كيف حوّلت سياسات الاتحاد الأوروبي تونس إلى مقبرة إفريقيا؟
2023-07-131326 مشاهدة
نشر موقع Middle East Eye تقريراً تحليلياً لتعاطي الاتحاد الأوروبي مع تونس، من خلال الضغط عليها مالياً وسياسياً لتحويلها إلى نقطة حراسة متقدمة لمنع وصول المهاجرين عَبْر أراضيها إلى دول الاتحاد الأوروبي، بالتوازي مع التحريض الذي يقوم به الرئيس التونسي ضد المهاجرين، بما غذّى لغة الكراهية في البلاد، وتحوّلت إلى عمليات عنف ضد المهاجرين.
وتالياً هي الترجمة الكاملة للتقرير:
غادرت أمٌ وطفلها، إلى جانب العديد من الشباب والأطفال، شواطئ جرجيس التونسية، على متن قارب صيد صغير في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، ولكنهم لم يصلوا إلى أوروبا أبداً، وكما كان حال الكثيرين من قبلهم، تحولت آمالهم وأحلامهم إلى مأساة.
على مدى سنوات ماضية، عثر الصيادون المحليون على رفات جثث تعود لمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى وشمال إفريقيا، ولم يتعرفوا على أصحاب تلك الجثث إلا في حالة واحدة فقط، وهي كانت جثة تعود لفتاة صغيرة كانت طافية على وجه الماء في البحر لأيام وقد تعرفوا عليها من خلال سوارها المحفور عليه اسمها.
لقد تم إنشاء مقبرتين في جرجيس تُعرفان باسم "حديقة إفريقيا" و"مقبرة مجهولي الهُوِيَّة"، لدفن الجثث التي لم يتم التعرف على أصحابها، والتي تم انتشالها من البحر الأبيض المتوسط.
وقد قال عالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية والباحث في شؤون الهجرة أحمد جمعة: إن العديد من المهاجرين التونسيين غير الشرعيين هم من الأشخاص الذين رُفضت طلباتهم للحصول على تأشيرة، وقال: "لم يكن بيدهم أن اختاروا الهجرة على متن قوارب الصيد؛ ولكن صعوبة الإجراءات من أجل الحصول على تأشيرة لم تترك لهم أي خيارات أخرى".
ومن خلال المقابلات الميدانية التي تم إجراؤها في جنوب تونس العام الماضي، تحدث العديد من الشباب وعائلاتهم عن أن بعض أقاربهم وصلوا إلى أوروبا على متن قوارب، بينما لا يزال آخرون ينتظرون دورهم. وقال أحدهم: "لماذا أبقى هنا؟ كل هذا الفراغ في المدينة يدفعنا لمغادرتها بعد أن أصبحت فارغة نتيجة مغادرة كل الشباب".
وقال عالم الاجتماع خالد الطبابي، المتخصص في الهجرة، إنه بالنسبة للاتحاد الأوروبي، "فالتنقل هو امتياز وليس حقّاً، حيث تعتبر حدود الاتحاد الأوروبي أداة تصنيفية؛ يستخدمونها لتصنيف الأشخاص واستبعادهم، وهذا هو الحال منذ التسعينيات".
يعمل كل من تونس والاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة على قضية الهجرة من شواطئ الدولة التي تقع على الطرف الجنوبي من البحر المتوسط، ففي الشهر الماضي، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد جيورجيا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتطرفة، في تونس العاصمة، وقام الطرفان بمناقشة صفقة تونس مع صندوق النقد الدولي، وتعهدت ميلوني بدعم القطاعات ذات الأولوية في تونس.
"تأمين" الحدود الأوروبية
وشدد اجتماع لاحق بين ميلوني وسعيد ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على خمسة "أسس" للتعاون مع تونس وهي: التنمية الاقتصادية والاستثمار والطاقة والهجرة و"التواصل بين الشعوب". وقالت فون دير لاين إنه يمكن حشد أكثر من مليار دولار من المساعدات المالية.
لكن من الواضح أن الصورة الاقتصادية بالنسبة للاتحاد الأوروبي ثانوية بالنسبة لهدفه الأساسي المتمثل في "تأمين" الحدود الأوروبية وكبح تدفُّق المهاجرين غير الشرعيين من شمال إفريقيا.
