تركيا بديلاً عن أوكرانيا لنقل الغاز الروسي الفرص والمعوّقات

تركيا بديلاً عن أوكرانيا لنقل الغاز الروسي الفرص والمعوّقات

2024-11-15
419 مشاهدة
Download PDF

الملخّص التنفيذي  

تحتلّ قضية إنتاج الطاقة ونقلها بطرق آمنة وعملية واقتصادية اهتمام الدول بشكل كبير، اهتمام الدول المصدِّرة التي تتنافس على الأسواق العالمية، واهتمام الدول المستورِدة التي يشغلها توفيرُ البدائل المناسبة.  

كان الغاز الروسي يوفِّر مصدراً رئيسياً للطاقة لدول الاتحاد الأوروبي الذي يُعَدّ في مصافّ المستهلكين الرئيسيين عالمياً، ومع الحرب الروسية الأوكرانية وتعطُّل طرق الإمدادات الروسية لأسباب مختلفة بدأت دول الاتحاد البحث عن البدائل، بدائل انخفاض تدفُّقات الغاز الروسي وليس انقطاعه أو الاستغناء عنه.  

يتم نقل الغاز من روسيا ومن غيرها من الدول المصدِّرة بطريقتين، الطريقة الأسهل إذا سمحت الجغرافيا تكون بنقل الغاز الطبيعي عَبْر خطوط الأنابيب، والطريقة الثانية بتحويل الغاز إلى سائل عَبْر محطات خاصة ونقله ثم إعادة تحويله إلى حالته الطبيعية عند وصوله، وهذه الطريقة تسمى نقل الغاز المُسال، وتعتمد دول الاتحاد الأوروبي على الطريقتين معاً لتأمين احتياجاتها من الغاز، غير أن الحرب في أوكرانيا وسّعت الاعتماد على نقل الغاز المُسال على حساب الغاز الطبيعي عَبْر خطوط الأنابيب.  

يناقش هذا التقرير التحليلي حتمية اعتماد أوروبا على الغاز الروسي على المدى المتوسط على أقل تقدير، والحاجة الأوروبية لضرورة استمرار تدفُّق الغاز الروسي سواء عَبْر أوكرانيا أو بالبحث عن البديل المتاح وهو تركيا بكل تأكيد، حيث تمتلك تركيا الفرصة لأن تكون بديلاً عن أوكرانيا لضخّ الغاز الطبيعي والمسال الروسي إلى المستهلكين في دول الاتحاد الأوروبي، وذلك عَبْر بِنْية تحتية متكاملة من خطوط الأنابيب ومحطات تسييل الغاز.  

يوضح التقرير رغبة تركيا في التقدم لهذا الدور الذي يمنحها مكانة جيوستراتيجية في سوق الطاقة الدولية رغم إدراكها وجودَ عائق محتمل يتمثل في سعي الولايات المتحدة الأمريكية لاحتكار أسواق الغاز في أوروبا.  

تمهيد  

تنتهي اتفاقية نقل الغاز الروسي عَبْر أوكرانيا مع انتهاء عام 2024، ولا تثق موسكو أن تمدد كييف الاتفاقية، الأمر الذي يدفع بدول الاتحاد الأوروبي للبحث الحثيث عن البدائل.  

كانت دول الاتحاد الأوروبي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، إلى جانب المصادر الأخرى داخل دول الاتحاد وخارجه، لكن هذه المصادر الأخرى لم تستطع أن تعوض النقص الذي أحدثته الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في شباط/ فبراير 2022، إثر انخفاض واردات الغاز الروسي لأسباب متعددة أهمها الضرر البالغ الذي طال خطوطَ الأنابيب الرئيسية.  

سعت دول الاتحاد الأوروبي إلى البدائل المتنوعة وأهمها توسيع نطاق استيراد الغاز المُسال، لكنها فضلاً عن عدم كفايتها بذلك فإنها بحاجة إلى تأمين الخطوط المستقرة لواردات الغاز الطبيعي، لتعويض النقص الحاصل أساساً بعد الحرب في أوكرانيا، ولإيجاد البديل المناسب عن أوكرانيا في حال لم تمدد الأخيرة اتفاقيات نقل الغاز الروسي. 

