توغُّل أوكرانيا في كورسك الروسية يُغيّر معادلة الحرب.. لكن مخاطره جسيمة

توغُّل أوكرانيا في كورسك الروسية يُغيّر معادلة الحرب.. لكن مخاطره جسيمة

2024-08-21
716 مشاهدة


كان للتوغُّل الأوكراني في منطقة كورسك الروسية، الذي بدأ في 6 آب/ أغسطس، تأثير فوري تَمثّل في رفع معنويات الشعب الأوكراني، وكذلك أدى إلى إحداث تغيير في رؤية وكيفية تعامُل شركاء أوكرانيا الدوليين مع الحرب.

حيث أدى هذا التوغل إلى تغيير الصورة السيئة التي رسمتها خسارة القوات الأوكرانية للأراضي في دونباس وانسحابها، وأبدلها بصورة أكثر إيجابية يمكن أن تحقق بموجبها أوكرانيا انتصارات وتقدُّماً أكبر، وهو ما انعكس -ولو بشكل خادع- على تصوُّرات شركاء أوكرانيا الدوليين، بما يفيد بأن نتائج الحرب ليست حتمية.

على الصعيد السياسي، كان الغرض من العملية هو إيجاد آلية ضغط قبل المفاوضات المحتملة. فإذا فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة في تشرين الثاني/ نوفمبر، فإن التهديد بسحب المساعدات العسكرية من المرجح أن يجبر كييف على التفاوض، وتريد الحكومة الأوكرانية التأكد من أنها إذا اضطرت إلى الدخول في مسار المفاوضات، فإنها تمتلك أوراقاً ضاغطة تستطيع أن تجعل روسيا تتنازل من أجل المقايضة عليها، وبالتالي يتعين على الجيش الأوكراني أن يأخذ ويحتفظ بجزء كبير من الأراضي الروسية طوال مدة المفاوضات المحتملة.

ومن العناصر المهمة الأخرى للهجوم أن أوكرانيا نجحت في الحفاظ على الأمن العملياتي قبل شنّ الهجوم. لقد كانت هذه مشكلة كبيرة في العمليات الأوكرانية السابقة، ويظهر النجاح في التحضير والتخطيط أن الدروس المستفادة من هجوم العام الماضي قد تم تطبيقها، مما سيشجع الشركاء على توقُّعات إيجابية بشأن العمليات المستقبلية.

وقد ساعد في هذا عدم رغبة الاستخبارات العسكرية الروسية في إشعال معارك جديدة، خاصة مع انسحاب القوات الأوكرانية من خطوط القتال في دونباس.

حتى الآن كانت القوات الأوكرانية في كورسك ناجحة تكتيكياً، بينما كان أداء قوات المشاة الروسية غير المدربين ضعيفاً مجدَّداً عندما افتقروا إلى القيادة والسيطرة في مواجهة خصم مُناوِر بدون نقاط ارتكاز ثابتة، لقد ظهر أن استسلام الفصائل الروسية هو أحد أعراض ضعف التماسُك الذي تمظهر أيضاً سابقاً في الانهيار الروسي في خاركوف في عام 2022.

في حين أن عملية كورسك مهمة سياسياً، إلا أن سلسلة موازية من الضربات الأوكرانية التي تستهدف المطارات الروسية أكثرُ فائدة عسكرياً، وقد كان دور الطائرات الروسية محورياً في الضربات بعيدة المدى على البِنْية التحتية الحيوية لأوكرانيا، والهجمات بالقنابل الانزلاقية على مواقع جبهات القتال التي تلحق خسائر فادحة بأوكرانيا، لذلك فإن تدمير الطائرات أمر حيوي في تخفيف الضغط على دفاعات أوكرانيا.

هناك حدّ لمقدار النجاح الذي يمكن أن تحققه أوكرانيا، فقد كانت تعاني من نقص في القوات اللازمة للتناوب على الجبهة، وعدم القدرة على الثبات على النقاط التي تقوم باحتلالها في عمليتها في كورسك، أما الآن فقد قامت بجمع ما كان متاحاً كاحتياطي عملياتي وخصصته لمحور جديد، هناك حدّ لمدى قدرة هذه القوة على المتابعة قبل أن تتقدم أكثر، مما يعني أنها ستحتاج إلى التمسُّك بالأرض والمحافظة على النقاط التي تحتلها إنْ كان هناك نوايا لدى الأوكرانيين بإجراء مفاوضات.

