال كما جرى في سيئون، ويُعَدّ هذا الحراك الحضرمي في إطار تنافُس المشاريع السياسية ومواجهة مشروع الانتقالي الانفصالي، كما طالب الحلف الحضرمي بتجنيد 10 آلاف جندي من حضرموت، لتسلُّم الملفّ الأمني والعسكري في المحافظة، بعد أن يتم إخراج جميع القوات التي من خارج المحافظة.
وهو ما يعني في التحليل الأخير، مزيداً من التفتيت والتقسيم في المقدرات اليمنية، وترسيخاً لتوجُّهات تفكيك الدولة، مدعوماً بسياسات إقليمية ودولية، في تكرار لما شهده النموذج العراقي، والنموذج اللبناني والصومالي، ودون استفادة من التجارب والخبرات الإقليمية والدولية، حول دور العامل الخارجي في تفكيك البنى الوطنية، تحت مسميات وشعارات تتوافق مع مصالح بعض الأطراف الداخلية.