يسمح الموقع الجيوستراتيجي لتركيا أن تكون البديل الأوفر حظاً لنقل الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، ليس فقط الغاز الروسي، بل الغاز الروسي بكميات وفيرة والغاز القادم من وسط آسيا عَبْر خطوط الأنابيب، والغاز المُسال الوارد من مختلف الدول المصدرة، ولا تعتمد أنقرة في ذلك على ما سمحت به الجغرافيا فحَسْبُ، بل ترتكز على بِنْية تحتية وعلى شراكات ومشاريع تجعلها قادرة على أن تكون فاعلاً رئيسياً في خريطة نقل الغاز عالمياً.  

إن المؤهلات التركية تناسب حجم الإنتاج الروسي فضلاً عن العلاقات التركية الروسية المميزة، وشراكة أنقرة للغرب وموقعها وبِنْيتها التحتية ستكون مناسبة جداً للمستورِدين الأوروبيين، الذين ربما لا يشاؤون أن يكونوا تحت الاحتكار الأمريكي لتدفُّقات الغاز إليهم.  

يناقش هذا التقرير التحليلي قضية الغاز الروسي إلى أوروبا، والدور المحتمل لتركيا لتكون بديلاً عن أوكرانيا في نقله إلى دول الاتحاد الأوروبي.      

أولاً: حاجة الأسواق الأوروبية للغاز الروسي  

تُصنَّف دول الاتحاد الأوروبي من أكبر المستهلكين للغاز في العالم، حيث وصل متوسط استهلاكها السنوي عام 2021 إلى 412 مليار متر مكعب [1] ، وتستورد القارة الأوروبية الغاز بطريقتين:  

الطريقة الأولى : استيراد الغاز الطبيعي عَبْر خطوط الأنابيب، وهذه الطريقة محبَّذة لدى الدول المستهلِكة والمصدِّرة، فخطوط الأنابيب قادرة على تصدير كميات كبيرة من الغاز دون انقطاع وبتكلفة مقبولة، وقد اعتمدتها فعلياً دول الاتحاد الأوروبي في تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا والجزائر والنرويج.  

الطريقة الثانية : استيراد الغاز المُسال الذي يتطلب امتلاك الدولة المصدِّرة والمستورِدة محطات تسييل، وهذه الطريقة تستهلك الوقت لإيصال الشحنات مقارنةً بالتدفُّق عَبْر خطوط الأنابيب، فضلاً عن الكلفة العالية مقارنةً بالطريقة الأولى، بما يحتاجه استيراد الغاز المُسال من بناء محطات، ومع ذلك تعتمد دول الاتحاد الأوروبي على هذه الطريقة لاستيراد الغاز المُسال من الولايات المتحدة وقطر وروسيا والجزائر ونيجيريا ومن دول أخرى.  

استحوذت موسكو قبل حربها على كييف على النسبة العظمى من واردات أوروبا القادمة عَبْر خطوط الأنابيب، والتي وصلت في الربع الثاني من عام 2021 إلى 54% من الواردات الأوروبية، إلا أن هذه النسبة لم تستمر بعد الحرب، حيث انخفضت في الربع الثاني من عام 2023 لتصبح 12.4% فقط [2] ، بعد توقُّف خطّ يامال وخط نورد ستريم 1 عن العمل، فيما استمر خط الأنابيب العابر من أوكرانيا في نقل الغاز الروسي لأوروبا بتدفُّقات سنوية تبلغ 45 مليار متر مكعب [3] .  

روسيا بدورها أيضاً كانت مصدراً للغاز المُسال لدول الاتحاد الأوروبي بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، ولم تنخفض واردات الغاز المسال الروسي إلى أوروبا، بل على العكس تماماً ارتفعت الكمية المصدَّرة بنسبة 10% مقارنةً مع ما قبل الحرب على أساس سنوي، والسبب الرئيسي لذلك هو توقُّف روسيا عن ضخّ الغاز عَبْر خطّ أنابيب نورد ستريم 1 بعد أن تم تفجيره، ليتم تعويض النقص في أوروبا باستيراد الغاز المسال الروسي الذي بلغ اعتماد القارة الأوروبية عليه عام 2022 نسبة 11.7% من مجموع ما تستورده من الغاز المُسال [4] .  

