دور أوروبا في التقارب بين السعودية وإيران

دور أوروبا في التقارب بين السعودية وإيران

2024-10-14
282 مشاهدة


أثار التقارب السعودي الإيراني مجموعة من الفرص التي قد تُعزِّز الاستقرار في المنطقة، في مقابل عدد من التحديات التي قد تعوق هذا التقارب وتحدّ من فوائده.

قام الباحث جوليان بارنز دايسي (Julien Barnes - Dacey) والباحثة سينزيا بيانكو (Cinzia Bianco) بإعداد دراسة مطوَّلة نشرها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (European Council on Foreign Relations) تضمنت تحليلاً شاملاً للتطورات الأخيرة في العلاقات بين السعودية وإيران، وتأثير ذلك على الاستقرار الإقليمي، مع تسليط الضوء على مصالح أوروبا في هذا السياق.

ملخّص الدراسة

تشير الدراسة إلى أن التنافس الطويل بين السعودية وإيران أدى إلى تفاقم النزاعات في الشرق الأوسط؛ لكن مع تزايد التحديات المشتركة، سعت الدولتان نحو التقارب، وهو ما تُوج باتفاق تخفيف التوتر الذي تم في العاصمة الصينية بكين عام 2023.

ورغم أن التقارب السعودي الإيراني لم يحل النزاعات العميقة في المنطقة، إلا أنه ساهم في تقليل التصعيد الإقليمي، وتُظهر هذه الدراسة أن الحوارات بين الرياض وطهران استمرت رغم الأزمات، مثل النزاع الدائر في غزّة، ما يعزز أهمية هذا المسار الدبلوماسي لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

أسباب التقارب ودوافعه

جاء التقارب بين الرياض وطهران نتيجة لإدراك السعودية أن الحلول العسكرية لن تنجح في إضعاف نفوذ إيران، وأن الولايات المتحدة لم تَعُدْ مستعدة لتقديم الدعم الأمني الكامل كما كان في السابق، بينما كان التقارب من منظور إيران فرصة لتخفيف تأثير العقوبات الغربية وإيجاد منافذ اقتصادية جديدة عبر دول الخليج.

تأثيرات التقارب على الأوضاع الإقليمية

رغم أن الاتفاق لم يُفضِ إلى حلّ جذري للنزاعات القائمة، إلا أنه ساعد في تقليل التصعيد، خصوصاً في ظلّ أزمات متفاقمة مثل ما حصل في غزّة ثم في لبنان، ومع تصاعُد المواجهات بين إسرائيل وحزب الله بعد مقتل زعيم الحزب حسن نصر الله أصبح الحوار بين الرياض وطهران أكثر أهمية.

كما تؤكد الدراسة أن التعاون الدبلوماسي السعودي الإيراني قد يساعد في التوصل إلى حلول للأزمات الإقليمية الأخرى، مثل الأزمة النووية الإيرانية، والحرب في اليمن، والنزاع في سورية.

التحديات والفرص

رغم الفرص الحقيقية للتقارب السعودي الإيراني، ووجود فوائد متوقعة، إلا أن هناك العديد من التحديات، في مقدمتها العلاقات الأمريكية السعودية، التي تمثل نقطة خلاف رئيسية في هذا السياق، حيث ترغب السعودية في حصولها أيضاً على ضمانات أمنية أمريكية مستقرة في مقابل المضيّ في مسار التطبيع مع إسرائيل، وهو ما قد يُعقّد العلاقات مع إيران.

في المقابل، تسعى إيران إلى استخدام هذا التقارب ضِمن مساعيها لتجنُّب العزلة الدبلوماسية والاقتصادية، وترى أنَّ السعودية قد تصبح وسيطاً بين الغرب وإيران في حال تدهورت العلاقات بينهما وخاصة مع الولايات المتحدة.

الموقف الأوروبي وأهميته

تدعو الدراسة الدول الأوروبية إلى دعم التقارب السعودي الإيراني، واعتماده مساراً دبلوماسياً مهماً لتحقيق الاستقرار الإقليمي، فبدلاً من النظر إلى هذا التقارب على أنه وسيلة تهرب بها إيران من العقوبات الأمريكية، يجب على الأوروبيين استغلال هذا التقارب لتعزيز الاستقرار الإقليمي، وقد يساعد التعاون السعودي في تشجيع إيران على التفاوض حول برنامجها النووي، وتهدئة التوتُّرات الإقليمية، خصوصاً في اليمن ولبنان.

ترى أوروبا أن التوتر بين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط يؤثر سلباً على مصالحها في مجالات عدة، مثل أمن الطاقة والهجرة والاستقرار الإقليمي، لذا فإن دعم أوروبا للتقارب السعودي الإيراني قد يسهم في تحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة.

يُعَدّ الاتفاق الموقَّع في بكين فرصة أمام أوروبا للعمل مع القوى الإقليمية لحلّ النزاعات المحلية وتحقيق الاستقرار، في اليمن مثلاً يمكن لأوروبا أن تدعم جهود الأمم المتحدة لحل النزاع السياسي، كما يمكنها أن تعمل مع الشركاء الإقليميين لوضع رؤية اقتصادية لمرحلة ما بعد الصراع.

المجالات الرئيسية للتعاون الإقليمي

ثَمَّت مجالات يمكن أن تشهد تعاوُناً مثمراً بين السعودية وإيران، خاصة إذا ما توفر الدعم الأوروبي لاستثمار هذا التعاون وتوجيهه لتحقيق الاستقرار الإقليمي:

اليمن: كان الاتفاق السعودي الإيراني عاملاً رئيسياً في تخفيف التصعيد في النزاع اليمني، فقد ساعدت إيران في تهدئة الهجمات الحوثية على السعودية، في حين كثّفت الرياض محادثاتها مع الحوثيين للتوصّل إلى تسوية.

سورية: سمح التقارُب للسعودية بإعادة التواصل مع نظام الأسد، ما قد يخفف من الهيمنة الإيرانية في سورية.

لبنان: شهدت لبنان تحرُّكات إيجابية بعد التقارُب، حيث عاد السفير السعودي إلى بيروت، مما يعزز إمكانية الحوار بين الأطراف اللبنانية المدعومة من إيران والسعودية.

الخلاصة

تَعتبر الدراسة أن التقارب بين السعودية وإيران يمثل فرصة مهمة لتحقيق استقرار أكبر في الشرق الأوسط، وخصوصاً في ظلّ الأزمات المتفاقمة مثل النزاع في غزّة، ولذلك يجب على أوروبا أن تدعم هذا التقارب وأن تسعى لاستغلاله لدفع عجلة الاستقرار الإقليمي وحلّ النزاعات المزمنة مثل الأزمة في اليمن وسورية ولبنان. كما يجب على الأوروبيين العمل مع الشركاء الإقليميين لضمان استخدام هذا التقارب ضمن أدوات حلّ النزاعات وتحقيق الاستقرار، بدلاً من أن يكون مجرد هدنة مؤقتة.

ختاماً، يُعَدّ التعاوُن السعودي الإيراني فرصة ذهبية للدبلوماسية الأوروبية لتوسيع نفوذها في المنطقة والمساهمة في صنع سلام دائم.


ترجمة : عبد الحميد فحام

المصدر: المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (European Council on Foreign Relations)