ما وراء الغارات الباكستانية على أفغانستان؟
2024-03-19742 مشاهدة
بتاريخ 18 آذار/ مارس 2024 أعلن المتحدث باسم حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان، ذبيح الله مجاهد، أن طائرات باكستانية نفذت غارات جوية على مواقع مدنية في ولايتَيْ باكتيكا وخوست الأفغانيتين، مما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص من النساء والأطفال، وبالعودة إلى مواقع القصف، فإنه لا يبدو من الصعوبة تحديد أن المدنيين المستهدفين هم في الدرجة الأولى من الحاضنة الشعبية لطالبان، حيث قصفت الطائرات منطقة "لامان" في منطقة "بارمال" في ولاية بكتيكا ومنطقة سبيرا في ولاية خوست، حيث تحاذي بكتيكا منطقة وزيرستان الجنوبية في حين أن سبيرا تحاذي منطقة وزيرستان الشمالية.
يأتي هذا القصف بعد يوم من تعهُّد الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري بالانتقام لمقتل سبعة جنود باكستانيين بينهم ضابطان في هجوم تبنته مجموعة غل بهادر في حركة طالبان الباكستانية والتي يقيم قائدها ضياء حافظ غل بهادر في أفغانستان، وذلك في هجوم لمجموعة من عناصره على موقع لقوات الأمن شمال وزيرستان.
يعود تعقُّد المسألة الأفغانية الباكستانية إلى ما قبل الغزو السوفييتي لأفغانستان، فقد كانت أفغانستان البلد المسلم الوحيد الذي يعارض عام 1947 السماح بانضمام باكستان إلى الأمم المتحدة، وذلك بسبب اتفاقية ديورند الموقَّعة بين ملك أفغانستان عبد الرحمن خان والمفوض البريطاني مورتيمر ديورند عام 1883 حيث تقتطع مساحات واسعة من أراضي أفغانستان التي تقطنها قبائل من قومية البشتون في الجنوب والجنوب الغربي لأفغانستان، وجرى ضم تلك المساحات إلى مستعمرات الاحتلال البريطاني للهند، ومع إعلان باكستان رفضت الحكومة ترسيم الحدود مع أفغانستان بما يضمن لها استعادة هذه المساحات الواقعة في إقليمَيْ خيبر بختونخوا وبلوشستان الباكستانييْنِ.
من جهة أخرى، فإن التوتُّرات بين طالبان والحكومات الباكستانية منذ سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان في آب/ أغسطس 2021 تعود إلى تصاعُد نشاط الجماعات الجهادية في باكستان بشكل رئيسي، وقد أدى تدهور العلاقات بين الطرفين إلى استخدام الحكومة الباكستانية ضغوطاً متنوعة على طالبان لتتعاون معها على تفكيك تلك الجماعات، حيث أغلقت المعابر البرية بين البلدين عدة مرات في فترات مختلفة عام 2022، و2023، كما أعلنت عن عزمها ترحيل جميع اللاجئين الأفغان إلى أفغانستان خلال شهرَيْ تشرين الأول/ أكتوبر، وتشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
تؤكد طالبان أفغانستان عدم وجود علاقة تنظيمية بينها وبين المجموعات التي تكوّن طالبان باكستان، إلا أن الأجهزة الأمنية الباكستانية تؤكّد وجود علاقات تمويل وتدريب وتجنيد بين الطرفين، وتدّعي وجود ما بين 5 آلاف إلى 6 آلاف عنصر من طالبان باكستان ينحدرون من ولايتَيْ باكتيكا وخوست، علماً أن تحرُّك أبناء البشتون بطرق غير رسمية على جانبَي الحدود في وزيرستان يُعَدّ أمراً روتينيّاً ويوميّاً.
من المرجَّح ألّا تُصعّد طالبان ردّها على الخرق الجوي لأراضي أفغانستان، إلا أنها قد تُصعّد ضدها دبلوماسياً من خلال توجيه الأنظار إلى "إخفاقات الأجهزة الأمنية الباكستانية" في منع وقوع عمليات ضدها، وأنه لا ينبغي لباكستان لوم أفغانستان على فشلها في السيطرة على حوادث العنف في أراضيها.
من المرجَّح أن تؤدي الضربات إلى مزيد من الاضطراب في العلاقات الباكستانية الأفغانية، وربما يتطور الأمر إلى بعض المناوشات على الحدود المشتركة بين البلدين بدعوى منع التهريب أو محاولة القبض على متسللين من الطرفين.
من اللافت للنظر أن الضربات تأتي في سياق تزايُد الاتصالات بين باكستان وقادة حركة طالبان الأفغانية عَبْر وُسطاء من علماء باكستانيين، مثل زيارة القائم بالأعمال الباكستاني في كابول إلى قندهار الأسبوع الماضي للقاء الملا شيرين أخوند والي جنوب قندهار، وأحد المقربين من زعيم طالبان، وزيارة مولانا فضل الرحمن رئيس جمعية علماء الإسلام لأفغانستان بحسب ما تذكر بعض المصادر، بهدف الوساطة وتطبيع العلاقات بشكل سَلِس بين الطرفين وحلّ مشكلة طالبان باكستان بطرق سلمية، وبناءً على ذلك فمن المحتمَل أن تكون هذه الضربات في سياق الضغط على طالبان الأفغانية لدفعها للإفصاح عن مواقع قيادات طالبان باكستان بالتوازي مع الوساطة الدبلوماسية تطبيقاً لسياسة العصا والجزرة، حيث تدّعي باكستان أن طالبان الأفغانية تقوم بتسليح طالبان باكستان وتُوفِّر ملاذاً آمناً لقياداتها وعناصرها.
من المحتمَل أن يعمل تنظيم الدولة في خراسان على استغلال الحادثة لصالح تعزيز حضوره في المنطقة، من خلال تسريب مواقع بعض القيادات الميدانية في طالبان باكستان من جهة، ورفع وَتِيرة الاعتداء على عناصر الأمن والجيش وإيهام الجهات الأمنية بوقوف طالبان باكستان أو طالبان الأفغانية خلف تلك الحوادث، وهو ما يزيد من توتُّر الموقف وتعقيده على الأرجح.