انخفاض واردات دول الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي لم يأتِ نتيجة للعقوبات التي فرضتها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، بل بسبب تفجير خطّ أنابيب نورد ستريم 1 وتوقُّفه عن العمل، والذي كان يصدر بشكل مباشر إلى ألمانيا سنوياً 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، إلى جانب توقُّف خطّ أنابيب يامال العابر من روسيا البيضاء إلى بولندا ومنها إلى ألمانيا، وتبلغ طاقته 33 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي [5] .  

خسارة أوروبا أكثر من 80 مليار متر مكعب من الغاز الروسي أجبرتها على البحث واللجوء إلى مصادر أخرى مثل الجزائر التي أصبحت ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي عَبْر الأنابيب إلى أوروبا بعد النرويج [6] .  

وبالانتقال للحديث عن التعويض من خلال الغاز المسال فإنَّ قطر من متصدري قائمة أوروبا المستقبلية للموردين لتعويض نقص الإمدادات الروسية، وقد سلّمت الاتحاد الأوروبي 16% من إمدادات الغاز المُسال خلال عام 2023 لتحتل المرتبة الثانية لأكبر مورّدي أوروبا بعد الولايات المتحدة.  

تدرك قطر أحد منتجي الغاز الرئيسيين في العالم أن لديها فرصة لنَيْل حصة كبيرة ومهمة من السوق الأوروبية للغاز، ووقّعت العديد من الدول الأوروبية على عقود للحصول على الغاز المسال القطري، أهمها عقد توريد مدّته 15 عاماً بين قطر وألمانيا، ينصّ على تزويد السوق الألمانية بكمية قدرها 2.5 مليار متر مكعب من الغاز القطري سنوياً، بدءاً من عام 2026.  

وعلى الرغم من زيادة الجزائر وقطر من إنتاجهما وصادراتهما إلى دول الاتحاد الأوروبي إلا أن ذلك لم يكفِ لتعويض ما توقف من تدفُّقات الغاز الروسي، وهذا يدلل على نتيجة حتمية هي عدم قدرة دول الاتحاد الأوروبي في المدى المتوسط على الاستغناء عن الغاز الروسي بشكل كامل، وهذا يعني أن الدول الأوروبية تحاول تخفيض اعتمادها على الغاز الروسي وليس الاستغناء عنه.  

ثانياً: البِنْية التحتية لنقل الغاز في تركيا  

تتمتع تركيا بالبِنْية التحتية الكافية لنقل الغاز إلى الدول الأوروبية، سواء بخطوط الأنابيب أم بعمليات نقل الغاز المسال، فهي تمتلك مجموعة الأدوات المتكاملة على الشكل التالي:  

1.     الغاز عَبْر خطوط الأنابيب  

تشكل تركيا جسراً برياً وبحرياً بين مناطق إنتاج موارد الطاقة واحتياطياتها في دول الشرق الأوسط ووسط آسيا وبين الدول الرئيسية المستهلكة لموارد الطاقة في الاتحاد الأوروبي، هذا الموقع دفعها لتأسيس شراكات مع الدول لبناء خطوط أنابيب نقل الغاز للسوق المحلية ومنها إلى السوق الدولية، وأهمها:  

خطّ الأنابيب التركي الروسي "الخطّ الغربي"  

تمّ الاتفاق على هذا الخطّ بين تركيا والاتحاد السوفياتي، وبدأ العمل عام 1988، وينطلق من روسيا ليعبر الأراضي الرومانية والبلغارية وصولاً إلى تركيا، وتبلغ السعة القُصْوَى له 6 مليارات متر مكعب سنوياً، توقّف الخطّ عن النقل من روسيا إلى تركيا عام 2019، مع بَدْء العمل بمشروع السيل التركي، وبقيت تركيا تستخدمه لتصدير الغاز إلى رومانيا وبلغاريا.  

