دلالات دعوة الحركة القومية في تركيا أوجلان لإعلان انتهاء الإرهاب
2024-10-23276 مشاهدة
دعا زعيم الحركة القومية دولت بهشلي في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 الزعيم المؤسِّس لحزب العمال الكردستاني المعتقَل في تركيا عبد الله أوجلان للحضور إلى مجلس النواب، وإلقاء كلمة أمام الكتلة النيابية لحزب اليسار الأخضر (حزب كردي في تركيا تتهمه الحكومة التركية بالعلاقة مع حزب العمال الكردستاني) يعلن فيها حلّ حزبه و "انتهاء الإرهاب".
سبقت هذه التصريحات إقدام بهشلي على مصافحة قيادات ونواب في حزب اليسار في الجلسة الافتتاحية للعام التشريعي لمجلس النواب التركي مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2024، ليشير هذا الموقف إلى مقاربة جديدة للحركة القومية تجاه الحزب الكردي، الذي عكف بهشلي في السابق على وَصْمه بالإرهاب، ليعلق حالياً على المصافحة قائلاً: "المصافحة تمثل اليد الممدودة للحزب ليصبح تركياً"، في حين اعتبرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنها يد ممدودة للديمقراطية وتحقيق الوحدة الوطنية في فترة تواجه فيها تركيا تهديدات لأمنها القومي.
من الواضح أن تحالف الجمهور الحاكم في تركيا (يضم حزبَي العدالة والتنمية والحركة القومية) يعمل على مقاربة سياسية جديدة بسبب الظروف الداخلية والخارجية، تقوم على إظهار مرونة عالية تجاه المكون الكردي، وحصر المواجهة مع العمال الكردستاني والمسلحين الموالين له، والتوقف عن استهداف حزب اليسار الأخضر الكردي في الخطابات السياسية الداخلية.
ثمة أسباب داخلية تدفع التحالف الحاكم لمثل هذا النهج، وتتمثل في الرغبة باسترداد القواعد الجماهيرية التي كانت تدعم حزب العدالة والتنمية بشكل خاص، والتي أظهرت الانتخابات البلدية الأخيرة مطلع عام 2024 تراجُعها إلى أدنى مستوى لها في 20 عاماً، حيث حلّ العدالة والتنمية في المركز الثاني بعد حزب الشعب الجمهوري المُعارض، نتيجة الأزمة الاقتصادية، وارتفاع مستوى الاستقطاب في البلاد، وفقدان شريحة واسعة من الأصوات الكردية بسبب العمليات العسكرية التي بدأت جنوب شرق تركيا عام 2015 وامتدت إلى سورية لاحقاً، بالإضافة إلى تداعيات تحالف العدالة والتنمية مع الحركة القومية ذات التوجُّه القومي اليميني، وبالتالي أراد التحالف الحاكم -فيما يبدو- إبراز المرونة في نهج الحركة القومية تجاه المكوِّن الكردي.
على الصعيد الخارجي، يوجد قلق تركي واضح من ارتفاع مستوى التصعيد في المنطقة، وارتفاع احتمالية اندلاع حرب ضدّ إيران في ظلّ الردود العسكرية المتبادَلة بينها وبين إسرائيل، ولذا فإن المصالحة الداخلية والتعاطي المختلف مع المكوِّن الكردي يدعم فكرة عزل تركيا عن الصراعات الدائرة في محيطها، والقيام بمزيد من استيعاب المكوِّن الكردي ضِمن الحياة السياسية لتحصين الجبهة الداخلية، خاصة حال التوافُق على كتابة دستور جديد للبلاد تشارك فيه الأحزاب السياسية الرئيسية.
على الرغم من الرسائل التي وجَّهها تحالُف الجمهور، لكن يبدو أن حدوث توافُقات سياسية جديدة في الداخل التركي مسار طويل ومعقَّد، وتعتريه العديد من التحديات، أبزرها أن الدولة التركية أضعفت حزب العمال الكردستاني من خلال العمليات العسكرية في السنوات الأخيرة بشكل كبير، بما يُضعف رغبةَ الدولة في تقديم تنازُلات كبيرة، وبالمقابل فإن حزب العمال قد لا يجد الدوافع الكافية للانخراط في عملية التفاهم مع الحكومة، إنْ لم تَقُمْ بتقديم تنازُلات فعلية وملموسة، خاصة أن تياراً مهماً في حزب اليسار الأخضر يتبنى التنسيق مع حزب الشعب الجمهوري، على أمل إحداث تغيير في السلطة في الانتخابات القادمة، خاصة بعد شعورهم بالاقتراب من تحقيق هدفهم إثر نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة.