انقلاب النيجر وتراجُع النفوذ الفرنسي في غرب إفريقيا.. مَن يملأُ الفراغ؟
2023-08-021535 مشاهدة
ترافق الانقلاب العسكري الذي حدث في النيجر بشكل ملحوظ مع مظاهرات وشعارات مناهضة لفرنسا، وفي المقابل تم رفع الأعلام الروسية، كما تمّ نسب تسجيل صوتي لزعيم مجموعة فاغنر الروسية "بريغوجين" يدعم فيه الانقلاب في النيجر، على الرغم من الموقف الرسمي الروسي الحَذِر، ورغم ترجيح عدم وقوف روسيا وراء ذلك الانقلاب وَفْق تقديرات رسمية أمريكية وتقديرات العديد من المحللين، إلا أنّ القدر المتفق عليه بالتأكيد، أنه يُمثّل ضربة للنفوذ الفرنسي التقليدي في النيجر، بوصف فرنسا قوة مستعمرة قديمة في ذلك البلد، وفي إفريقيا الغربية عموماً، خاصة أن هذا الانقلاب قد سُبق بانقلابات مشابهة في بلدان مجاورة في الغرب الإفريقي، في مالي وبوركينا فاسو، وقد أفضت إلى مزيد من تقويض النفوذ الفرنسي.
وقد شهدت منطقة إفريقيا الغربية تصاعداً في مشاعر الكراهية والرفض للنفوذ الفرنسي، خاصة مع "شيطنته" من قِبل الآلة الإعلامية الروسية بحسب تعبير الرئيس الفرنسي ماكرون، ويبدو أن هنالك العديد من العوامل التي تلعب دوراً في تراجُع النفوذ الفرنسي أبرزها:
الأداء العسكري المتواضع للقوات الفرنسية: وقد برز ذلك واضحاً في اضطرار فرنسا لإنهاء عملية "برخان" في أواخر عام 2022، العملية التي بدأتها فرنسا في عموم منطقة الساحل الإفريقي ضد مسلحي تنظمَي القاعدة و"داعش" منذ عام 2013، وجاء الانسحاب الفرنسي نتيجة لتكبُّدها خسائر كبيرة في الأرواح، مما أدى أيضاً إلى زيادة قوة المجموعات المتطرفة، والذي ربما أسهم بدوره في حدوث انقلاب عسكري في مالي في عام 2020 من العسكريين الساخطين على الأداء العسكري الفرنسي المتدني، وقد اتهم قادة الانقلاب فرنسا بالتدخل السلبي في شؤون بلادهم، وقاموا بالاستعانة بمجموعات فاغنر الروسية، الوكيلة لروسيا، والتي بدورها تتميز بقدرات كبيرة في تحمل الخسائر البشرية على عكس فرنسا، التي لا تتحمل خسائر بشرية في قواتها خارج الوطن، هذا النموذج في مالي يوضح أحد أهم الديناميكيات المحركة لامتداد روسيا وتراجُع فرنسا في واحدة من القلاع الاستعمارية التاريخية الفرنسية (مالي).
دخول لاعبين ومنافسين جُدد على المنطقة: تمتلك إفريقيا موقعاً إستراتيجياً ومصادر لثروات معدنية متعددة كاليورانيوم والفوسفات والكروم، والعديد من المواد الأولية الضرورية للصناعات والتقدم التكنولوجي فضلاً عن مستقبلها كمصدر مهمّ للموارد البشرية، والذي يجعلها مجال تنافُس بين القوى الكبرى والقوى الصاعدة، ولا يقتصر الأمر على دخول روسيا كلاعب بدأ يفرض نفسه، بل هنالك آخرون من القوى العظمى مثل الصين، والولايات المتحدة، والقوى الصاعدة مثل تركيا والهند، وحتى ألمانيا.
التغيرات العالمية بعد الحرب الأوكرانية: برز التحدي الغذائي في موضوع الحبوب ونقلها كعامل مهم للعديد من الدول، وأبرزها الدول الإفريقية الفقيرة والتي يعاني سكانها من أزمات الغذاء والجوع، الأمر الذي يُعزّز من دور الأمن الغذائي كأداة سياسية، وهو ما برز واضحاً في وعود الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" مؤخراً خلال القمة الروسية الإفريقية التي تم عقدها في موسكو في تموز الماضي، حيث وعد "بوتين" عدداً من الدول الإفريقية بتقديم الحبوب لها مجاناً، في محاولة واضحة لاستثمار أداة الحبوب سياسياً لمدّ النفوذ الروسي في القارة السمراء.
الإرث الاستعماري: يبرزُ عِبْءُ الفترة الاستعمارية وحمولتها السياسية كسلاح ذي حدّين، فالارتباط الثقافي بفرنسا من خلال اللغة والتعليم، وما أسهمت به خلال الفترة الاستعمارية ساهم سابقاً في ترسيخ النفوذ الفرنسي، ولكن الجانب السلبي للحمولة الاستعمارية بدا الأكثر تأثيراً مؤخراً على الرغم من المقاربات الجديدة التي حاولت فرنسا تبنيها من خلال حديثها عن الشراكة وطيّ صفحة الفترة الاستعمارية، وتعزيز الأفرقة "Africanization"، والتي تشير إلى الاعتراف وضرورة التأكيد على الثقافة والمؤسسات والقيم الإفريقية، والترويج لها وتأكيد هُوِيّتها واستعادة تراثها بعد تاريخ من الاستعمار والتأثير الغربي.
بناءً على ما سبق من المتوقع استمرار تراجُع النفوذ الفرنسي في مستعمراتها التقليدية في غرب إفريقيا خاصة، وزيادة امتداد النفوذ الروسي، وإنْ كان بتسارُع أقل مما كان عليه قبل الحرب، ولعل ما يشير إلى ذلك هو تراجُع عدد الدول الإفريقية التي حضرت القمة الإفريقية الروسية التي عُقدت في تموز الماضي مقارنة بالقمة التي سبقتها، وبالتوازي من المؤكد أن اللاعبين الآخرين سوف يستغلون بدورهم التغيرات الحاصلة لمحاولة مدّ نفوذهم.