    خطّ أنابيب الأناضول الشرقي القادم من إيران  

تم تشغيل الخطّ عام 2001، ويمتدّ من مراكز إنتاج الغاز في إيران إلى وسط تركيا، ويورد سنوياً إلى تركيا 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي.  

    خطّ أنابيب التيار الأزرق Blue Stream  

بدأ تشغيل هذا الخط عام 2005، ويتكون من خطين متوازيين يمتدّان من روسيا إلى تركيا عَبْر البحر الأسود، ويضخّ سنوياً 16 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى تركيا.  

   خطّ أنابيب باكو - تبيليسي – أرضروم BTE  

بدأ ضخ الغاز في هذا الخط عام 2006، ويمتد من أذربيجان ويعبر الأراضي الجورجية ليصل إلى تركيا، ويتم خلاله نقل 6 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً.  

   خطّ أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول TANAP  

افتُتح الخط عام 2018، وهو من أهم المشاريع الفنية والاقتصادية لتركيا، تم الاتفاق عليه بين أذربيجان وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي لضخ 16 مليار متر مكعب تتوزع في السوق التركية، و15 مليار متر مكعب إلى السوق الأوروبية عَبْر خطّ أنابيب TAP الذي يتصل بخطّ أنابيب TANAP عند الحدود التركية اليونانية.  

    مشروع خطّ أنابيب ترك ستريم Türk Akımı  

تم التوقيع على المشروع بين تركيا وروسيا عام 2016، وتبلغ السعة التصديرية للخط 31.5 مليار متر مكعب سنوياً مقسمة بالتساوي على أنبوبين متوازيين، يمتد الخط من روسيا إلى تركيا عَبْر البحر الأسود، وعند بناء الخط تم الاتفاق على أن يتم تصدير قسم من الغاز إلى السوق الأوروبية.  

2.     الغاز المُسال  

تسييل الغاز يعني تحويل الغاز الطبيعي من حالته الغازية التي يوجد عليها في الطبيعة إلى الحالة السائلة، عن طريق تبريده إلى 162 درجة مئوية تحت الصفر، ومن ثَمّ ضغطه وتحميله على سفن مخصصة لنقل الغاز المسال، وتمتلك الدول التي تستورد الغاز المسال محطات خاصة على سواحل البحار، أو وحدات عائمة للتخزين وإعادة تحويل الغاز المسال إلى حالته الغازية الطبيعية وضخّه في خطوط الأنابيب المحلية للاستهلاك، أو نقله عَبْر شاحنات، وتمتلك تركيا 5 محطات لتسييل الغاز:  

المحطة الأولى : تقع على بحر مرمرة بمحاذاة مدينة إسطنبول، وتبلغ القدرة السنوية للتسييل ما يعادل 7.62 مليار متر مكعب.  

المحطة الثانية : جنوب بحر مرمرة، وتبلغ القدرة السنوية للتسييل ما يعادل 13.5 مليار متر مكعب.  

المحطة الثالثة : على ساحل بحر إزمير، وتبلغ قدرتها السنوية للتسييل ما يعادل 14 مليار متر مكعب.  

المحطة الرابعة : على سواحل بحر إزمير أيضاً، بقدرة تسييل سنوية تعادل 7.8 مليار متر مكعب.  

المحطة الخامسة : جنوب تركيا على ساحل البحر المتوسط، بقدرة تسييل سنوية تعادل 10 مليارات متر مكعب.

هذه المحطات الخمس تُمكِّن تركيا من استيراد كميات ضخمة من الغاز المسال من مصادر متنوعة، بقدرة على الاستيراد تصل إلى 45 مليار متر مكعب من الغاز المستورَد، وعليه فإن التقديرات تشير على إمكانية أن تصدر تركيا لدول الاتحاد الأوروبي ما لا يقل عن 22 مليار متر مكعب من الغاز.  

