تشديد السياسات النقدية العالمية وأثره على اقتصادات الشرق الأوسط
2022-02-082438 مشاهدة
مع بَدْء الانتشار العالمي لفيروس "كوفيد-19" مطلع 2020 راحت الحكومات تدعم قطاع الأعمال والأُسَر في مواجهة الجائحة؛ من خلال تخفيضات ضريبية ومِنَح نقدية وإعفاء من تسديد فواتير مستحقة وغيرها من الإجراءات التيسيريّة، إضافة إلى تخفيض أسعار الفائدة في البنوك، في محاولة لحقن الاقتصاد بما يُفعِّل الطلب ويُقلِّل من احتمالية الركود.
أدّت حُزم الدعم وسياسة التوسع النقدي تلك دوراً حاسماً في ثبات اقتصادات العالم، بما فيها اقتصادات المنطقة، أمام الجائحة، ولكن هذا الأمر ساهم من جانب آخر في تحفيز الضغوط التضخمية.
الولايات المتحدة الأمريكية -وهي شريك تجاري رئيس لاقتصادات الشرق الأوسط- وصلت لمعدل تضخُّم هو الأعلى في أربعين عاماً، وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط نجد أن التضخُّم في دول الخليج ارتفع للمرة الأولى منذ سنوات فوق 2%، وتعاني تركيا من تضخُّم هيكلي ساهمت السياسة النقدية التوسعية العالمية والمحلية في زيادته، كما شهدت مصر معدلات تضخُّم تفوق 6%، وكذلك الأمر بالنسبة لإثيوبيا.
لا شك أن اقتصادات الشرق الأوسط تأثرت بشكل واضح بارتفاع التضخم العالمي، ولكنها على جانب آخر استطاعت أن تستفيد من سياسات التوسع في تحفيز النمو الاقتصادي لديها وزيادة أرقام الصادرات وتحقيق وصول أكبر للأسواق العالمية. ومع مطلع 2022 بدأت البنوك المركزية العالمية بمعالجة التضخم المرتفع. وقد تشمل هذه الإجراءات ضبط الكتلة النقدية عن طريق رفع سعر الفائدة وطرح سندات دَيْن. ومن المتوقع أن تشهد الأشهر القريبة المقبلة إجراءات واضحة في هذا السياق تنعكس على خَفْض معدلات التضخم في هذه الدول.
الإجراءات التي تعتزم الدول الكبرى اتخاذها لتخفيف التضخم ستؤدي لتباطُؤ النمو العالمي، وهو ما سيُولِّد اضطرابات مالية واقتصادية في اقتصادات دول المنطقة لجهتَي النمو المتوقع وكذلك الاقتراض الخارجي الذي سيتأثر برفع أسعار الفائدة، مما يعني دَفْع المزيد من الأموال مقابل الاقتراض.
علاوة على ذلك فإن هذه الدول -مع ارتفاع سعر الدولار- ستُضطرّ للتضحية بمزيد من الاحتياطات الأجنبية لضبط سعر الصرف، وهو ما سيكون في الغالب شديد التأثير على اقتصادات تركيا ومصر وإيران، وبشكل أقل على اقتصادات دول الخليج التي ستمر -بسبب ارتفاع سعر النفط المتوقع- بمرحلة إعادة تعويض احتياطاتها النقدية.
لعل المخاطر الكبرى على اقتصادات الشرق الأوسط تتعلق بحالة عدم اليقين التي ستسود أسواقَ المنطقةِ والأسواقَ العالميةَ، وهو ما قد يُسهم بتراجُع التدفُّقات الاستثمارية وتباطُؤ النمو؛ وسيُساهم برفع الدَّيْن العامّ وانخفاض التصنيفات الائتمانية لبعض اقتصادات المنطقة.