لكن بمجرد أن تتوقف العمليات على الجبهة، سيقوم الروس بإنشاء الدفاعات ثم جلب المعدات الحربية والأنظمة الإلكترونية والقوات الجديدة إلى النقاط التي يتواجدون عليها، ورغم أن العملية أسهمت في تحييد القصف بالقنابل من الطيران الروسي على دونباس، إلا أن هذا سيحدث لفترة قصيرة، كما أن هناك حقيقة مفادها أنه لدى روسيا ما يكفي من القوات والمُعَدّات للقتال على جبهتين، بينما ليس من الواضح أن الأمر نفسه ينطبق على أوكرانيا.

تتزايد المخاطر العسكرية مع مرور الوقت، فبعد أن قامت بتخصيص احتياطها العملياتي، ستواجه أوكرانيا صعوبة في سدّ الفجوات على الجبهة، ولم تتمكن بعدُ من حلّ التهديد الذي تشكله الطائرات المسيَّرة الروسية، والقنابل الانزلاقية، والمدفعية، ونُظُم الحرب الإلكترونية، وأنظمة الصواريخ العملياتية والتكتيكية، وتسمح هذه القدرات مُجتمِعةً لروسيا بمواصلة التقدُّم المُطّرد نحو بوكروفسك، وتوريتسك، وغيرها من المدن في دونباس، وسوف يتم إخلاء هذه المدن قريباً، كما سوف يتطلب الدفاع عنها موارد مكثفة.

أفضل سيناريو لأوكرانيا هو أن تقوم قواتها بتحصين مواقعها، وأن تعاني روسيا، التي تشعر بأنها مضطرة لاستعادة الأراضي، من خسائر كبيرة في محاولتها دفع الأوكرانيين إلى الخلف، ومع ذلك، من الممكن أيضاً أن يؤدي استنزاف الموارد الأوكرانية إلى زيادة الفرص للروس للعثور على الثغرات في دفاعات أوكرانيا وإحراز تقدُّم في أماكن أخرى، إذا تطور السيناريو الأخير، فليس من الواضح أن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها ستؤثر بشكل كبير في المفاوضات، حيث سيكون فلاديمير بوتين مستعِدّاً لتحمُّل الخسائر وفقدان أوراق للضغط في المحادثات.

هناك تحدِّيَات يتطلب حلّها وقتاً طويلاً وجهداً مستمراً تطرأ نتيجة للعملية التي شنتها أوكرانيا، حيث إن فِقْدان المُعَدّات العسكرية هو أحد هذه التحدِّيَات. كما أن فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد يُجبر أوكرانيا على الدخول في مفاوضات، بينما فوز كامالا هاريس قد يؤدي على الأرجح إلى استمرار المساعدات العسكرية التقنية من الولايات المتحدة، ومع ذلك هناك احتياطيات محدودة من المعدات، فقد كان بإمكان أوكرانيا بناء وحدات لهجمات أكبر في العام المقبل، ولكن العملية الحالية تعني أن الآليات والقوات الأساسية، الضرورية لمثل هذا الهجوم، سيتم استخدامها على الأرجح في وقت مبكر. وبالتالي فإن العملية تحدّ من الخيارات المستقبلية.

بالنسبة لشركاء أوكرانيا الدوليين، فإن نجاح عملية كورسك يعتمد على معدل الاستنزاف الذي يمكن أن تُلحِقه أوكرانيا وحجم خسارة المُعَدّات التي يمكن أن تفرضها على الوحدات الروسية التي تحاول شنّ هجوم مضادّ.

بالنسبة لأوكرانيا نفسها، فإن الحفاظ على قواتها أمر مهم جداً، لذلك كلما تمكنت من إلحاق خسائر بالقوات الروسية بالنيران غير المباشرة كان ذلك أفضل، وتشمل أولويات الدعم ذخيرة المدفعية، وطائرات بدون طيّار، وأنظمة لإسقاط طائرات الاستطلاع الروسية بدون طيار التي تسمح لقواتها بمهاجمة الوحدات الأوكرانية أثناء إعادة إمدادها.

ولكن ما زال الموقف العسكري الأوسع لأوكرانيا محفوفاً بالمخاطر، ويبدو أن فترة الخريف مليئة بالتحديات السياسية، ويتعين على كييف أن تحقق التوازن، فتستعد لخسارة الإمدادات الحيوية دون إهدار قدرتها على مواصلة القتال، وبالنسبة لأوروبا من الأهمية بمكان أن تُمنَح كييف، إذا اضطرت إلى التفاوض، أقوى دعم ممكن، وأن تكون هناك خطة ملموسة لضمان أن تنتج أي تسوية سلاماً دائماً.

وعلى الرغم من أن التطوُّرات الإيجابية في كورسك قد تكون مُشجِّعة، إلا أنه يجب أن يظل التركيز على دعم استقرار الجبهة الأوسع وعدم الانشغال فقط بالنجاحات المؤقتة.

 

ترجمة: عبد الحميد فحام
 المصدر: (الغارديان)