ثالثاً: الفرص التركية في أسواق الغاز العالمية  

إذا لم توافق أوكرانيا على تمديد اتفاقية مرور الغاز الروسي عَبْر أراضيها إلى دول الاتحاد الأوروبي فإن الفرصة الكبرى ستكون لتركيا، حيث يُعتقد أن تستعين موسكو بالخطوط العابرة من تركيا لتصدير الغاز للدول الأوروبية، وذلك سيمنح أنقرة دوراً لأن تكون موقعاً إستراتيجياً في سوق الطاقة الدولية بشكل عامّ والأوروبية بشكل خاصّ.  

وقعت تركيا اتفاقيات لتصدير الغاز الطبيعي مع 4 دول في أوروبا عام 2024:  

الاتفاقية الأولى : أبرمتها مع بلغاريا في كانون الثاني/ يناير 2024، وتم الاتفاق على تصدير 1.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً إلى بلغاريا لمدة 13 عاماً.  

الاتفاقية الثانية : وقّعتها مع المجر في آب/ أغسطس 2024 لتصدير الغاز الطبيعي لها.  

الاتفاقية الثالثة : وقّعتها مع رومانيا وتبدأ من 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 وتنتهي في 31 آذار/ مارس 2025، لتصدير كمية تصل إلى 4 ملايين متر مكعب يومياً.  

الاتفاقية الرابعة : وقّعتها مع مولدوفا، وتبدأ في تشرين الأول/ أكتوبر 2024 لتصدير مليونَيْ متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً.  

تستورد تركيا الغاز من دول كثيرة، في مقدِّمتها روسيا بنسبة 33% من مجموع استهلاك الغاز، والذي يقدر بـ 15 مليار متر مكعب سنوياً، ومن إيران بنسبة 18%، ومن أذربيجان بنسبة 21%، ومن الجزائر بنسبة 12%، ومن قطر بنسبة 6%، ولدى تركيا القدرة على استيراد ما يقارب 48 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الروسي سنوياً عَبْر خطَّي التيار الأزرق وترك ستريم فقط، وإذا ما طرحنا استهلاك تركيا من مجموع ما تستطيع أن تستورده من روسيا عبر خطوط الأنابيب فقط يتضح لنا أن لدى أنقرة قدرة استيراد فائضة تقدر بـ 33 مليار متر مكعب سنوياً، يمكن أن تعيد تصديرها إلى السوق الأوروبية [7]  

رابعاً: العوائق المتوقَّعة  

تُعَدّ الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر مصدري الغاز المُسال في العالم، واستغلت واشنطن حاجة دول الاتحاد الأوروبي للغاز بعد انخفاض واردات الغاز الروسي إثر توقف خطَّيْ أنابيب يامال ونورد ستريم 1، وأصبحت أكبر مصدِّر للغاز المُسال إلى دول الاتحاد عام 2023.  

تشير التقديرات إلى أن أوروبا تحتاج من 50 مليون إلى 75 مليون طن من إمدادات الغاز المُسال طويلة الأجل من الولايات المتحدة وحدها، للمساعدة بتعويض الانخفاض في الواردات الروسية وليس للاستغناء عن الغاز الروسي، ووقّعت دول في الاتحاد الأوروبي عام 2022 صفقات لشراء الغاز المُسال الأمريكي لمدة 15 عاماً [8] .  

تسعى الولايات المتحدة لتنفيذ عدد من المشاريع المتخصصة في إنتاج الغاز وتسييله، وهي مشاريع ذات جاهزية عالية للانطلاق في العالم، لتوفر واشنطن للأسواق الأوروبية جزءاً كبيراً من احتياجاتها للغاز، بهدف احتكار السوق الأوروبية بدلاً من موسكو، وهذه إحدى المصالح التي ستكسبها واشنطن من الحرب الروسية على أوكرانيا.  

يمكننا القول : إن واشنطن غدت أكبر مصدر للغاز المُسال للسوق الأوروبية، واستطاعت التخفيض من حالة الضغط التي كانت ستعيشها أوروبا بعد توقُّف بعض خطوط أنابيب الغاز الروسي، وتعمل لمنع روسيا من احتكار السوق الأوروبية.  

ليس من مصلحة واشنطن بعد اليوم عودة أوروبا لاستيراد الغاز الروسي كما في السابق، لا سيما بعد طَرْحها لعدد كبير من مشاريع إنتاج الغاز، وهذا بدوره سيدفع الولايات المتحدة لعرقلة ضخّ الغاز الروسي عَبْر تركيا، ومن جانب آخر، ضخّ تركيا للغاز إلى أوروبا قد يخفض الأسعار، وهذا ليس من مصلحة الشركات الأمريكية.  

الخُلاصة  

تركيا مُقبِلة بنسبة كبيرة على أن تكون مركزاً وسوقاً إقليمية لبيع الغاز، مما قد يهيئ لها أن تكون فاعلاً رئيسياً في أسواق الغاز الدولية، والأهمّ من ذلك أنه قد تُحقق الدولة أرباحاً من تجارة الغاز، بما ينعكس بشكل إيجابي على مؤشرات الاقتصاد التركي مستقبلاً.  

إن السوق الأوروبية لم تستطع أن تستغني عن الغاز الروسي، رغم انخفاض الاعتماد على التعامل مع موسكو، ومع وجود البدائل المختلفة بما في ذلك الغاز المُسال المستورَد، إلا أنه لا يمكن في المستقبل المنظور إلا الاستمرار في استيراد الغاز الروسي وتأمين البدائل عَبْر تركيا إذا توقفت خطوط التوريد عَبْر أوكرانيا، ولم تمدد كييف اتفاقيات تمرير الغاز الروسي لدول الاتحاد الأوروبي.  

جاهزية البِنْية التحتية لدى تركيا تُؤهّلها للاستجابة السريعة لاحتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي والمُسال، ليس فقط لتمرير الغاز الروسي، وإنما لنقل الغاز الطبيعي عَبْر خطوط الأنابيب من أذربيجان، ولنقل كميات جيدة من الغاز المُسال الذي تستورده تركيا من مصادر متنوعة من دول العالم.  

يبقى هناك عائق واحد متوقَّع، قد يؤثر على هذه الفرص الكبيرة لتركيا في أن تحلّ بديلاً عن أوكرانيا في نقل الغاز لدول الاتحاد الأوروبي، وهو سعي الولايات المتحدة لاحتكار سوق الغاز الأوروبية بما توفره من الغاز المُسال، حيث يُعتقد أن إحدى المصالح الرئيسية لواشنطن في الحرب الروسية الأوكرانية هي إغلاق الطريق على موسكو في احتكار أسواق الغاز الأوروبية، وأن تحلّ الولايات المتحدة مكانها في ذلك، استناداً إلى مشاريع عديدة وبِنْية تحتية كبرى وإنتاج عظيم تتمتع به مرافق الغاز الأمريكية.  

 

 


 

[1] Clémence Pèlegrin,  The advantages and uncertainties of gas in Europe’s energy transition . La Fondation Robert Schuman le centre de recherches et d’études sur l’Europe, 05/12/2023.   Link  

[2]    Market analysis – Energy , An official website of the European Union,   Link         

[3]     رغم الحرب... لماذا تستمر روسيا في ضخّ الغاز إلى أوروبا عَبْر أوكرانيا؟  صحيفة الشرق الأوسط،    12/08/2024 . الرابط  

[4]      أوروبا تعزز قدراتها في استيراد الغاز الطبيعي المسال ، وكالة الأناضول، 29/02/2024.      الرابط  

[5]     خطوط أنابيب الغاز الروسية إلى أوروبا.. ماذا تعرف عنها وما حجم تدفُّقاتها؟  الجزيرة نت، 04/09/2022.      الرابط  

[6]     انظر: أحمد بدر،  صادرات الغاز الجزائري إلى أوروبا عَبْر خطوط الأنابيب تحتل المركز الثاني،  منصة الطاقة الإعلامية، 13/08/2023. الرابط  

[7]    Eser Özdil,  How Turkey benefits from global LNG glut,  Atlantic council, 07/05/2024.   Link       

[8] Ben McWilliams,  Giovanni Sgaravatti Simone Tagliapietra Georg Zachmann , The European Union is ready for the 2023-24 winter gas season ، buregel, 10/10/2023.      Link