وفي غضون ذلك، أعلن سعيد أن تونس لن تكون حرس حدود لأوروبا. في الحقيقة كل هذا يشير إلى أن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الحالي في تونس يحتاج إلى إيجاد حلول جذرية.
وعن الشراكة الموعودة بين تونس والاتحاد الأوروبي، أشار الطبابي إلى أن "هذا الخطاب قديم، وستكون أي شراكة مع الاتحاد الأوروبي غير متكافئة، وبالنسبة للاتحاد الأوروبي فإن الأمر كله يتعلق بتحويل تونس إلى شرطي حدود، أو في أحسن الأحوال تحويلها إلى دولة تستضيف المهاجرين وتمنع وصولهم إلى دول الاتحاد".
وقال المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في مناسبات عديدة: إن تونس ليست مؤهلة لوجستياً أو قضائياً لتكون دولة مستضيفة لتوافد المهاجرين. ووسط هذه المعطيات يتزايد خطاب الكراهية الموجَّه ضد المهاجرين والأجانب الواصلين من جنوب الصحراء الكبرى إلى تونس، مدفوعة بسياسات وخطاب الاتحاد الأوروبي بشأن المهاجرين.
ولقد قامت قوات الأمن التونسية مؤخراً بطرد مئات الأفارقة السود من صفاقس إلى المنطقة الحدودية مع ليبيا، بحسب منظمات حقوقية.
ففي الأسابيع الأخيرة نظم التونسيون في صفاقس احتجاجات ضد وجود اللاجئين، إذ إن تلك المدينة الساحلية تعتبر نقطة وصول رئيسية إلى أوروبا للعديد من الأشخاص الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط.
وفي وقت سابق من هذا العام، تفاقمت المشكلة عندما بدأ الحزب الوطني التونسي الناشئ حملة لطرد المهاجرين غير الشرعيين، محذراً من أن استعمار جنوب الصحراء الكبرى يهدد الدولة التونسية.
نهج معيب
تُرجم الخطاب المتزايد المناهض للهجرة إلى اعتداءات عنيفة على المهاجرين الأفارقة السود في تونس، وقد أدى موقف الدولة -الذي يرى أن الهجرة تُشكّل تهديداً للديموغرافيا في البلاد- إلى تفاقُم الوضع.
وبحسب ما ورد تعرض المهاجرون الأفارقة السود لعمليات إخلاء تعسفي من قِبل مالكي العقارات التونسيين كما تعرض بعض التونسيين السود والذين ظن المهاجمون عن طريق الخطأ أنهم مهاجرون من جنوب الصحراء الكبرى، للاعتداء اللفظي في الشوارع.
وفي وقت سابق من العام الجاري، حذر سعيد من "جحافل المهاجرين غير الشرعيين" في البلاد، مشيراً إلى ما أسماه "خطة إجرامية منذ بداية القرن لتغيير التركيبة السكانية لتونس"، وحث على اتخاذ إجراءات صارمة لمعالجة هذه القضية. واستنكر نشطاء تونسيون ومنظمات مجتمع مدني ومنظمات دولية منها البنك الدولي تصريحاته.
في هذه المرحلة، يبدو أن كلاً من الدولة التونسية والاتحاد الأوروبي مُصِرّون على التعامل مع ملفّ الهجرة كمسألة أمنية، وهذا واضح من نهج كل الأطراف المتجذر بتصدير هذا الملف للخارج وتسييسه، متجاهلين بذلك المخاوف الرئيسية حول حرية الحركة وسياسات منح التأشيرات.
ولقد اتفق كل الخبراء على أن مقاربة الاتحاد الأوروبي تجاه تونس ترقى إلى شكل من أشكال "الابتزاز" الاقتصادي والسياسي، فالاستفادة من الصعوبات الاقتصادية في تونس، وبدفع من زعيمة طموحة يمينية متطرفة مثل ميلوني، فإن الهدف الرئيسي للاتحاد الأوروبي هو فرض ضوابط أكثر صرامة على الحدود.
وكل الكلام عن التعاون والشراكة والمساعدات المالية هو أمر ثانوي، فكل ما تريده ميلوني وشركاؤها الأوروبيون هو عدد أقل من المهاجرين، حتى لو كان هذا يعني المزيد من المآسي على شواطئ جرجيس.
ترجمة: عبد الحميد فحام